صدى نيوز - في خطوة قد تعيد رسم خريطة تدفقات رؤوس الأموال حول العالم، قررت بورصة "ناسداك" الأميركية زيادة ساعات التداول لديها إلى 23 ساعة يومياً في سابقة تهدف إلى جذب فئات جديدة من المستثمرين حول العالم.

ورغم أن القرار لا يزال بانتظار الضوء الأخضر التنظيمي، أثيرت التساؤلات لدى المتداولين والمحللين في السعودية حول تأثير هذه الخطوة على السوق المالية في المملكة (تداول)، في ظل الارتباط التاريخي للمستثمر السعودي بالأسواق الأميركية، حتى أن تداولات السعوديين في بورصات الولايات المتحدة بلغت في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 583 مليار ريال.

سعد آل ثقفان، عضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية، يلفت إلى أن هذا الرقم يتضمن فقط التداولات التي تمت عن طريق وسطاء مرخصين من هيئة السوق المالية، مشيراً إلى أنه يمثل قرابة 58%؜ من تداولات سوق الأسهم السعودية خلال نفس الفترة. أما إذا أضفنا المتداولين مباشرة عبر وسطاء غير محليين فإنه سيتضاعف إلى مستوى غير معروف.

واجهت السوق المالية في السعودية تحدياً خلال 2025 تمثل في نقص السيولة التي ضخها المتعاملون في الأسهم المحلية، حيث كان المتوسط اليومي لقيم التداولات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام لا يزيد عن 5.5 مليار ريال، بعد أن كان خلال نفس الفترة من 2024 يبلغ 7.99 مليار ريال، وانخفض إجمالي قيم التداولات إلى 1.01 تريليون ريال خلال الشهور التسعة من 1.47 تريليون ريال في نفس الفترة من العام الماضي. 

ترغب "ناسداك"، وهي ثاني أكبر بورصة في الولايات المتحدة، في إضافة جلسة تداول من الساعة 9 مساءً حتى 4 صباحاً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة وتتوقع أن تكون جاهزة لإطلاق التداول الممتد في وقت مبكر من الربع الثالث من عام 2026، بعد الحصول على الموافقات التنظيمية اللازمة.

جاذبية الأسهم الأميركية

تداخُل ساعات التداول بين الأسواق يثير عادة حماس المستثمرين الأفراد لتجربة الدخول إلى بورصات جديدة، ويرى إسحاق علي، الرئيس التنفيذي بالإنابة لدى "وينفستن" المالية بالسعودية، أن الأسهم الأميركية بشكل خاص لديها جاذبية كبيرة للمستثمرين السعوديين، خاصة عمالقة التكنولوجيا السبعة المشهورين: آبل، ومايكروسوفت، وألفابت، وأمازون، وميتا، وتسلا، وإنفيديا، التي حققت مجتمعة عوائد تزيد عن 156% خلال العامين الماضيين، "حتى أن هذه الأسهم أصبحت معادلة مالية لسلسلة درامية مشوقة، ومثيرة، وسريعة الإيقاع، ومن المستحيل التوقف عن متابعتها".

تشير بيانات هيئة السوق المالية السعودية إلى أن الأسهم الأميركية تحظى بالفعل باهتمام المتداولين السعوديين حيث تمثل ما يقرب من 99% من استثماراتهم في أسواق المال العالمية، وتجاوزت قيمة تداولاتهم في بورصات الولايات المتحدة خلال الربع الثالث من العام الجاري 216 مليار ريال، بينما كانت تداولات السعوديين في أسواق المال الخليجية، على سبيل المثال، خلال نفس الفترة لا تزيد عن 685 مليون ريال.

وتسجل تداولات السعوديين في الأسهم الأميركية نمواً متواصلاً منذ كانت في الربع الأول من عام 2022 عند 86 مليار ريال، حتى وصلت إلى أعلى مستوى لها في الربع الثالث من 2025 عند 216 مليار ريال، بارتفاع 141% على أساس سنوي.

مخاطر الجلسات المسائية

يحذر غسان الذكير، الرئيس التنفيذي لشركة معيار المالية، المتداولين السعوديين من أن دخول السوق الأميركية يفتح احتمالات متزايدة لاتخاذ قرارات استثمارية غير منضبطة، بالنظر إلى تشتت الانتباه واقتحام منافسة أعلى مع مؤسسات وخوارزميات عالمية. 

