كتب رئيس التحرير: تسعى فلسطين، الدولة التي لم تحِز بعد على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، إلى الانضمام إلى جميع المنظمات والمعاهدات الدولية، لتثبت نفسها عالمياً، ولتقول للمجتمع الدولي بأنها ملتزمة بالقانون والأعراف الدولية، وأنها تستحق الاعتراف الكامل من جميع دول العالم.

المعاهدات والاتفاقيات والمنظمات التي انضمت إليها فلسطين تُحتم عليها تعديل بعض قوانينها الداخلية، كما أنها توجب عليها الالتزام بالقوانين الدولية ونصوص المعاهدات التي انضمت إليها كتجسيد عملي للانضمام.

ما شهدته الساحة الفلسطينية خلال الأيام الماضية يشكل انتهاكاً صارخاً لأساسات القانون الدولي والاتفاقيات التي تدعو لحرية الرأي والتعبير التي انضمت إليها فلسطين، فقد شهدت شوارع فلسطين انتهاكاً لحرية الرأي من خلال قمع الأمن لمئات المتطاهرين الرافضين لاتفاقية سيداو، كما شهدت الشوارع نفسها انتهاكاً لاستقلالية السلطة القضائية عن التنفيذية، من خلال منع القضاة من قِبل أجهزة الأمن من التوجه لمجلس القضاء الأعلى وحضور جلسات محكمة العدل العليا التي كان من المقرر ان تنظر بدعاوى تقدم بها القضاة ضد تقاعدهم القسري والنقل التعسفي لبعضهم كما قالوا، وفي ذلك اعتداء صارخ على السلطة القضائية واستقلالها تتحمله السلطة التنفيذية ومجلس القضاء الاعلى لعدم حمايتهم وحماية هيبة القضاة والقضاء.

للجميع حرية قبول أو رفض أي فكرة مهما كانت، ورافضو سيداو لهم كامل الحرية في التعبير عن هذا الرفض إذا كان ضمن الأطر القانونية ودون الاخلال بالسلم وتخريب الممتلكات، وهذا ما التزم به المتظاهرون الرافضون للاتفاقية، لكن قمع الأمن الفلسطيني الذي رآه كثيرون بأنه غير مبرر كان لافتاً للنظر، كما سيلفت نظر المؤسسات الدولية التي انضمت فلسطين لمواثيقها!

منع السلطة التنفيذية للسلطة القضائية من التحرك كان صفعة مدوية لهيبة القضاء واستقلاليته، وتعبير حقيقي عن الوضع الراهن في فلسطين، وهو أن السلطة التنفيذية احتكرت جميع السلطات، فلا مجلس تشريعي يعمل، ولا سُلطة قضائية حُرة! 

يذكرنا مشهد حاجز الشرطة الفلسطينية أمام القضاة بموقف يُروى عن الرئيس عرفات حينما زار الراحل عرفات محكمة بيت لحم، القاضي فريد مصلح قام عن الكرسي، وطلب من أبو عمار أن يجلس مكانه، فغضب أبو عمار، وقال: هل يسجل في تاريخ أبو عمار أنه جلس مكان قاضي؟!  .. شتان بين الموقفين!!

القضاة هم الأمناء على حماية الحقوق والحريات، ونشر العدالة، وتطبيق وتطوير القوانين التي على أساسها يبنى المجتمع وتقوم العلاقة بين الناس فكيف بنا نعتدي على هيبتهم ونمس كرامتهم ونمنعهم من حرية التعبير ونظهرهم أمام الشعب عاجزين عن حماية أنفسهم؟ فهل سيثق الناس بهم وانهم قادرين على حماية حقوقهم ؟؟؟  واذا كانت حقوق القاضي مهدورة فكيف تكون حقوق المواطن العادي؟

ان أداء رسالة القضاء في إعلاء كلمة القانون و إقرار العدل  لا يتأتى إلا باستقلال القضاء وتقرير ضمانات حقيقية لهذا الاستقلال، ويتطلب فوق ذلك توافر صفات وفضائل في القاضي، إلا أن استقلال القاضي لا يعني عدم المساءلة إذا ما أخل بواجبات وظيفته ومقتضياتها وتقاليدها ولكن تتم عبر القانون ومن خلال وزير العدل ومجلس القضاء الاعلى وموافقته.

إذا كان الهدف من إقرار قانون حماية الأسرة الاستجابة لمطالب دولية فإن قمع الحريات الذي حدث ضد المحتجين عليه زلزال دمر صورة دولة فلسطين أمام الشارع الفلسطيني وأمام العالم بأسره وأصبحنا كالمثل القائل "لا مع سيدك بخير ولا مع ستك بخير".

وفق ذلك كله وما كُتب من الكثير من أصحاب الرأي ضد ما حدث من تصرفات للأجهزة الأمنية يستوجب لجنة تحقيق محايدة ونتائج سريعة يتم فيها المحاسبة لكل من تجاوز الحريات ومس القانون الأساسي الفلسطيني والاتفاقيات والقوانين الدولية وغير ذلك فخسارة فلسطين كبيرة داخلياً ودولياً.

وفي الختام، لاحل لشعب فلسطين وقضيته سوى بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل فوري، وإلا فإننا سنشهد مزيداً من الأزمات الداخلية والخارجية، وستذهب الأمور للأسوأ.