منذ تأسيس فرع لـ«الإخوان المسلمين» في الأردن في عام 1945 واختيار عبد اللطيف أبو قورة، الذي كان عضواً في الهيئة التأسيسية لـ«الإخوان» المصريين، الذين كان مراقبهم العام حسن البنا منذ تأسيسهم في عام 1928، فإن العلاقة بينهم وبين الدولة الأردنية لم تصل إلى ما وصلت إليه من تردٍّ في الفترة الأخيرة، حيث أصدرت محكمة التمييز قراراً باعتبار هذه الجماعة «منحلّة حكماً» وفاقدة لشخصيتها القانونية الاعتبارية. ويبدو أنّ هذا القرار أصبح نافذاً وقاطعاً رغم محاولات «الاستئناف» التي قام بها هؤلاء، مستعينين بجهات فاعلة وكثيرة من الداخل والخارج!!
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هؤلاء، أي «الإخوان المسلمين»، إذا كان قرار محكمة التمييز هذا سيكون قطعياً فإنّ بديلهم هو حزب جبهة العمل الإسلامي الذي من المعروف حتى للجهات الرسمية المعنية أنّ تشكيله كان لهذه الغاية، وأنه لا تأثير لهذا القرار الأخير على وضعه القانوني، لكن هناك من يرى أنه إذا كان هذا القرار الآنف الذكر سيشكل انهياراً للعلاقات السابقة بين هذا التنظيم والدولة الأردنية فإنّ البديل الذي سيُعتمد رسمياً هو جمعية الإخوان المسلمين التي تشكلت في عام 2015، وذلك لأنّ الجماعة المنحلة لم يكن لها أي وجود قانوني منذ عام 1953 وحتى الآن.
وبغض النظر عن كل هذه «التفصيلات» فإنّ التساؤلات المتداولة وعلى نطاق واسع في الأردن تدور كلها حول الأسباب الفعلية والحقيقية التي أطاحت علاقات تاريخية بين «الإخوان المسلمين» والدولة الأردنية، وحيث إن هؤلاء بقوا ينحازون إلى الموقف الأردني الرسمي ضد الأحزاب القومية واليسارية كحزب البعث وحركة القوميين والحزب الشيوعي إن سابقاً وإنْ لاحقاً، وبخاصة في عام 1970 عندما كان هناك ما سمي «أيلول الأسود» بين الدولة الأردنية والمقاومة الفلسطينية.
إنه لم يصدر أي تبرير رسمي لانهيار العلاقات التاريخية التي بقيت متواصلة بين الأردن كدولة وبين «الإخوان» كـ«تنظيم حزبي» كان قد تعرض سابقاً ولاحقاً لانشقاقات كثيرة، كان أولها انشقاق الشيخ تقي الدين النبهاني الذي أسس حزب التحرير الإسلامي الذي كان يعتبر متطرفاً، وهو كذلك في حقيقة الأمر، والذي بقي يحيط نفسه بأطر شديدة السرية وبات له وجود فاعل، كما يتردد ويقال، في العديد من الدول الإسلامية الآسيوية.
والمهم فإنّ هناك من يقول إنّ المتطرفين من «إخوان» الأردن قد أخذوا هذا التنظيم بعيداً والتحقوا بهذا الإطار الجديد الذي عنوانه: «رجب طيب إردوغان» وإيران «الخمينية»، وحقيقة إذا كان هذا صحيحاً، وهو بالتأكيد صحيح، فإنّ انهيار العلاقات بين هؤلاء والدولة الأردنية لن يقف عند هذه الحدود المشار إليها، وإنه ليس مستبعداً ألا تقف الأمور عند مجرد اعتبار أنّ «الإخوان» جماعة منحلة حكماً، وأنها فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية.


ويقيناً أنه إذا تأكدت وصحّت هذه المعلومات والتقديرات فإنّ تنظيم «الإخوان المسلمين»، الذي بقي يتغلب على خلافاته وانشقاقاته وبخاصة في بدايات تأسيسه في عام 1945 بمبادرة من ذلك الرجل التاريخي عبد اللطيف أبو قورة الذي كان عضواً فاعلاً في الهيئة التأسيسية لـ«إخوان» مصر، سيتمزّق شر ممزق، وأنه غير مستبعد أن يلتحق الأكثر تشدداً من قياداته وأعضائه بأكثر التنظيمات الإرهابية تطرفاً، وهذه مسألة يجب أن تحسب الجهات الأردنية المعنية حسابها جيداً. فالمعروف أن الأمور في هذا المجال تبدأ صغيرة لكنها لا تلبث أن تصبح كبيرة، وكما هو عليه واقع الحال في سوريا والعراق ودول عربية وإسلامية كثيرة.
