
صدى نيوز: تشهد المنظومة الصحية الفلسطينية واحدة من أعقد أزماتها المالية في السنوات الأخيرة، حيث تتداخل عوامل الحصار والقرصنة المالية مع العجز الحكومي، لتضع المؤسسات الصحية والعاملين فيها أمام تحديات غير مسبوقة. وفي خضم هذه الأزمة، أصدر اتحاد المستشفيات الأهلية والخاصة بيانا يوضح حجم التحديات المالية التي تواجه هذه المؤسسات. وفي المقابل، جاء رد اتحاد نقابات المهن الصحية الفلسطيني ليؤكد موقفه من قضية رواتب الموظفين وحقوقهم الوظيفية، مشددا على ضرورة عدم تحميل العاملين تبعات الأزمة.
بيان اتحاد نقابات المهن الصحية الفلسطيني
قال الاتحاد في بيانه: "في ظلّ الأزمة المالية الخانقة التي تمرّ بها المنظومة الصحية الفلسطينية، وما تشهده من ضغوط متراكمة نتيجة قرصنة أموال المقاصة من قبل سلطات الاحتلال، واستمرار حالة العجز الحكومي عن إحداث اختراق حقيقي يخفف من حدّة الأزمة، يتابع اتحاد نقابات المهن الصحية بقلق بالغ ما يصدر عن بعض إدارات المستشفيات من توجهات وإجراءات تمسّ بشكل مباشر العاملين في القطاع الصحي".
وأضاف: "إن اتحاد نقابات المهن الصحية، وإذ يؤكد تفهمه الكامل لحجم التحديات المالية التي تواجه المستشفيات الأهلية والخاصة، يرفض بشكل قاطع تحميل الموظفين والعاملين في القطاع الصحي تبعات هذه الأزمة، أو الزجّ بهم كطرف ضعيف يدفع ثمن إخفاقات إدارية ومالية تراكمت عبر سنوات طويلة، في وقت كان فيه هؤلاء العاملون خط الدفاع الأول، وضمانة استمرار تقديم الخدمات الصحية للمواطنين في أصعب الظروف".
ويؤكد الاتحاد: "أن الموظفين الصحيين لم يكونوا يومًا طرفًا في صناعة الأزمة، بل كانوا ضحيتها، إذ تحملوا لسنوات متتالية تأخير الرواتب، وانتقاصها، وتراجع الحقوق الوظيفية، دون أن يقابل ذلك أي إجراءات حقيقية لحمايتهم أو إنصافهم. وعليه، فإن أي محاولة للمساس برواتب العاملين، أو تحميلهم نتائج العجز المالي، أو التلويح بإجراءات تعسفية بحقهم، تُعدّ خطًا أحمر مرفوضًا واعتداءً مباشرًا على كرامة العاملين وحقوقهم الأساسية."
كما دعا الاتحاد وزارة العمل إلى: "تحمّل مسؤولياتها القانونية والوطنية، وعدم الاستجابة لأي طلبات أو محاولات لإعادة هيكلة المؤسسات الصحية على حساب العاملين فيها، أو تمرير إجراءات فصل جماعي تحت ذرائع الإفلاس أو إعادة التنظيم، دون تدقيق قانوني ومالي دقيق، ودون ضمان الحقوق الكاملة للعاملين وفق أحكام قانون العمل الفلسطيني والاتفاقيات ذات الصلة."
وختم الاتحاد بيانه بالتأكيد على أنه: "لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي محاولة للمساس برواتب العاملين أو حقوقهم الوظيفية، ولن يسمح بأن يتحول الموظفون إلى ضحية سهلة لأزمات لم يكونوا سببًا فيها، محذرًا من أن الاستمرار في هذه السياسات سيدفع باتجاه خطوات نضالية مشروعة دفاعًا عن الكرامة الوظيفية، وحفاظًا على استقرار القطاع الصحي واستمرارية خدماته للمواطنين."
بيان اتحاد المستشفيات الأهلية والخاصة
وجاء في البيان الصادر عن اتحاد المستشفيات: "يؤكد اتحاد المستشفيات للرأي العام والجهات الرسمية ذات العلاقة أن المستشفيات الأهلية والخاصة تمر بأزمة مالية خانقة وغير مسبوقة نتيجة الإرتفاع الخطير في حجم المديونية المستحقة لها في ظل عدم الإلتزام بصرف الدفعات الشهرية المتفق عليها، ونود التأكيد أن هذه الدفعات الشهرية لا تمثل سوى نسبة بسيطة من الدين القائم على كل مستشفى وبمتوسط لا يتجاوز (1.7%) تقريباً، وهي الحد الأدنى الذي يساهم في تمكين المستشفيات من الإستمرار في تقديم خدماتها الصحية الأساسية والوفاء بالتزاماتها التشغيلية".
