كتب رئيس التحرير: "يا وحدنا"، هذا حال الفلسطينيين اليوم أمام حالة الضعف والهوان والتشرذم العربي، ضُعف بدأ بتحييد مصر والتي كانت أقوى وأهم دول الطوق، بعد تقييدها وتكبيلها بإتفاقية السلام التي وقع عليها السادات.

لم يقف مسلسل ضعف العربي من "المحيط الهادر إلى الخليج الثائر"، فانهارت دفاعات العرب أمام تمدد إسرائيل، لينهار سد آخر من دول الطوق في التسعينيات بتوقيع الأردن اتفاق سلام مع تل أبيب.

تسريبات إسرائيلية كشفت أن سوريا كانت قاب قوسين أو أدنى من اتفاق سلام مع تل أبيب أيضاً، إلا أن شيئاً لم يُكشف عنه بعد منع هذا الاتفاق. أما لبنان فهي منهارة داخلياً ولا حاجة لأحد بأن يقوم بهدمها!

تبِعَ كل هذا الانهزام انهزامٌ آخر سُمي ظُلماً "الربيع العربي"، فخلَّف دماراً في سوريا وليبيا ودول عربية أخرى، ليستمر السقوط العربي بالحرب بين السعودية والإمارات والتحالف العربي من طرف واليمن من الطرف الاخر.

لم يكن السلام الإماراتي الإسرائيلي وليد لحظةٍ أو صدفة، بل هو ثمر زواج عرفي استمر لسنوات، عبرت عنه وفود رياضية وطائرات "مساعدات" حطت في تل أبيب، وعلم إسرائيليٍّ رفرف في أبو ظبي على وقع النشيد الصهيوني.

جاء اعلان يوم أمس عن إتفاق إسرائيلي أمريكي إماراتي بتطبيع كامل وشامل بين اسرائيل والإمارات وإقامة علاقات دائمة وافتتاح سفارات، لتغرس الإمارات خنجرها المسموم في خاصرة وقلب القضية، ولتعلن صراحة عن بيعها وخيانتها لتراب القدس.

هذا الاتفاق الخياني، ورغم امتداد جذوره تاريخياً بين عُربان الصحراء والصهيونية إلا أن الإعلان عنه جاء بشكل مفاجىء، وأتى في ظل ظروف غاية في التعقيد والصعوبة فيما يخص القضية الفلسطينية، والمفاجئ والغريب بها كان إعلانها بوقاحة عبر ولي العهد محمد بن زايد حيث كانت العلاقات الاماراتية الاسرائيلية مفتوحة وواضحة بينهم لكن دون إعلانها كحال بعض الدول العربية هذه الأيام، وهذه طعنة في القلب وخاصة انها جزء من تطبيق صفقة القرن التي اعلنها الرئيس الأمريكي ترمب والذي قال بوضوح: ان صفقته المشؤومة مدعومة عربياً وحضر إعلانها ثلاث سفراء عرب على رأسهم الامارات وهذا الاتفاق يُثبت ما قاله ويُنذِر بإعلانات مماثلة لدول عربية وخاصة خليجية للتطبيع الشامل والكامل مع اسرائيل كالبحرين وعُمان.

ردود الأفعال العربية في معظمها صامته خجولة، وبعضها رحب دون تعليق وهذا أقرب للموافقة عليها من الرفض، والأصعب ترحيب مصري وعلى لسان عبد الفتاح السيسي بالاتفاقية والتي وصفها بأنها دعم لجهود السلام في المنطقة.

السؤال المُلِح: هل السعودية غائبة عن تفاصيل هذا الاتفاق؟؟ بالتأكيد الاجابة لا، فهي تعلم، وهناك غطاء من مجموعة دول على رأسها مصر والسعودية.

