رام الله - صدى نيوز- كتب رئيس التحرير وكالة وطن للأنباء
بعد يوم من تصريحاته التي أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي والتي دعا فيها إلى تعميم مبادرة تدريس طلبة المدارس اقتباسات الرئيس على المستوى الثقافي، بما يخدم ويعمق الغايات التربوية، أطل علينا وزير الثقافة عاطف أبو سيف بتصريحات جديدة لموقع ألماني، أثارت أيضاً جدلاً ونقداً واسعاً.
لقد قال أبو سيف "عاشت عائلتي في يافا لأكثر من ألف عام. وأنا أعرف جميع جدودي وأسلافي بأسمائهم. أنا مستعد لأن أقبل بأن تكون يافا جزءًا من إسرائيل طالما ظلت غزة والضفة الغربية لنا. ولكن حكومة نتنياهو ترفض ذلك. فماذا يُتَوقَّع مني؟ أن أتنازل عن أكثر من ذلك؟ لقد تنازلنا عن نحو ثمانين في المائة من وطننا القديم. والآن يجب علينا أيضًا أن نتقاسم النسبة المئوية المتبقية؟ لا! فهذا غير منطقي."
وهنا نسأل الوزير أبو سيف من منحك الصلاحيات للتنازل عن يافا؟ أليست يافا وكل أراضي فلسطين التاريخية هي حق جماعي! فكيف تقزمه لحق فردي وكأن يافا التي نتغنى بها أحد مقتنياتك التي تهبها لمن تشاء!
وهنا نسأل أيضاً أليس دور وزير الثقافة والمؤسسات الثقافية حماية وحراسة الموروث الثقافي الفلسطيني والرواية الفلسطينية التي يحاول الاحتلال سرقتها؟ أليست يافا جزء أصيل من ذلك التراث والتاريخ والرواية الفلسطينية؟ أليس برتقال يافا إرث الأجداد وأحد معالم ذلك التراث والرواية؟ أليس ميناء يافا الذي دمره الاحتلال جزءا من الموروث الثقافي للشعب الفلسطيني؟ ألم تشتم عبق العروبة من حي العجمي وحجارته التي كتبت بدماء الشهداء عند احتلال فلسطين؟
لقد سرق الاحتلال الشجر والحجر والأرض وما عليها، لقد سرق الأسماء والماء والهواء، لقد سرق كل ما نتغنى بفلسطينيته حتى الفلافل والحمص، لقد سرق يافا وحيفا وعكا وصفد وكل من حولها، فمن يتجرأ أن يعطي لنفسه الصلاحية في التنازل عن كل ذلك!
يافا لم تكن وحدها التي أثارت الجدل في حوار وزير الثقافة، بل حديثه عن غزة بقوله "قد تكون غزة هي المكان الأسوأ والأوسخ والأكثر اكتظاظًا بالسكَّان في العالم. مكان يحكمه الأصوليون. لكنه مكانٌ أجدُ فيه نفسي في بيتي".
وأضاف أبو سيف: حركة حماس هي حارس في سجن كبير اسمه غزة. هذه هي الحقيقة غير المعلنة. يوجد حصار إسرائيلي وحصار من قِبَل حماس، وكلٌ منهما يُكمِّل الآخر من أجل السيطرة على الأهالي في غزة. ولكنني لن أتركهم يقرِّرون إن كان بإمكاني العيش في بلدي أم لا. وحتى لو قتلوني.
نعلم جيداً أيها الوزير أنك تعرضت خلال قمع حراك "بدنا نعيش" لاعتداء وحشي من قبل حركة حماس، وقد أدنّا ولا نزال ندين ذلك الاعتداء وأي أعتداء على الحريات وحقوق الإنسان، إلا أن ذلك لا يعطيك الحق في مساواة حركة حماس بالاحتلال في حصار غزة، أو التحريض المبطن ضدها بتشبيهك حماس بالأصوليين وكأنك تساويها مع "داعش" وأخواتها، صحيح أن حالة حقوق الإنسان في قطاع غزة مستباحة، وخير مثال على ذلك قمع حراك "بدنا نعيش"، وأيضاً المؤسسات الحقوقية تقول إن حالة حقوق الإنسان في الضفة أيضاً ليست بأفضل من ذلك.
غزة التي تتعرض للعدوان في كل يوم وحصار "إسرائيل" خانق أعدم كل معاني الحياة فيها، غزة التي فقدت قبل أيام أكثر من 30 شهيداً ومئات الجرحى، بحاجة لرفع الإجراءات العقابية التي اتخذت ضدها، بحاجة لإنهاء الانقسام المستمر منذ سنوات، بحاجة لإعادة الحياة إليها، بحاجة للحفاظ عليها وحمايتها حتى لا نقع في فخ ما تسمى "صفقة القرن".
إن ما جاء في تصريحات وزير الثقافة سواء عن غزة أو يافا هو هراء، ولا يمكن وضعها إلا في خانة استجداء الغرب، وووصفه غزة بأنها المكان "الأوسخ في العالم" هو أوسخ ما يمكن أن نسمعه من مثقف يحترم شعبه.
المطلوب من وزير الثقافة الاعتذار للشعب الفلسطيني والتراجع عن تصريحاته، المطلوب من وزير الثقافة أن يعتذر ليافا فهي ليست في مزاد علني للبيع وغزة فهي الأنقى وليست الأوسخ في العالم.