
في لقائنا الأخير هذا العام قبيل سفر صديقي، سألني ماليّ أرى التشنج لدى الفلسطينيين في أحاديثهم ونقاشاتهم وكتاباتهم في وسائل التواصل ووصفهم لبعضهم بالمعارضة والموالاة "سحيج" كأنها لعنة أو مسبة سيئة لوصم المختلفين؛ هذه المصطلحات في البلدان الأخرى تعتبر مصطلحات محمودة ولها قيمة في السياق السياسي والثقافي والفكري. فأجبته بأن الفلسطينيين يحبون الأضداد في صراعهم السياسي والمترادفات في نقاشهم وفي وصف الخصوم؛ كمصطلحات التكفير والتخوين أو المنشقين والمتمردين أو جماعة فلان أو أبو فلان حين الاختلاف داخل الفصائل والأحزاب وهكذا، وأضفت قد تكون هذه الصعوبة في الوصم نابعة من شظف العيش وطبيعة الحياة وتعرضهم المستمر لعنف الاحتلال، وقد تكون لغياب مفهوم الدولة في حياة الفلسطينيين القائمة على ثنائية المعارضة والموالاة للحكم؛ كمؤسسة من مؤسسات الدولة لإدارة شؤون المواطنين وليس كونها للتحكم في حياة المواطنين، وقلت في نفسي لأضع مزيداً من الفلسفة على إجابتي، وذلك للتحليل السوسيولوجي لابن خلدون عالم الاجتماع العربي الذي أشار الى أن الحكم مَبنيّ على العصبية القبلية أي بمفهوم الغلبة أو ما نطلق عليه اليوم السيطرة والهيمنة بمفهومها الثقافي والسياسي.
أشار إليّ بيده دعك من الفلسفة وتضييع الفكرة الرئيسية من الموضوع؛ فالمعارضة أمر رئيسي في السياسية بل رئيسية للعقل السّويْ، استحضرت فطنتي "فقلت له ماذا تعني؟" للغلبة عليه في هذا اللقاء، فأجاب بسرعة هذه الأوصاف تنكر حق الإنسان الفردي في التفكير والرأي وحقه بحرية التعبير وتضعه في إطار التنميط وكأنه تابع دون عقل أو قدرته على بلورة المواقف إزاء القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية مرهونة بهذه الجماعة أو تلك من ناحية، ومن ناحية ثانية المعارضة السياسية هي جزء من الدولة وليست خارجها بل مكون رئيسي للحكم للمنافسة على الوصول للجمهور من قبل الحكومة، وإعادة وزن لوسائل الحكم وأدواته، ولمراجعة سياساتها بما يتناسب مع غاياتها السياسية واستدامة حكم الأغلبية؛ أي الظفر بالغايتين المنشودتين لسادة الحكم المتمثلتين بثقة المواطنين ورضاهم.
وأضاف أنّ أصحاب الموالاة هم غالباً من النخب الثقافية والسياسية لديهم إدراك واسع لمفهوم الحكم القائم على تعزيز الثقة والرضا أي يقدمون الرأي والمشورة ويمكن وصفهم بالعقلاء" وليسوا سحيجه كما تصفونهم. قاطعته قائلاً أولاً أي مصطلح يطلق هو ابن الثقافة المجتمعية القائمة ويعالج أحياناً بعض قضاياه بطريقة شعبية أو بمعنى أدق شعبوية. شخصياً اتفق معك فالمعارضة والموالاة في الحياة السياسية لا يوجد لديها خطوط فاصلة حمراء؛ فقد تنقلب حالتهما رأساً على عقب في حال تبدل الحكم وفازت المعارضة بالانتخابات فتصبح المعارضة موالاة والموالاة معارضة، وفي ذات الوقت فقد يوافق بعض من يتم وصمهم بالمعارضة على سياسة أو إجراء أو سلوك أو قرار يصدره سادة الحكم فيمتدحه أو يمتدح فعله وفي هذا سلوك العقل أو قدرة على تفهم كواليس الحكم ومتاعبه.
قال صديقي كأنك تتلاعب في الكلمات وتحاول التملق للحكم وسادته، رديت عليه بغضب أأصبحت ممكن يوصمون الناس كتلك الجماعات، ولا تقبل بإعمال العقل في مصلحة المواطنين أولاً في كل فعل ومنطق، دعنا نفترق هذا العام على أمل أن تكون أكثر تعقلاً وأقل حدةً في محاكمة الأشياء من حكم وثقافة وسلوك للمواطنين والسياسيين المعارضين منهم وأصحاب الموالاة أعانهم الله على البلاء أجمعين.