كتب رئيس التحرير: لم يكن الانقسام الفلسطيني يوماً من الأيام شماعةً تُعلق عليها مآسي الفلسطينيين، بل هو خنجر مسموم لم يُنزع من صدر الجسد الفلسطيني، لم يُنظَف الجرح بعد، ولا زال ينزف، حتى بات أساس كل الشرور، بل هو أكبر الكبائر.

(1)
رفضت السلطة الفلسطينية المساعدات الإماراتية المغلفة بالتطبيع من ألفها ليائها. رفضها الفلسطينيون لعدة منطلقات، منها ما هو مخفي تحتفظ به القيادة الفلسطينية تحت الطاولة، ومنها ما هو علني مثل عدم التنسيق مع السلطة وأنها أي المساعدات جاءت عن طريق تل أبيب. لكن لحظة، هل هي المساعدات العربية الوحيدة التي جاءت من خلال مطار بنغوريون؟ ألم تهبط طائرات قطر المحملة بملايين الدولارات في حقائب لقطاع غزة، ليدخلها العمادي في سياراته، ثم يقودها نفسها إلى رام الله ليجتمع بالرئيس محمود عباس!

لم يُعب أحد على قطر الغارقة في التطبيع مع إسرائيل ما أقدمت عليه، لماذا؟ وهل قطر والإمارات الوحيدتان اللتان طعنتا فلسطين في كبدها؟ البحرين وما أدراك ما البحرين، ألم تفتتح أمريكا (صفقة القرن) فيها؟ عُمان يا عُمان، أليست هي نفسها التي استقبلت قاتل أطفال فلسطين بنيامين نتنياهو كنبي خرجَ من التيه؟ هذا عدا عن موقع النشطاء والمؤثرين الخليجيين المُخزي تجاه فلسطين.

لم يكن كل هذه الفضائح لتصبح حقيقة لولا الانقسام الفلسطيني، ألم نقل إنه أكبر الكبائر، وليس بعد الكفر ذنب. لقد كفر الفلسطينيون بوطنيتهم ووطنهم عندما قصوا جسدهم لنصفين! كيف لهم أن يحيوا أصلاً وهم من مسك المنشار وفصل الرأس عن القلب وفصل القلب عن باقي الجسد!

(2)
تشتد المعركة بين منظمة التحرير ودولة الاحتلال بعد القرار الاسرائيلي بضم أراضي الاغوار والمستوطنات حيث أعلنت حكومة الاحتلال ان القرار سينفذ بين شهر تموز وشهر أيلول، وأعلنت القيادة الفلسطينية أنها في حِل من جميع الاتفاقيات مع الاحتلال السياسية منها والأمنية والاقتصادية.

تطبيق الضم حسب مهندس أوسلو المستشار القضائي والذي صاغ إتفاق أوسلو المحامي الإسرائيلي الأمريكي يوئيل زينغر هو إنهاء لأوسلو، حيث قال: إقدام إسرائيل على ضم أجزاء من الضفة الغربية كأجراء من طرف واحد سيشكل خرقا جوهريا لإتفاقيات أوسلو الموقعة بين الحكومة الإسرائيلية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهذا عليه إجماع من دول العالم وإسرائيل فعليا أخذت القرار بإجماع الحزبين الكبيرين وسوف تنفذ ذلك خلال شهر بدعم وإسناد أمريكي كامل.

ضم الأرض يعني انتهاء عملية السلام وإنهاء الاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير، وبالتالي ستكون جزءاً من خطة الضم الإسرائيلية الأمريكية إنهاء وجود منظمة التحرير، وبدأتها أمريكا فعلياً بإغلاق مكتب منظمة التحرير في أمريكا.

ستكون الورقة الأساسية التي تستخدمها إسرائيل وأمريكا لضرب منظمة التحرير الفلسطينية هي الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال استخدامهم في الأروقة الدولية وهو أن منظمة التحرير لم تَعُد ممثلاً شرعياً ووحيداً للفلسطينين، ويظهر حِرص إسرائيل على تغذية الإنقسام من خلال تمرير المساعدات القطرية وغيرها لقطاع غزة وعدم الحسم في الحروب التي شنتها ضد حماس في القطاع، فلم تستهدف رموز الحركة بل ركزت على سياسة الردع واستهداف بعض العسكريين مع الحفاظ على وجود حماس قوية في وجه السلطة الوطنية.

حماس بدورها أعطت مؤشرات أنها جاهزة لإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة من خلال تركيزها على الموارد المالية للقطاع مقابل وقف أي شكل من أشكال المقاومة، ناهيك عن عدم إعلانها في يوم من الأيام أن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد، بل توجتها بصراحة بإعلان إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس مؤخراً وفي خطبة الجمعة "انه آن الاوان لاسترجاع منظمة التحرير المخطوفة" حسب تعبيره.

حماس تقف موقف المتفرج في مواجهة قرارات الضم، واكتفت ببعض بيانات الشجب دون أي فِعل مقاوم على الأرض سواء في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية ناهيك عن عروض قطرية لإقامة دولة فلسطينية في القطاع مع إضافة أراضٍ من مصر وميناء عائم ومطار ورفع الحصار عبر إقامة جزيرة في البحر تحت السيطرة الإسرائيلية.
(3)
تحاول أمريكا وإسرائيل الآن جرَّ المملكة الأردنية إلى مربع القبول بالضم، ولو جزئياً، وها هو غانتس يحزم حقائبه للسفر إلى عمان لإقناع المملكة أن ما يجري ليس ضماً للضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها، وإنما هو ضم لبعض المستوطنات، فهل ستنجح إسرائيل وأمريكا بتغيير الموقف الأردني الرافض بشدة هذا المشروع؟

(4)
لم يعد الفلسطينيون الآن يناقشون الضمَّ من عدمه، وإنما بتنا ولو بطريقة غير مباشرة في مربع آخر يعترف ضمنياً بأن الضم حاصل لا محالة، فصرنا منشغلين حول حجم الضم، وتوقيته، وشكله، فهل انطلق قطار الضم حقيقة؟ أم أننا لا نزال في المحطة ولا نزال قادرين على منع القطار من التحرك؟
بصراحة، لن نستطيع منع بعوضة من لسعنا ونحن منقسمون، فكيف نمنع إسرائيل من التهام ما تبقى من أرض؟