بقلم: راضي الجراعي
محاضر علوم سياسية سابق في جامعة القدس

تقوم الديمقراطية كنظام حكم على نظرية العقد الإجتماعي، أي أن السلطة هي عقد بين الحاكم والمحكوم يتنازل بموجبه المحكوم عن جزء من حريته الطبيعية ويفوضها لشخص او هيئة لممارسة الحكم في السلطة نيابة عنه وباسم الأغلبية، ويلتزم الحاكم بالعمل على صيانة مصالح الشعب والعمل على تحقيق القيم الديمقراطية كالعدالة والمساواة بين افراد المجتمع وتكافؤ الفرص وضمان الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.

كما يقوم النظام الديمقراطي على الفصل بين السلطات، فهناك سلطة تشرع القوانين وهي السلطة التشريعية وسلطة تقوم بتنفيذ القوانين وهي السلطة التنفيذية وسلطة تراقب السلطتين وتحل الخلافات بين السلطات والأفراد وهي السلطة القضائية. والفصل بين السلطات يهدف الى ضمان عدم تعسف اي من السلطات، كما أن من أهم سمات الديمقراطية هي التداول السلمي للسلطة عبر الإنتخابات الدورية. وعندما تتعطل عملية التداول السلمي للسلطة يصبح هذا تعسفاً بحق الشعب وخرقاً للعقد الإجتماعي، وتحتقن العلاقة بين الشعب والسلطة الحاكمة ويسود القمع للرأي المخالف وتقيد الحريات ويسود الفساد والظلم واستغلال السلطة وكل الموبقات بما فيها التفاهم مع الاعداء ضد الشعب ومصالح الشعب.

هذا بشكل عام، وفي الحالة الفلسطينية فالامر اكثر تعقيداً، فالسلطة الفلسطينية هي سلطة منقوصة السيادة قامت على اساس اتفاق اوسلو والذي كان يفترض انه اتفاق لمرحلة انتقالية مدتها خمس سنوات تنتهي بقيام دوله ذات سيادة على الارض الفلسطينية المحتله عام 1967، و تحويل الوطن المعنوي الممثل بمنظمة التحرير الفلسطينية الى وطن على الارض، يوحد الشعب الفلسطيني و يجمع شتاته. و لكن الطرف الآخر لم يكن صادق النية في التوصل الى حل للصراع، بل عمل على احتواء الصراع و فرض اجندته العنصرية و الفاشية والتي تقوم على فرض الهيمنة على فلسطين التاريخية وانشاء سلطة فلسطينية على السكان تهتم بمشاكلهم اليومية وتضبطهم ان لا يقوموا بازعاج الاحتلال او عرقلة مخططاته، هذا مقابل خلق مصلحة مشتركة مع الاحتلال لطبقة صغيرة و مستعدة للقيام بالدور المناط بها من الاحتلال. و قد تم بناء هذه العلاقة بدهاء و حنكة بحيث يصعب تمييزها لأنها ترتدي الثوب الوطني ولا يسهل نزعه عنها، فقد بقيت تتستر بثياب الفصائلية التنظيمية و مقاومة الاحتلال، و يحكم هذه العلاقة مع الاحتلال اتفاق صامت غير مكتوب.