المثير للاشمئزاز فلسطينياً هو محاولة الامارات الظهور بمظهر المُخلص والمدافع عن القضية الفلسطينية عندما قال بن زايد إن الاتفاق جاء مقابل وقف قرار الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أما الحقيقة فهي أن الإمارات لم تتوقف لحظة عن التآمر المستمر ضد القضية الفلسطينية خلال السنوات الماضية، وهذا الاتفاق أخطرها والذي يعتبر جزءاً اصيلاً من تطبيق بنود (صفعة ترمب)، ونفذها الإماراتيون بتعليمات من البيت الأبيض.

الامارات ليست دولة تحتاج المال الأمريكي أو الاسرائيلي ولا يوجد خلاف بينها وبين الشعب الفلسطيني او اليمني او الليبي، بل يتضح انها وكيل لطرف آخر لتنفيذ الملفات السوداء وبشكل خاص تعزيز قوة إسرائيل في المنطقة وتدمير الدول العربية، بحيث تكون أرضاً خصبة للامريكان والاسرائيليين.

ترمب ونتنياهو بهذا الاتفاق لم ينفذوا صفقة القرن فحسب، بل تم انهاء حل الدولتين والقضاء على فرصة للسلام وإلغاء كامل للمبادرة العربية، وهذا الاجراء كان إنقاذاً لكل من نتنياهو وترمب، وجزءاً من حملتهم الانتخابية القادمة، حيث أن نتنياهو الذي يعاني من مشاكل تكاد تكون أسقطته داخل المجتمع الاسرائيلي وجد بالاتفاقية سُلما يعود من خلاله للصدارة بين الأحزاب والشخصيات الاسرائيلية، وقد سارع للتوضيح ان قرار الضم لم يتوقف بل جُمد لحين التنسيق مع أمريكا حول تاريخ تنفيذه، وأنه لا وجود لدولة فلسطينية. وكان مخطط ترمب واضح انه لن يضم الأرض الفلسطينية لإسرائيل فقط بل قبلها او معها سيضم دولاً عربية لإسرائيل، وهناك تسريبات ان البحرين ستكون بعد الامارات، تحت شعار السلام مقابل السلام وليس الارض مقابل السلام.

الامارات لن تجرؤٔ على هذه الخيانة والطعن في الظهر لقضية فلسطين لو كان هناك رادع، ولولا وجود غطاء عربي من دول عربية وازنة كما ذكرنا تدعم هذا التوجه والقرار.

الموقف الفلسطيني وعبر قيادته وصف هذه الاتفاقية بأنها خيانة وطعنة للقدس وتم سحب السفير الفلسطيني من ابو ظبي، وكذلك موقف حركة حماس وجميع الفصائل الفلسطينية، وغالبية الشعب الفلسطيني وصف هذا العمل ليس فقط بالتخلي الكامل عن قضية فلسطين بل والتآمر العلني عليها.

الواضح ان هناك فشل دبلوماسي فلسطيني كبير، حيث خسرنا الهند والبرازيل وامريكا اللاتينية ووصلت إسرائيل للعمق العربي. اين نحن من ذلك؟ فقد تركت الدبلوماسية الفلسطينية العرب لاسرائيل مستغلةً البعبع الايراني ومصالح تجارية دون اي جهد فلسطيني مقابل، والسؤال ألم تكن لدينا فرصة لبذل جهد حقيقي لاستعادة الامارات التي أوقفت حتى الدعم المالي بحجج واهية؟ وان كنّا متأكدين انهم وكلاء للأمريكان لكن لم نرَ جهداً فلسطينياً مضاداً.

أليس من الضروري إعادة النظر بالأدوات الدبلوماسية قبل استفحال الامر لتعلن دول وازنه اتفاقيات مماثلة؟

الواجب على قيادة الشعب الفلسطيني الدعوة لتوحيد الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام واجراء تعديلات جوهرية في وزارة الخارجية وعلى مستوى السفراء، حيث لم يَعُد هناك اي تعويل إلا على صمود الشعب الفلسطيني.

سقط القناع، عن وجه العربان، وعن وجه دبلوماسيتنا. 
يا وحدنا.