صدى نيوز: دبّت الحكومة الإسرائيلية الخوف وأنشأت حالة هلع لدى الجمهور، بعدما أعلنت وزارة الصحة، يوم الأحد الماضي، عن أن البلاد في بداية موجة ثانية لانتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). وحسب بيانات الوزارة، فإن الفيروس سجّل أمس، الأربعاء، 966 إصابة جديدة، وأول من أمس الثلاثاء 773 إصابة، ويوم الإثنين 752 إصابة. وتوحي هذه الأرقام أن الوضع بات خطيرا. وبناء عليه، اجتمع "كابينيت كورونا"، وهو هيئة سياسية بالأساس، واتخذ قرارات بفرض قيود على التجمهر، وخاصة في قاعات الأفراح وأماكن العبادة.

وفي موازاة ذلك، شدد متحدثون باسم الحكومة، بينهم وزراء ومديرون عامون لوزارات، أنه لن تتم العودة إلى الإغلاقات بموجب أنظمة طوارئ وأن المرافق الاقتصادية ستبقى مفتوحة، وكذلك المواصلات العامة وخاصة القطارات. ويبدو للوهلة الأولى أن ثمة تناقضا بين الإعلان عن موجة ثانية، مدعومة بأرقام مرعبة تقترب من ألف إصابة يوميا، وبين عدم إغلاق مرافق اقتصادية ومواصلات عامة، مثل القطار.

عدد مرضى قليل جدا

إلا أن خبراء يؤكدون أن هذه الصورة التي ترسمها الحكومة ليست صحيحة، وفقا للبروفيسور دورون لينتست، من قسم علم الوراثة الجزيئية في معهد وايزمن، والبروفيسور يتسحاق بن يسرائيل، رئيس مركز السايبر في جامعة تل أبيب ورئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية. وكتبا في مقال نشره موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني، يوم الأحد الماضي، أن نسبة مرتفعة (أكثر من نصف) من الذين تم الإعلان عنهم أنهم "مرضى" لا تظهر عليهم أي أعراض، استنادا إلى بيانات وزارة الصحة التي تسمى "ميزات المصابين بالعدوى".

وأضاف الخبيران أن "أنبياء الكارثة المقبلة ادعوا أنه لا ينبغي تصديق ما يُفهم من المعطيات إلا لأنها تتجدد مرة تلو الأخرى يوميا بعد السجلات الأولية، وأن الأعراض تظهر لاحقا. وبعد إجراء فحوصات أخرى، ورغم جميع هذه الادعاءات، واضح أن الأعراض لا تظهر على قرابة نصف حاملي الفيروس".

وشددا على وجود أسباب أخرى لعدم الاعتماد على هذه البيانات فقط. "وأحد الاعتبارات الحقيقية من أجل اتخاذ قرارات حقيقية بشأن تشديد الإغلاقات، يجب أن يكون مبنيًا على معطيات أهم من شخص إيجابي للفيروس ويسعل أو يصرح بوجود ألم في حلقه. ويتبين أنه في ركن آخر من كتلة قاعدة البيانات تختبئ معطيات ذات علاقة أكبر، وتتعلق بعدد الذين يرقدون في المستشفيات وحالتهم (الصحية). وهذه المعطيات تقنع بشكل قاطع أنه لا توجد موجة ثانية في إسرائيل".

وأضاف الخبيران أن المعطيات الحكومية "تظهر بشكل واضح أن تراكم ’المرضى’ في الشهر الأخير، منذ بدأ يرتفع عدد حاملي الفيروس يوميًا، أن غالبيتهم الساحقة ليسوا مرضى". وبالإمكان رصد ذلك من خلال عدد مرضى كورونا الذين يرقدون في المستشفيات. فمن بين 8,647 شخصًا، وصفهم بيان وزارة الصحة، صباح اليوم، بأنهم "مرضى نشطين"، يرقد في المستشفيات 270 شخصا ويشكلون 3.1% من مجمل حاملي الفيروس الحاليين الذين تم تشخصيهم، بينما هذه النسبة كانت 12.4% خلال موجة كورونا الأولى. ورأى الخبيران أن هذه المعطيات تشكل "دليلا على ندرة المرضى الحقيقيين بين حاملي الفيروس في الشهر الأخير. وفي نهاية المطاف، التسرير في المستشفيات هو الذي يُحدث التهديد، ولذلك ينبغي اعتباره كعامل مركزي".