فما هي الطريقة للخروج من هذا الوضع و هذا المأزق. لقد فشل النظام السياسي الفلسطيني حتى الآن بتحقيق الهدف الذي وجد من أجله وهو قيام دولة فلسطينية على الأرض المحتلة عام 1967، وفشل في احراز أي تقدم على صعيد حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفشل حتى في منع تدهور الوضع الفلسطيني وفشل في وقف تنفيذ المشروع الصهيوني على الأرض من توسيع للاستيطان وهدم للبيوت ومصادرة المزيد من الأراضي بشكل يومي ومصادرة للمياه والأعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال وتدنيس يومي للمقدسات، وفشل في ايجاد منظومة علاقة داخلية قائمة على نظام ديمقراطي يعبر من خلاله عن ارادة الشعب الفلسطيني ويحقق اهدافه الوطنية، فالانقسام استمر اثنتى عشرة سنة والفصل بين الضفة والقطاع مستمر رغم اننا جميعاً نعرف أن هذه مصلحة استراتيجية للإحتلال الإسرائيلي. وبعد ذلك فهل الانتخابات الفلسطينية مطلوبة لذاتها و بالتالي من خلالها يتم تغيير الوجوه او بعضهم، بينما يبقى النظام كما هو، ام ان الانتخابات مطلوبة لتغيير هذا النظام الذي ثبت فشله حتى الآن.
فبعد سبعة وعشرين عاماً من المفاوضات الأ يجدر بنا أن نقف ونقيم مسيرتنا وسياساتنا ونستخلص العبر ونراجع رؤيتنا واستراتيجيتنا لحل الصراع؟. فهل هناك أوضح من قانون القومية اليهودية لفهم المشروع الصهيوني وأهدافه ونواياه الحقيقية؟ هل أصبحنا مشلولي الإرادة ونحن نرى البوابات الحديدية على مداخل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، يقوم جندي أو مجندة اسرائيلية باغلاقها وكأنها حظائر لقطعان من الحيوانات؟ ماذا فعلنا للدفاع عن كرامتنا الإنسانية على الأقل؟ هل يعقل أن يقضي الأسرى الفلسطينين اربعين عاماً في المعتقلات الصهيونية وهم الذين اعتقلوا مناضلين من أجل حرية شعبهم ووطنهم؟ ماذا فعلنا من أجل تحريرهم؟ ماذا فعلنا في مواجهة نظام التمييز العنصري الصهيوني (نظام الأبرتهايد)، هل سنستمر في الاستنكار والشجب وترديد عبارة على المجتمع الدولي أن يجبر اسرائيل على كذا وكذا. انتظرنا اثنين وسبعين عاماً ان يفعل المجتمع الدولي شيئاً لرفع الظلم عنا ولم يأت، رغم ان قرار التقسيم لعام 1947 نص على تدخل المجتمع الدولي وفق الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة (اي باستخدام القوة) في حال تجاوز أحد الطرفين حدود التقسيم، فماذا عمل المجتمع الدولي أمام احتلال  أسرائيل 78% من فلسطين ؟ لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وفي تقديري وبعد أن فقدت الجماهير الثقة بالسلطة في الضفة وفي القطاع على حد سواء، فإننا بحاجة الى انتخابات حقيقية نزيهة وشفافة، لانها الطريقة الوحيدة لمراجعة وتغيير النظام السياسي وإعادة صياغة العلاقة مع العدو ومنظومة العلاقات الداخلية الفلسطينية السياسية، الاقتصادية والمجتمعية بما يخدم المصلحه الوطنية. نحن بحاجة الى انتخابات لاعادة تقييم الاستراتيجية الحالية التي نتبناها منذ 1974 وحتى اليوم، وهي استراتيجية حل الدولتين والتفكير باسترتيجية جديدة تتلائم مع الواقع الذي وصلنا اليه وتحقق وحدة الشعب الفلسطيني حول استراتيجية واحدة تعالج اوضاع ومشاكل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده في فلسطين التاريخية وفي الشتات.
ولذلك فنحن بحاجة الى حوار مفتوح لكل القوى الوطنية الفلسطينية، فصائل وأجسام نقابية وشخصيات ونشطاء سياسين ومنظمات المجتمع المدني وبمشاركة فاعلة من المرأة الفلسطينية، من أجل صياغة برنامج وطني انتخابي وتشكيل كتلة وطنية انتخابية ممثلة للغالبية الشعبية وقادرة على معالجة الوضع الفلسطيني الراهن وصياغة سياسات لاحداث تغيير حقيقي وبناء نظام سياسي يتجاوز نظام اوسلو ومعبراً عن ارادة الشعب الفلسطيني ويعالج الفساد ويحارب المحسوبية.

اينما ذهبت تجد غضباً عارماً ضد كل من القوتين المهيمنتين على الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة وعنوانهما حركتي فتح وحماس وكأنهما يقتسمان أشلاء من الوطن، فغزة اصبحت سجناً كبيراً تفاوض حماس الإسرائيلي على مطالب يومية رفع المنع عن السلع التي تمنع اسرائيل دخولها الى قطاع غزة، زيادة عدد شاحنات الأسمنت المسموح بادخالها. وزيادة مساحة الصيد في البحر وزيادة كمية الوقود المسموح بها لمحطة توليد الكهرباء مقابل التهدئة طويلة الأجل.

وفي المقابل في الضفة الغربية لا تستطيع السلطة الإنفكاك من التنسيق الأمني بما يخدم أمن اسرائيل، ولا تستطيع مواجهة التمدد الإستيطاني ولا غيرها من اجراءآت انهاء المشروع الوطني باقامة الدولة المستقلة على حدود عام 1967، الى درجة أن نتنياهو يدافع عن سماح حكومته بادخال الأموال القطرية الى قطاع غزة ويعتبر ذلك جزء من استرتيجية اسرائيلية، وعلى الطرف الآخر يتوسط لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بدفع الأموال للأجهزة الأمنية الفلسطينية.

فهل ستعاقب الجماهير الفلسطينية التي تعي كل تفاصيل الوضع الفلسطيني المزري عرابي السلطة ذات الرأسين من خلال صناديق الإقتراع ؟ في تقديري ان الإجابة بالإيجاب. ولكن السؤال الأهم هل يمكن صياغة برنامج وطني يقنع الجماهير بامكانية التغيير؟ سننتظر ونرى.