طبيعة الجلسات المسائية تتضمن أيضاً مخاطر متزايدة للمتداولين، إذ تفرض تحديات فنية تتعلق بمخاطر التنفيذ وجودة التسعير؛ إذ غالباً ما تتسم ساعات التداول خارج الجلسة الرسمية بانخفاض عمق السوق واتساع الفوارق السعرية بين العرض والطلب، كما يؤكد محمد الفراج، رئيس أول لإدارة الأصول في "أرباح كابيتال".

ويُنوّه بأن ذلك يتطلب من المستثمرين ومديري الثروات تبني نهج أكثر احترافية يبتعد عن الاندفاع العاطفي خلف التقلبات السعرية الحادة، والتركيز بدلاً من ذلك على استخدام الأوامر محددة السعر لتفادي الانزلاقات السعرية التي قد تؤثر سلبياً على الأرباح المحققة، خاصة في ظل السيولة المنخفضة التي تميز هذه الفترات مقارنة بالجلسة الأساسية التي تشهد ذروة النشاط المؤسسي.

جنيد أنصاري، مدير قسم استراتيجية الاستثمار والبحوث في "كامكو إنفست"، يتفق مع التحذيرات من طريقة تسعير الأسهم في الجلسات المسائية، لافتاً إلى أن المخاطر تتركز في الأسهم الصغيرة في الولايات المتحدة التي قد تشهد تقلبات أعلى خلال الجلسات الليلية وقد تتعرض لتلاعب بالأسعار بسبب الحجم المحدود وكذلك الفروق الواسعة بين العرض والطلب.

انتقال مؤقت إلى "ناسداك"

وفق سعد آل ثقفان فإن اهتمام المتداولين السعوديين قد يقتصر على بعض الفئات من غير انتقال كبير ومؤثر من المستثمرين إلى "ناسداك"، لأن "السوق السعودية جاذبة وأرباح شركاتها في نمو ومكررات الأرباح أقل من السوق الأمريكية"، وفق تقييمه، متوقعاً عودة الأموال إلى سوق الأسهم السعودية بعد فترة من التجربة في الولايات المتحدة.

تأثير تمديد ساعات التداول في "ناسداك" سيكون محدوداً على المستثمرين طويلي الأجل، حسبما يرى غسان الذكير إذ سيبقى المستثمر حيث تتوفر العوائد الموزعة، والرؤية التنظيمية الواضحة، والاقتصاد الذي يفهمه ويعيش تفاصيله.

بينما يتوقع أنصاري من "كامكو" أن ترتفع تداولات المستثمرين الأفراد من السعودية في "ناسداك"، خاصةً حول الأحداث الرئيسية مثل موسم الأرباح وإعلانات البيانات في الولايات المتحدة.

فرصة لجذب أموال أجنبية لسوق السعودية

التداخل الزمني بين السوقين لا يعني فقط زيادة التدفقات من المستثمرين السعوديين باتجاه الأسهم الأميركية، لكنه قد يمثل أيضاً فرصة لجذب أموال في الاتجاه المعاكس، خاصةً في ظل تقليص القيود على الأموال الأجنبية في "تداول". 

تعتزم هيئة السوق المالية السعودية مراجعة حدود ملكية المستثمرين الأجانب في سوق الأسهم خلال عام 2026، مما أفصح رئيسها محمد القويز في نهاية شهر أكتوبر الماضي، وقال إن أي قرار بشأن إلغاء أو تعديل السقف الحالي للملكية (البالغ 49%) سيعتمد على نتائج تحليل تنظيمي.

يؤكد الفراج، من "أرباح كابيتال"، أن هذا التداخل الزمني المعمق يعزز من جاذبية البيئة الاستثمارية المحلية عبر مواءمتها مع المعايير الدولية، وهو ما قد يحفز تدفق رؤوس الأموال الأجنبية التي تبحث عن أسواق ذات استجابة ديناميكية للمتغيرات العالمية. مضيفاً: "رغم وجود احتمالات تقنية لتسرب جزئي للسيولة النشطة نحو السوق الأميركية بحثاً عن فرص ربحية سريعة، إلا أن المحصلة النهائية تظل لصالح تعزيز عمق السوق السعودي من خلال ابتكار منتجات استثمارية محلية وصناديق مؤشرات متداولة تربط بين السوقين، مما يخلق نظاماً مالياً متكاملاً يخدم كفاءة التسعير والاستقرار الاستثماري على المدى الطويل".