كتب رئيس التحرير: في الدول "البطرانة" ديموقراطية و"شبعانة" حرية، لا يُمكن لأحد أن يكتب مثل هذه السطور، فالانتخابات هناك تحصيل حاصل، بل سُنة من سنن الحياة، والحديث عن تأجيلها أو إلغائها أو التنكر لنتائجها جريمة! 

لكن، في واقعنا الفلسطيني -المليء بالمشاكل والجروح والخذلان- استثناء، بل هو شذوذ عن قاعدة الديموقراطية والحرية واحترام التبادل السلمي للسلطات، ففلسطين تعيش فراغاً تشريعياً منذ سنوات، لا مجلس تشريعي يُعقد، ولا نواب يواجهون السلطة التنفيذية ويسائلونها وينقلون هموم الشعب الذي انتخبهم ويدافعون عنها.

بات ظهر المواطن مكشوفاً للسلطة التنفيذية مع غياب ممثليه في السلطة التشريعية، باتت القوانين تنهال عليه من كل حدب وصوب دون أن يكون لممثليه أي دور في صياغتها وتدقيقها والاعتراض عليها!

فلسطين التي لا ينقصها من الهموم شيء تحتاج لإكسير الحياة المخبأ داخل صناديق الاقتراع، ليلتئم جرحها وانقسامها وتشرذمها، تحتاج فلسطين لصندوق "العجائب" حتى يشعر المواطن فيها بمواطنته، وليكون له ممثل يُشّرع ويواجه أي مسٍّ بحقوق الناخبين.

البلد بحاجة لصندوق الانتخابات حتى يختفي انتهاك الحريات، نحتاجه حتى نتوقف عن رؤية صحفي يُعتقل بسبب عمله، أو رسوم وضرائب تعصر المواطن دون وجه حق!

لا صوت للناس منذ سنوات، لقد أصابهم الخرس، كيف لا وألسنتهم وهم نواب التشريعي لا يعملون، صاروا خارج الخدمة، فما عاد أحد ينقل همومهم وشكواهم ويحاول التخفيف عنهم.

ليس غريباً إذن تراجع ثقة الشارع بالحكومة والفصائل والسلطة، فهو لا يشعر أن له شيئاً أو أن لصوته تأثيراً، هو لا يشعر بمواطنته لغياب ممثليه، لذلك فعندما تطلب الحكومة من الشارع الصمود أو الخروج في مظاهرة أو اسناد شيء فهي لن ترى أحداً يقول لها حاضر.

ما زاد ويزيد الطين بلة التعينات والترقيات التي تقع على سمع المواطنين كالصاعقة في ظل الأزمة المالية التي يعيشونها لم تكن لتحدث لو كان هناك مجلس تشريعي يحاسب ويراقب.

الفلتان وانتشار السلاح وتفشي جرائم القتل والتقصير الواضح للجهات المعنية لم يكن ليحدث لو كان هناك جسم تشريعي يراقب ويحاسب المقصرين ويسُن قوانين رادعة.

الضعف الدبلوماسي الذي نعيشه هذه الايام من ضعف لسفرائنا وطواقمنا الدبلوماسية وحتى طريقة تعيينهم واختيارهم وخسارتنا للإخوة العرب والدول الصديقة لم يكن ليحدث لو كان هناك جسم تشريعي يراقب ويحاسب.

كل العلل والأمراض والتفسخات والنكبات التي يعيشها الشعب اليوم لو تتبعتم أصلها لعرفتم أن إغلاق باب المجلس التشريعي كان سببها!

مرور 14 عاماً على الانتخابات لأشخاص منهم من كَبُر ومنهم من مات ومنهم من فَشِل وأجيال ولدت ولا تشارك في صنع مستقبلها يتطلب منا اقرار الانتخابات فورا.

الاحتلال وأمريكا التي تشكك بممثل الشعب الفلسطيني وبعض الدول التي ربطت دعمها في اجراء الانتخابات، الا تستدعي منا تنفيذها فوراً؟

هناك أمور هامة وخطيرة تحتاج لقرار من الشعب بها وكذلك الرد عليها فأبسطها إقرار المناهج وأهمها الحسم في اتفاقية أوسلو وبرتوكول باريس وحتى في استمرار السلطة وبقائها.

الانتخابات ليس استحقاقاً فقط، ليست فرضاً فقط، وإنما هي حاجة مُلحة لاستمرار الحياة السياسية والاجتماعية والقانونية في فلسطين.

ملاحظة: يُسمع بين الفينة والأخرى أن إسرائيل قد تعرقل إجراء الانتخابات في القدس، واجب السلطة هنا هو عقدها رغم أنف الفاسد نتنياهو، حتى لو بالحمام الزاجل، أو الوسائل التكنولوجية، المهم أن تُعقد. المهم أن يُنفض الغبار عن مقاعد المجلس التشريعي.