أثارني ما فكر فيه صديقي باسم الخالدي و كتب حول حالنا كمجتمع إنساني قبل و بعد الوباء ، و أن ما بعد الوباء ( إن شاء الله ) سيكون حتماً مختلف عما قبله ، أنا أؤيد هذا التفكير ، بل و أظن أنها ستكون فارقة ولن تغير فقط نمط الحياة و السلوك باكتساب عادات و نبذ اخرى .. بل بتغير جذري في مفاهيم و عقائد ، و تدافع بين الناس سيؤدي بالحتم الى تغير في شكل الحاكمية على الأرض .  ستعمق البحث العلمي و تزيد من تفرعاته و أبوابه ، و بالقطع ستزيد التركيز على التبصر و التدبر في  تركيبة و بناء الإنسان بدناً و روحاً  و ربما سيحتاج العالم أن يتوقف ملياً أمام عظمة التوجيه الإلهي  {وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} الذاريات: 21 ، وغيرها من الآيات الداعية إلى التعقل و التفكر في النفس و الذات ، لفهمهما بماديتها و روحانيتها ، و أسباب ما يعتريها من تغيرات و ما يجعلها عرضة للأمراض النفسية و العضوية والبيئية و المجتمعية .. أعتقد أن الإنسان ( إن هو أخذ بأسباب التبصر و التدبر فيما حدث و إعتبره آية حقيقية عظيمة ) سيغير نمط تقديره لأمور  ووزنه للأشياء و حكمه على التوجهات ، فلن يندفع لتأييد طائفة ما أو شخصية ما أو توجهات سياسية أو إقتصادية أو إجتماعية أو بيئية لذات الأسباب التي كانت تحكمه قبل الوباء ، و المهم ، بل الأهم هو قدر ( الإعتبار و التبصر و الخوف الدافع للتغير إيجاباً ) .
وكثيرة هي ( الآيات ) التي عصفت بالبشرية من ولادتها ، فمن منا على إختلاف شرائعنا و مللنا لم يقرأ أو يسمع عن آية طوفان نوح عليه الصلاة و السلام ، و ناقة صالح عليه الصلاة و السلام ، و الأيات التسع التي ضربت مصر الفرعونية وربما لا أبلغ إذا قلت ، أن الحربين العالميتين كانتا آيتين ، و الفاشية كانت آية ، و النازية كانت آية ، و تدنيس الأقصى و إحتلال فلسطين آية ، و دمار الأقطار العربية و حالة الوباء السياسي و وباء الفساد الذي ضرب الشرق الأوسط آية ، ووقوب الغاسق آية  ( غاسق إذا وقب : ظهور و إعتلاء التافه الدنئ الفاسد للسلطة وولاية الأمر ) و من لا يصدقني فلينظر إلى حكان العالم و خاصة الول العظمى في وقتنا الحاضر ،و غيرها من الآيات  .. 
( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) .59- الإسراء
وليس التخويف هنا الترهيب للترهيب ..بل هو بقصد الاعتبار و الإصلاح .. يقول قتادة: في بيان معنى هذه القاعدة القرآنية: "إن الله يخوف الناس بما شاء من آية لعلهم يعتبرون، أو يذكرون، أو يرجعون، ذكر لنا أن الكوفة رجفت على عهد ابن مسعود، فقال: يأيها الناس إن ربكم يستعتبكم فأعتبوه" ، فالخوف هنا بمثابة ( صدمة إفاقة ) بهدف أن يرجع الإنسان عن طغيانه و فساده ، و يسلك الطريق و يقوم بما يستوجب رحمة الله ..

وإن لم يرجعو فإن هذه علامة قسوة في القلب ـ عياذاً بالله تعالى ـ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام.
وهنا لابد من وقفة و اعتبار .. و النظر الى الحدث على انه بركة و منة من الله .. روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال ـ لما سمع بخسف :   " كنا أصحاب محـمد صلى الله عليه وسلم نعد الآيات بركة، وأنتم تعدونها تخويفا ! " . 
ربما بعد وباء كورونا ، سيتسفيق العالم ، ألى حقيقة الوحدة الإنسانية ، و أن لافرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى ، و أن الأخلاق هي جوهر الدين الجامع لكل الملل و الشرائع ، و أن العدل هو ركيزة الميزان . 
ربما سيفهم العالم أن هذا الصحرواي العربي الذي طلما سخرنا من تصرفاته ، و سطحناها ، و خجلنا من طرحها للنقاش ، رغم أن زعماء الدول العظمى ، و كبار الأطباء و المفكرون و الخبراء ، يتسابقون يومياُ للخروج علينا في شرح كيفية غسل اليدين بالماء و الصابون ، هذا المسلم البسيط الصحراوي لا يرتاد فنادق خمس نجوم خالية من أدوات ( النظافة الصحية )، ولا ياكل بالشوكة و السكين المعدنيه أو البلاستيكية ، هو يأكل بيده غالباً أو يغمس بقطعة من الخبز و يتوضأ خمس مرات أو أكثر في اليوم الواحد ، و يستخدم أبسط أدوات الإستنجاء و النظافة ، لم يخترع الديناميت  ليقتل ملايين البشر، ولكنه إخترع أداة غسل بعد قضاء الحاجة لينقذ ملايين البشر .. هو يؤمن بأن النظافة من الإيمان كما علمه النبي محمــد عليه الصلاة و السلام .. 
غض البصر بحياء و عفة ، فحافظ ما أمكن على طهارة النسل ، و هندسة الجين ، و لم يعرض البشرية لأوبئة السارس و الإيدز و السيلان و الزهري و غيرها .. 
هل هذا خطاب عنصري ؟ بالقطع لا ، إنه خطاب إنساني ، فبعضنا نحن الصحراويون ، عندما تمدين ، ولم يتحضر ، غاص في متاهة القذارة و الفساد ، فحق عليه ما حق على غيره من المفسدين في الأرض .. 
هل هذا خطاب ديني ؟ بالقطع هو كذك ، ولا أرى أي غضاضة في هذا ، ومنذ متى لم يكن الدين حاكماً لعقلية الإنسان التي يترتب عليها كل ما يقوم به أفعال ؟ حتى اللادينيين ، يكفي أن تعريفهم مشتق أيضاً من الدين أو عدم الدين .. فالقضية إذن محورها ( الدين ) .. ثم ما هو الدين تعريفاً ؟ ولماذا الخوف من ( تديين المفاهيم و السلوك ) ؟ أليس الدين تعريفاً هو الطريقة أو السلطة أو المبدأ ؟! .. 
وهل يمكن لعاقل أن ينكر أن العواصف و الجوائح و النكبات ، لا تشكل المفاهيم الجمعية ؟ و إلا أصبحت مجتمعات بهيمية غير عاقلة و غير قادرة على التفكير و التبصر . 
وعليه ، فإن جائحة كورونا التي تعصف بنا ، لابد أن ننظر إليها بعين الخوف ، و التحسب ، و نعمل على الوصول إلى بركتها ، و تغيير أنفسنا ، و أحاكمنا  ومناهج عيشنا ، كمجتمع إنساني ، و إذا كانت هي بالفعل ( آية ) فأزعم أن هذا هو مبتغاها .