
صدى نيوز - ربما تكون آلة الحرب الروسية قد وجدت في أوزبكستان ضالتها لتأمين مكون لا يتوقعه أحد في صناعة الذخائر؛ ألا وهو لب القطن، حيث تتجاوز طاقة الإنتاج في مصنع جديد هناك الطلب المحلي بكثير.
مع اقتراب الحرب في أوكرانيا من عامها الخامس، كثفت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون محاولاتهم لمنع روسيا من الحصول على المواد اللازمة لصناعتها الدفاعية. يشمل ذلك القطن، اللازم لصناعة النيتروسليلوز - وهو مكون أساسي للمواد الدافعة المستخدمة في كل شيء من ذخيرة الأسلحة الصغيرة إلى قذائف المدفعية الثقيلة.
وقد دفعت احتياجات روسيا الدفاعية، وإصرار الدول الغربية على حرمانها منها، السليلوز القطني إلى صدارة الصراع الجيوسياسي في آسيا الوسطى. تجلى هذا الوضع بوضوح الشهر الماضي عندما سعى الرئيس دونالد ترمب إلى تأكيد مصالح الولايات المتحدة باستقبال قادة آسيا الوسطى في البيت الأبيض لمناقشة التجارة والمعادن الحيوية.
عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والاتحاد الأوروبي، قمماً مع دول آسيا الوسطى الخمس هذا العام، في ظل تصاعد لعبة النفوذ في هذه المنطقة الغنية بالمعادن والطاقة. لضمان استمرار تشغيل مصانع الذخائر، تحتاج موسكو إلى إمدادات ثابتة من النيتروسليلوز، وهو ما تعاني روسيا من صعوبة إنتاجه منذ بدء الغزو الشامل في فبراير 2022.
أوزبكستان واحدة من أكبر منتجي القطن في العالم، وتربطها بروسيا علاقات وثيقة. وقد وقع الجانبان برنامج شراكة استراتيجية عسكرية مدته خمس سنوات في يناير، برغم أن حكومة طشقند تجنبت إعلان دعمها لحرب بوتين في أوكرانيا.
مصنع بحوذة روسي عليه عقوبات
بينما يُصعد الغرب ضغوط العقوبات على الكرملين، بنت أوزبكستان مصنعاً جديداً لعجينة القطن، ما قد يوسع نطاق تدفق هذه المادة إلى روسيا. وتملك أغلبية أسهم المصنع الجديد حتى يونيو شركة كانت تحت سيطرة رستم مومينوف، الذي فرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات في أكتوبر لتزويده الصناعات الدفاعية الروسية بسليلوز القطن.
أدرج الاتحاد الأوروبي، الذي يحظر تصدير السليلوز إلى الصناعات الدفاعية الروسية، اسم مومينوف كمواطن بريطاني وأوزبكستاني وروسي. وفي 18 ديسمبر، فرضت المملكة المتحدة عقوبات على مومينوف بتهمة تقديم "موارد اقتصادية أو سلع أو تقنية" من شأنها زعزعة استقرار أوكرانيا، وأدرجته المملكة المتحدة على أنه مواطن إسرائيلي وروسي وأوزبكستاني، ولم تدرجه كبريطاني.
وفقاً لبيانات التجارة، سيطر مومينوف وشركاؤه المقربون على أكثر من 80% من صادرات لب القطن الأوزبكي إلى روسيا في عام 2023 وحتى ربيع عام 2024. وقد استثمرت شركة "أليانس كابيتال كيه إس سبولكا“ (Alliance Capital KS Spolka)، التي أسسها مومينوف، 28.5 مليون دولار في منشأة الإنتاج الجديدة "كيمستري إنترناشونال“ (Chemistry International) في نافوي، جنوب شرق العاصمة الأوزبكية. (نقل مومينوف ملكية شركة "ألاينس كابيتال" التي تتخذ في وارسو مقراً لها قبل فترة وجيزة من فرض العقوبات عليه).
كانت الشركة تملك 74% من أسهم "كيمستري إنترناشونال"، بينما سيطرت ”نافويازوت" (Navoiyazot)، أكبر مصنع كيميائي حكومي في أوزبكستان، على 26%، وذلك وفقا لنسخة مؤرشفة من موقع الشركة الاستثماري بتاريخ 18 فبراير 2025.
صرح شوكت جوراييف، المدير التجاري لشركة "كيمستري إنترناشونال"، في مقابلة هاتفية، بأن الشركة لم تبدأ الإنتاج بعد، ونفى وجود أي مبيعات إلى روسيا. وأوضح أن المصنع الجديد بدأ هذا العام بإنتاج كميات صغيرة فقط من هيدروكسي بروبيل ميثيل سيلولوز، المشتق من لب القطن والمستخدم للأغراض المدنية في السوق الأوزبكية. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للمصنع الأوزبكي الجديد 10 آلاف طن من لب القطن سنوياً.