تبالغ وسائل الإعلام الإسرائيلية لدى الحديث عن فتح أقسام كورونا جديدة في المستشفيات، إذ إنه "في كل واحد من المستشفيات الـ20 الكبرى يرقد ستة أشخاص جدد شهريًا. أي أن استعدادات المستشفيات لكارثة نابع من توقعات مفندة، وليس بسبب اكتظاظ فيها". ورغم أن عدد الموصولين بأجهزة تنفس اصطناعي والمتوفين هو المؤشر الأخطر، إلا أن عددهم قليل اليوم، وهو 24 شخصا ووفاة واحدة، حسب وزارة الصحة. ويذكر أن هؤلاء يعانون أصلا من خلفية مرضية وزاد الفيروس من المخاطر على حياتهم. وشدد الخبيران على أن "الموجة الثانية" لم تتسبب بظهور مرضى جدد يخضعون لتنفس اصطناعي في المستشفيات.

كذلك شدد الخبيران على أنه "لا يوجد احتمال، ولو ضئيل، لذروة في عدد الموصولين بأجهزة تنفس إلى ألفي شخص، وهو عدد يستخدم حاليا كأساس لقرارات الحكومة. كما أن تحليلنا يبين أن 28 شخصًا توفوا في الشهر الأخير دخلوا إلى المستشفيات خلال الموجة الأولى. وعدد الوفيات القليل (في الشهر الأخير) يؤكد أن الغالبية العظمى من حاملي الفيروس ليسوا مرضى".

وأشار الخبيران إلى أنه "بدلا من الكشف عن مرضى، يجري بالأساس استخدام نماذج من قاعدة الجبل الجليدي لكورونا"، أي مرضى من الموجة الأولى، "أي أن هذه ’موجة’ مكونة بالأساس من متماثلين للشفاء، وربما حتى أنهم طوروا مناعة. والأمر البالغ الأهمية، هو أنه إذا رفعنا أكثر عدد الفحوصات، وبضمنها الفحوصات المصلية، واستمرينا في وصف حاملي الفيروس بأنهم ’مرضى’، فالتوقعات هي أننا سنصل مع مرور الوقت إلى عدد ’مرضى’ يقارب مئتي ألف مريض، أي 2% من سكان إسرائيل، وهذا أعلى بعشر مرات من العدد في الموجة الأولى. ومن يصدق هذه المعطيات، سيضطر إلى مواجهة السؤال حول كيف تحولت إسرائيل فجأة كمن ضربت رقمًا قياسيًا في نسبة المرضى للفرد، أي 2%، مقابل 0.25% لدينا الآن، و0.8% في الولايات المتحدة" الأكثر تضررا من كورونا.

وأضافا أن "النسبة المرتفعة المثبتة للذين لا تظهر عليهم الأعراض، في موازاة العدد القليل من الذين يرقدون في المستشفيات، والخاضعين للتنفس الاصطناعي، والوفيات، في هذه ’الموجة’ تدل على أن هذا ذيل الموجة الأولى وحسب. وهذا الذيل مؤلف من أقل من 60 مريضًا حقيقيًا يوميًا، وبضمنهم غير المسررين، وسيرتفع عددهم في أقصى حد إلى آلاف قليلة بعد شهرين... وينبغي العودة فورًا إلى التعريف الأصلي للمرضى، وهو وجود الفيروس وأعراض واضحة للمرض".

مصالح شخصية

غيرت وزارة الصحة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، شكل تقاريرها حول معطيات انتشار الفيروس، وأصبحت تنشر المعطيات ثلاث مرات يوميًا، الأمر الذي وضع مصاعب أمام استخدام المعطيات.

