
الدولار فقد 11.7% من قوته أمام الشيقل في العام الجاري.. أين يتجه مستقبلاً؟
الذهب سجل ارتفاعاً تاريخياً في عام واحد بنسبة 71.1% وعوامل عدة ترجح مزيداً من الصعود
خاص بـ"اقتصاد صدى": توقع خبير مالي أن يبقى سعر صرف الدولار أمام سلة العملات خلال العام المقبل، متذبذاً بنسبة 5%، أو انخفاض بنفس النسبة، مستبعداً تغيراً كبيراً في أسعار الصرف، قائلاً إن احتمالات انهيار سعر الصرف الدولار أو الانخفاض الكبير تبقى مستبعدة.
وقال الخبير المصرفي والمستشار المالي محمد سلامة لـ"اقتصاد صدى" إنه رغم أن الذهب ارتفع بنسبة 71% منذ بداية العام الجاري إلا هناك ترجيحات تميل إلى مزيد من الارتفاع خلال 2026، خاصة إذا ما استمرت الأوضاع الجيوسياسية الحالية قائمة على مستوى العالم، موضحاً في الوقت ذاته أن أكثر الخبراء عقلانية يتوقعون استمرار التذبذب بين صعود وهبوط، غير أنهم يرجحون بأن احتمالات شراء الذهب على مستويات أقل مما هي عليه الآن تبقى قائمة، قائلاً إن التداول عند مستوى 5000 دولار للأونصة، بات قريباً وتجاوزها ممكن، كما أن العودة لسعر 3500 للأونصنة يظل محتملاً.
ورغم أن الدولار فقد 11.7% من قوته أمام الشيقل خلال العام 2025، غير أن سلامة يشير إلى أن هناك مؤشرات اقتصادية وعوامل سياسية مازالت تدعم قوة العملة الإسرائيلية، مع وجود عوامل أخرى مناقضة تماماً قد تقود إلى العكس، مشدداً على أن توقعات الخبراء بشكل عام تعكس حقيقة استمرار تذبذب السعر في نطاق واسع مستقبلاً، إلا أن احتمالات مزيد من قوة الشيقل على حساب الدولار هي الأرجح في المدى المتوسط والطويل.
عام سيء للدولار
كان عام 2025 عاماً سيئاً للدولار الامريكي، حيث انخفض بنسبة 9.65% أمام سلة العملات. بينما انخفض بنسبة 11.7% أمام الشيقل الاسرائيلي. بينما يكاد الذهب يغلق العام على ارتفاع تاريخي أمام الدولار المترنح حيث سجل الذهب ارتفاعاً وصل إلى 4485 دولاراً للأونصة، وبنسبة 71.1% منذ بداية العام. وفيما شهد الدولار تراجعاً سجلت مؤشرات الأسهم الأمريكية ارتفاعاً، حيث ارتفع مؤشر s&p بنسبة 17%، ومؤشر "ناسدك" لأسهم التكنولوجيا بنسبة تقترب من 21%.
يقول سلامة إن توقعات الخبراء في الأسواق المالية العالمية لأداء الدولار خلال 2026 بين من يرجح مزيداً من الانخفاض وبنسبة قد تصل إلى 5%، مؤكدين استمرار قوة وزخم أسباب التراجع، فما زال هناك احتمال خفض آخر لأسعار الفائدة، وهناك محافظ بنك احتياطي فدرالي جديد موال للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ما قد يهدد استقلالية الفدرالي وسياسته النقدية، بالإضافة إلى غموض نتائج السياسة المالية لترامب واستمرار التصعيد الجيوسياسي ما زال مستمرا ويوثر سلباً.
ويشير إلى أن بعض المحللين يتوقعون أن يعاود الدولار استعادة مركزه كعملة احتياط أولى في العالم ومعاودة الارتفاع التدريجي وبنسبة 5%، لافتاً إلى أن هذا التوقع مبني على أن الأسواق اختزلت أغلب العوامل والأسباب التي أدت إلى هذا الضعف والتراجع في أسعار صرف الدولار.