وتابع البيان: "فقد بلغ إجمالي المديونية أرقاماً غير مسبوقة في وقت لم يتم فيه الإلتزام بصرف الدفعات الشهرية المتفق عليها إضافة إلى عدم الإلتزام بصرف أجزاء من دفعات سابقة، ويزيد من حدة هذه الأزمة توقف البنوك والمؤسسات المالية عن منح أي تمويلات أو تسهيلات إضافية للمستشفيات نتيجة ربط إلتزامات المستشفيات المالية المباشرة مع الحكومة، الأمر الذي حرمها من أي هوامش تمويلية بديلة ووضعها أمام مأزق مالي حقيقي يهدد قدرتها على الإستمرار."
وأضاف: "إن استمرار عدم الإلتزام بدفع الحد الأدنى من الدفعات الشهرية المستحقة للمستشفيات الأهلية والخاصة يهدد بشكل مباشر استمرارية قدرتها على تقديم الخدمات الصحية ويضعها أمام تحديات تشغيلية ومالية جسيمة قد تؤدي خلال وقت قريب إلى اتخاذ قرارات قسرية بوقف الخدمة الطبية بسبب النقص في الأدوية والمستلزمات."
وأكد الاتحاد أن: "الأولوية القصوى ستبقى لضمان استمرارية تقديم الخدمات الحيوية وعلى رأسها خدمات غسيل الكلى والعلاج الكيماوي والحالات التي تتلقى العلاج حالياً، إلا أن استمرار هذه الوضع دون حلول عاجلة يعرض المنظومة الصحية بأكملها لمخاطر حقيقية."
وأكمل: "إنطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية والمهنية ولإدراكنا أن السبب الرئيسي لهذه الأزمة هو احتجاز أموال المقاصة والحصار الجائر على مؤسسات السلطة الوطنية فإن الإتحاد يبتعد عن خيار الإضراب ووقف استقبال المرضى المحولين لما له من آثار مباشرة على الخدمات الصحية، إلا أن الواقع المالي الصعب وعدم القدرة على توفير بعض الأجهزة الطبية والأدوية والمستلزمات الخاصة بها سيفرضان تقليص إجراء عدد من الإجراءات الطبية في المرحلة الحالية، كما يشير الإتحاد إلى الإجتماعات المتكررة التي عقدت مع الحكومة/وزارة الصحة ووزارة المالية وما رافقها من وعود وإلتزامات لا سيّما في يتعلق بتوفير الحد الادنى من الدفعات الشهرية لتوفير المستلزمات الأساسية وأدوية التخدير، والتي لم يتم الإيفاء بها حتى تاريخه."
وختم البيان بالقول: "في ظل الصعوبات الجسيمة التي تعيق الإيفاء الكامل برواتب الموظفين، آثر الإتحاد عدم صرف الرواتب كاملة إنحيازاً للمصلحة العامة ولضمان استمرارية توفير الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية اللازمة للمواطنين، ويؤكد الإتحاد في هذا السياق أنه يتحمل أعباء تقديم خدمات صحية عالية الكلفة حسب خطة توطين الخدمات الطبية، ويتكفل بتقديمها للمواطنين مع الإلتزام بتقديمها بكفاءة وفاعلية واقتدار مهني عالٍ."
وعليه دعا الاتحاد الجهات المعنية إلى: "التدخل العاجل والإلتزام بصرف المستحقات المالية وفق الإتفاقات الموقعة حفاظاً على استمرارية الخدمات الصحية وضمان حق المرضى في تلقي العلاج دون انقطاع."
ويظهر من خلال البيانين أن الأزمة المالية وضعت المستشفيات والعاملين في مواجهة مباشرة، حيث يسعى اتحاد المستشفيات إلى ضمان استمرار الخدمات عبر تقليص الرواتب، فيما يرفض اتحاد نقابات المهن الصحية تحميل الموظفين تبعات الأزمة. هذا التباين يعكس عمق المأزق المالي الذي يهدد استقرار القطاع الصحي الفلسطيني، ويؤكد الحاجة الماسة إلى تدخل حكومي عاجل يوازن بين حماية حقوق العاملين وضمان استمرار الخدمات الطبية للمواطنين.