وقال المدير المهني لجمعية "مَداعت – للمعلومات حول صحة الجمهور"، الدكتور أوري ليرنر، لصحيفة "غلوبس"، مطلع الأسبوع الحالي، إنه "عندما ننظر إلى المعطيات الأخيرة، نرى أنها تغيرت جدًا. وهناك اختلاف كبير عندما نقارن المعطيات المنشورة في اليوم نفسه. بل أن المعطيات الخام حول الارتفاع اليومي لعدد المرضى ليس كافيًا. ومن دون معرفة ما هي ’قصة’ المرضى – طول مدة المرض ’الطفيف’، كم عدد المرضى بوضع خطير تماثلوا للشفاء وكم استغرق ذلك – ومن دون معرفة ما هي سلسلة تناقل العدوى، فإنه لا توجد في هذه المعطيات قيمة كبيرة".

وأشارت الصحيفة إلى تذمر أطباء وخبراء من انعدام وضوح المعلومات، النقص بالمعطيات وانعدام الشفافية "الذي يرافق وزارة الصحة منذ بداية الأزمة. وحتى بعد أربعة أشهر، فإن قاعدة البيانات الكاملة معدومة الشفافية، وإدارة الخبرة والبحث تنفذه عدة هيئات وبينها مجلس الأمن القومي وشعبة الاستخبارات العسكرية، ولا تُنشر بصورة منتظمة".

وأضاف ليرنر أن المعطيات المنشورة يوميا لا تسمح برسم صورة ذات مصداقية لانتشار الفيروس. "وزارة الصحة لا تدرك أي يتواجد الجمهور من حيث المعلومات التي يبحث عنها. فالأفراد يبحثون على ماذا تستند المعلومات، وأين يخدعوننا. والمعلومات التي تُنشر في المنصات المختلفة ليست متشابهة دائما. وجميع هذه الفجوات وانعدام المعلومات، تؤدي إلى عدم ثقة. والمواطنون لا يعرفون على من عليهم الاعتماد. وهذا يشكل أساس لنظريات مؤامرة أيضا".

من جانبه، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إيهود باراك، للإذاعة العامة الإسرائيلية "كان"، اليوم، إنه جرى في السنوات الماضية تشكيل هيئة في وزارة الأمن قادرة على مواجهة أزمات كبيرة للغاية، وبينها أوبئة. لكن الحكومة الحالية لم تستخدم هذه الهيئة "لسبب ما"، مضيفا أن المعلومات التي بحوزته تدل على وجود مبالغة كبيرة في المعطيات حول كورونا، ولفت إلى أن هذه المعطيات تشمل أعدادا كبيرة من المواطنين الذي وُجد في أجسادهم مضادات لكورونا، أي أنهم حملوا الفيروس لكن جسمهم طور مناعة ضده.

بدلا من ذلك، وبعدم وجود طاقم مهني يضع إستراتيجية مواجهة كورونا، قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تشكيل لجنة وزارية لشؤون كورونا، يطلق عليها تسمية "كابينيت كورونا"، وهي هيئة سياسية مكلفة باتخاذ القرارات لمواجهة الفيروس. ويرجح سياسيون ومحللون كثيرون أن نتنياهو يستخدم "كابينيت كورونا"، من أجل ترهيب الجمهور من كورونا، في إطار "عقيدة الصدمة"، لتمرير أجنداته السياسية والشخصية، وفي مقدمتها، وبالأساس، صرف الأنظار عن محاكمته وتمرير الاتفاق الائتلافي مع حزب "كاحول لافان" لتشكيل حكومة "الطوارئ" الحالية، ويتوقع أن تضطر المحكمة العليا إلى النظر في قانونية هذا الاتفاق، الذي قلب شكل نظام الحكم في إسرائيل، وأبقى قوة سياسية هائلة بأيدي نتنياهو.

المصدر: عرب 48