عقوبات بريطانية
فرضت المملكة المتحدة عقوبات على "كيمستري إنترناشونال" في ديسمبر الماضي بتهمة تقديم "موارد اقتصادية أو سلع أو تقنية" من شأنها زعزعة استقرار أوكرانيا. ولم يستجب أحد على المكالمات والرسائل الإلكترونية المرسلة إلى المكتب الافتراضي لشركة ”أليانس“ في وارسو.
وفقاً لبيانات الجمارك التي جمعتها شركة "تريد داتا مونيتور"، زودت أوزبكستان روسيا بنحو 6900 طن من لب القطن الخام - وهو نوع من القطن يستخدم في إنتاج النيتروسليلوز - خلال الاثني عشر شهرا المنتهية في أبريل 2024.
لكن في ربيع عام 2024، انخفضت صادرات أوزبكستان من لب القطن إلى روسيا بحدة. في الوقت نفسه، ارتفعت صادراتها من نوع آخر من القطن - وهو القطن المستخدم في صناعة الحشوات القطنية - بنسبة 76% لتصل إلى 20952 طناً في العام المنتهي في أبريل 2025. وقد فرض الاتحاد الأوروبي قيودا على تصدير لب القطن إلى روسيا منذ عام 2022، مع اتخاذ تدابير إضافية في عام 2023. ويعتقد بعض المحللين أن الارتفاع المفاجئ في شحنات نوع آخر من القطن يشير إلى أن روسيا على الأرجح ما تزال تستورد لب القطن عبر وسطاء أو مخفياً تحت مسمى منتج آخر.
قال غاري سومرفيل، كبير المحللين في مركز المصادر المفتوحة بلندن وباحث سابق في المعهد الملكي للخدمات المتحدة الذي درس سلسلة إمداد الصناعة الدفاعية الروسية: "بالنظر إلى الأهمية البالغة للمدفعية بالنسبة للجيش الروسي في أوكرانيا، يُرجح أن روسيا ما تزال تستورد لب القطن، وأن الاستيراد يكون بطريقة مستترة، إما بعدم الإبلاغ عن الشحنات أو بتسجيلها تحت رمز وصف منتج مختلف“.
لم ترد وزارتا الخارجية والدفاع الروسيتان على طلب التعليق.
عندما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مومينوف، ذكر أنه استخدم مصنعه الكيميائي "فارغونا كيميو زافودي" (Farg’ona Kimyo Zavodi) في أوزبكستان لتزويد مصانع البارود الروسية المدرجة على القائمة السوداء الأميركية بلب القطن. وفي ديسمبر، فرضت المملكة المتحدة أيضا عقوبات على "فارغونا".
لم يكن هناك رد على المكالمات والرسائل الإلكترونية الموجهة إلى "فارغونا" لطلب التحدث إلى مومينوف.
تظهر بيانات التصدير أن شركة "كيمستري إنترناشونال" شحنت كميات صغيرة من هيدروكسي بروبيل ميثيل سيلولوز إلى روسيا في وقت سابق من هذا العام، وبدأت ببيع لب القطن إلى دول مختلفة. وقد صدرت الشركة حوالي 600 طن من لب القطن، معظمها إلى تركيا، بين مايو ونوفمبر 2025، وفقاً لتحليل بلومبرغ لبيانات جمعتها شركة "بيغ تريد داتا" (Big Trade Data) التي تتخذ في بكين مقرا لها. ولم يرد جوراييف على المكالمات والرسائل النصية اللاحقة التي طلبت التعليق.
سلعة متعددة الاستخدامات
إن لب القطن سلعة ذات استخدام مزدوج، ما يصعّب فرض قيود على الشحنات المخصصة للإنتاج العسكري الروسي. فإلى جانب استخدامه في المواد الدافعة في الصناعات الدفاعية، يستخدم أيضاً في صناعة منتجات مدنية مثل السيلوفان وبعض أنواع البلاستيك وبعض المواد الطبية - وهي استخدامات لا تخضع لعقوبات.
قال صامويل كراني-إيفانز، محلل الشؤون الدفاعية والباحث المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: "تحتاج روسيا إلى إمداد موثوق من لب القطن - فكل ما يطلق من سبطانة يحتاج إليه… إن إنشاء مصنع في أوزبكستان، التي تقع ضمن النطاق الجيوسياسي لروسيا، من شأنه أن يوفر إمداداً موثوقاً وفعالاً من حيث التكلفة".