لقد تناوب على موقع «المراقب العام»، منذ تأسيس هذه الجماعة في عام 1945 وحتى الآن، ستة «مراقبين عامين»؛ أولهم عبد اللطيف أبو قورة، ثم محمد عبد الرحمن خليفة، وعبد المجيد ذنيبات، الذي انشق عن هؤلاء في عام 2015 وأسس تنظيمه الخاص «جمعية الإخوان المسلمين»، ثم سالم الفلاحات، ثم الدكتور همام سعيد، الذي هو الأكثر بين هؤلاء جميعهم تشدداً وتطرفاً، وأخيراً وليس آخراً عبد الحميد ذنيبات.
وهنا فإنّ ما هو جدير بالذكر هو أنه وكما خرج حزب التحرير الإسلامي بقيادة تقي الدين النبهاني من هذا الإطار فإنه قد خرج منه أيضاً تنظيم «زمزم» الذي انتهى إلى الفشل في بداياته المبكرة، وهذا بالإضافة إلى مجموعات صغيرة لا أمل في أن تكون البديل الفاعل طالما أنّ «جمعية الإخوان المسلمين» قد أثبتت وجودها وأنها قد ورثت هذا التنظيم «الإخواني» سياسياً وتنظيمياً وأيضاً مالياً... وكل شيء!!
ثم وكما تمت الإشارة إليه سابقاً فإنّ «الإخوان المسلمين»، «إخوان» الأردن تحديداً، لم يصبحوا قوة فاعلة إلا بعد ضمور المد القومي وتراجع التنظيمات والأحزاب القومية العربية، وأيضاً بعدما «ذبلت» الفصائل الفلسطينية اليسارية وغابت الفصائل الفدائية القومية مثل: طلائع حرب التحرير الشعبية «قوات الصاعقة»، والجبهة العربية التي كان أسسها حزب البعث «العراقي»، وإنْ في مرحلة متأخرة جداً بعدما «طفحت» الساحة الفلسطينية بالعديد من الفصائل الفعلية والوهمية.
وهنا وما دام أنّ الحديث هو عن «الإخوان المسلمين» فإنه لا بد من الإشارة إلى أن «إخوان» الضفة الغربية وقطاع غزة قد تحولوا في عام 1986 إلى حركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي قامت بانقلاب عام 2007 الدموي على «فتح» والسلطة الوطنية وسيطرت على هذا القطاع والتحقت لاحقاً بالتحالف الإيراني الذي يضم قطر، والذي أصبحت إسطنبول مثابته الرئيسية بعدما «صعد نجم رجب طيب إردوغان» وأصبح المرشد العام لـ«الإخوان» المسلمين.
وهكذا وعودٌ على بدءٍ، فإنه لا بد من الإشارة إلى أنه ما كان بإمكان «الإخوان المسلمين»، «إخوان» الأردن، أنْ يصلوا إلى كل هذه المكانة التي وصلوا إليها قبل أن ينهاروا كل هذا الانهيار لو أنّ الأردن كنظام لم يفتح لهم الأبواب على مصاريعها كمكافأة لهم على موقفهم في أحداث «أيلول عام 1970»، أي بانحيازهم ضد المقاومة الفلسطينية، مما جعلهم يسيطرون على جهاز التعليم بكل مؤسساته، والمدارس ودور المعلمين والجامعات والمنح الدراسية إلى الخارج، وحيث ومع الوقت أصبح لهم بعد عام 1989، 22 مقعداً في المجلس النيابي (البرلمان)، وحازوا رئاسة هذا المجلس لثلاث مرات متتالية، وتمثلوا بخمسة وزراء في حكومة عام 1991.
وعليه فإنّ هناك مثلاً عربياً يقول: «ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع». وحقيقة أن «الإخوان المسلمين»، «إخوان» الأردن قد مرّت عليهم فترة بعد عام 1970 ثم بعد بدء «المرحلة الديمقراطية» أصبحوا فيها هم كل شيء في هذا البلد الذي منذ أن تأسس كدولة قد مرّ بتجارب كثيرة، وأنه في خمسينات وستينات القرن الماضي كانت أحزابه القومية واليسارية تضاهي شقيقاتها في بعض الدول العربية، سوريا والعراق تحديداً، وحيث إن القوة صاحبة القرار الفعلي منذ ما بعد حرب عام 1967 وحتى عام 1970 كانت الفصائل الفلسطينية: حركة «فتح» والجبهة الشعبية وطلائع حرب التحرير الشعبية «قوات الصاعقة» وجبهة التحرير والجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية - القيادة العامة.
ووقتها، أي في هذه الفترة، أصبح «الإخوان المسلمون» مجرد رقم ثانوي في التركيبة السياسية الأردنية، وبخاصة أنهم لم ينخرطوا في العمل الفدائي، وأنّ أكثر ما كانوا قد فعلوه هو أن بعض «شيوخهم» قد شكلت لهم حركة «فتح» قاعدة اسمية في أحد أودية شرق مدينة إربد... ما لبثوا أن غادروها وعادوا إلى قواعدهم سالمين ومن دون أن يطلقوا في اتجاه فلسطين حتى ولا طلقة واحدة.