في مايو، فرضت أوكرانيا عقوبات على مومينوف ومصنعه "فارغونا" الكيميائي، وشركة أخرى تدعى "رو ماتيريالز سيلولوز"، التي أشار تقرير صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة عام 2024 إلى أنها تبدو خاضعة لسيطرة مومينوف من خلال مالكين مستفيدين مترابطين.
لقد كشفت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) ووسائل إعلام أخرى العام الماضي عن كونهما موردين لسليلوز القطن لمصانع البارود الروسية، أحياناً عبر وسطاء. في ديسمبر، فرضت المملكة المتحدة عقوبات على شركة "رو ماتيريالز سيلولوز“ (Raw Materials Cellulose).
في ربيع عام 2024، توقفت شركتا "فارغونا" و"رو ماتيريالز سيلولوز" عن تزويد روسيا بسليلوز القطن، وبدأتا بشحن حشوة القطن لأول مرة، وفقا لبيانات "بيغ تريد داتا". كما بدأت "فارغونا" بشحن لب القطن إلى الإمارات العربية المتحدة في يونيو 2025 لأول مرة، بحسب البيانات.
نقل ملكية الشركة
في نهاية يونيو، وقبل أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه، نقل مومينوف حصته البالغة 50% في شركة "ألاينس كابيتال" إلى فيكتوريا بونكوفسكا، التي تسيطر الآن على 70% من الشركة، وفقاً لسجلات الشركة البولندية.
نقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في عام 2024 أن بونكوفسكا يُرجح أنها ابنة مومينوف، مستشهدة بتاريخ ميلادها، واسم عائلتها قبل الزواج الذي كان "مومينوفا". ولم ترد بونكوفسكا على طلب للتعليق عبر فيسبوك.
لم تذكر قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي المصنع الأوزبكي الجديد أو شركة "ألاينس كابيتال". ونفى جوراييف، المدير التجاري لشركة "كيمستري إنترناشونال"، أن يكون مومينوف مستثمراً في الشركة، لكنه قال إنه لا يعرف مالك شركة "ألاينس كابيتال". وأوضح أن المصنع كان يشتري لب القطن لإنتاج كميات صغيرة من هيدروكسي بروبيل ميثيل سيلولوز، المستخدم في البناء والأغذية ومستحضرات التجميل.
لم تحقق شركة "ألاينس" أي إيرادات خلال السنوات الثلاث الماضية، وسجلت خسائر في كل عام منذ عام 2022، وفقاً لبيانات الشركات البولندية، مما يثير تساؤلات حول كيفية تمويلها لاستثمارها في المنشأة الجديدة في أوزبكستان.
وقد عدّد موقعها الإلكتروني المؤرشف، الذي نشر في وقت سابق من هذا العام، مكاتب للشركة في بولندا وأوزبكستان، وذكر أن نشاطها التجاري يشمل إنتاج المواد الكيميائية، وصناعة النفط والغاز، وبناء الطرق السريعة، مدرجاً شركتي "فارغونا" و"كيمستري إنترناشونال" ضمن أصولها.
تقع شركة "كيمستري إنترناشونال" في موقع مصنع "نافويازوت". تلقت أوزبكستان شحنات عديدة من معدات معالجة واختبار لب القطن عام 2023 من شركة صينية، وفقاً لسجلات التجارة.
ووفقاً لتقرير نشرته وسائل الإعلام الحكومية الأوزبكية في يونيو 2024، خططت شركة "كيمستري إنترناشونال" لتصدير سليلوز بقيمة 15 مليون دولار إلى روسيا وبيلاروسيا دون تحديد ما إذا كان للاستخدام المدني أو العسكري.
انحسار صادرات كازخستان مع العقوبات
فيما أن أوزبكستان ما تزال مورداً رئيسياً لروسيا، تشير سجلات التجارة إلى أن كازاخستان المجاورة خفضت صادراتها من سليلوز القطن إلى روسيا بشكل كبير منذ أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كثير من مصانع البارود، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن المعهد الملكي للخدمات المتحدة في عام 2024.
تظهر سجلات التجارة أيضا أن صادرات كازاخستان من قطن الحشو إلى روسيا زادت في ربيع 2024، لكنها ما تزال ضئيلة مقارنة بحجم شحنات أوزبكستان. لم ترد وزارة التجارة الأوزبكية على طلب للتعليق.
قال كراني-إيفانز: "هناك كثير من المصانع الجديدة حول العالم التي تنتج الوقود الدافع، ما يزيد الضغط على سلسلة التوريد هذه لكل من الغرب وغيره... لقد استنفدت روسيا مخزونها الاستراتيجي من النيتروسليلوز، وهي تحاول إعادة بناء الإمدادات بينما تخوض حربها مع أوكرانيا وتتوقع مزيداً من المواجهة مع الغرب".