يقول سلامة في حديثه مع "اقتصاد صدى"، "لا بدّ أن نشير إلى أن التذبذب في أسعار الصرف بين صعود وهبوط هو من طبيعة الأسواق وملازم لوجودها، ويعتمد على العرض والطلب، وطالما أن الدولار الأمريكي هو عملة الاحتياط الأولى لدول العالم تبقى سعة تذبذب أسعار صرفه منطقية ومعقولة، بحيث لا تؤثر على توازن أداء الاقتصاد العالمي"، لافتاً إلى أن الخبراء يتوقعون تذبذباً بين ارتفاع بنسبة 5% أو انخفاض بنفس النسبة مستبعدين تغيراً كبيراً في أسعار الصرف، فاحتمالات انهيار سعر الصرف الدولار أو الانخفاض الكبير تبقى مستبعدة.
الدولار مقابل الشيقل.. إلى أين؟
انخفض الدولار الامريكي خلال النصف الثاني من العام الجاري إلى مستويات لم نرها منذ عام 2021، حيث انخفض بنسبة 11.7% وتم التداول لفترة قصيرة دون3.20 شيقل لكل دولار.
يقول سلامة "أتى هذا الانخفاض الحاد أولاً كنتيجة لانخفاض المخاطر الجيوسياسية لدولة الاحتلال بعد ضرب الولايات المتحدة للمفاعلات النووية الايرانية، ما اعتبرته الأسواق المالية سبباً في تراجع المخاطر الجيوسياسية المحيطة بمستقبل الاحتلال، والتي تمثلها التهديدات الإيرانية، كما ساهم وقف العدوان على غزة في تعزيز قوة الشيقل الإسرائيلي، ولا ننسى أثر خفض سعر فائدة الدولار عموماً".
يوضح سلامة أن معظم المحللين يرجحون مزيداً من قوة الشيقل خلال الفترة المقبلة، داعمين توقعاتهم بإمكانية تحسن أداء الاقتصاد الإسرائيلي بعد انتهاء العدوان على قطاع غزة، وفائض حساب جاري نتيجة صادرات الغاز والأسلحة، بالإضافة إلى رصيد كبير من العملات الأجنبية يحتفظ به المركزي الإسرائيلي حيث يحتفظ بفائض بلغ (231) مليار دولار أمريكي وبنسبة تقترب من الـ 40% من الناتج المحلي السنوي.
وبين أن البعض يتفاءل بالمؤشرات الاقتصادية حيث تراجعت البطالة إلى نسبة 3%، واستقر التضخم عند 2.5% دون السقف المستهدف من البنك المركزي عند 3%، وشهد الاقتصاد الإسرائيلي نمواً مضطرداً أعلى من التوقعات، ولذلك تظهر في الأسواق تقارير متفائلة من حين لآخر تتوقع انخفاضاً إلى مستويات الـ 3 شواقل لكل دولار خلال العام المقبل.
يوضح سلامة أن بعض المحللين يقفون على النقيض في ظل توقعات باضطرابات سياسية ستجتاح دولة الاحتلال خلال 2026 تتمثل في نتائج لجان التحقيق، ومحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والضغط على النظام القضائي، وتوحش اليمين المتطرف، والتلويح بالحرب على ايران ولبنان، وعدم إغلاق ملف العدوان على غزة، وتراجع مكانة الاحتلال سياسياً واقتصادياً واجتماعيًا، منوهاً إلى أن هذه المعطيات كلها حتماً ستؤدي إلى تراجع الشيقل خلال عام 2026 مع تزايد احتمالات خفض الفائدة وزيادة العجز في الميزانية ما قد يدفع بالأسعار لإعادة اختبار 3.50 شيقل. وبشكل عام تعكس توقعات الخبراء حقيقة استمرار تذبذب السعر في نطاق واسع مستقبلاً.
ومع أن اسعار صرف الدولار مقابل الشيقل ترتبط غالباً بمؤشرات أسعار الأسهم العالمية وبالذات مؤشري "الناسدك" لأسهم التكنولوحيا ومؤشر الـ(s&p) التي ارتفعت بنسب كبيرة ودعمت قوة الشيقل هذا العام، ورغم تراجع هذا الارتباط بعد العدوان على غزة، إلا أن بعض المحللين يتوقعون استمرار تذبذب الدولار مقابل الشيقل عام 2026 مع توقعات بتراجع مؤشرات الأسهم ومعاودة الدولار الارتفاع لاختبار مستويات قريبة من 3.50 شيقل للدولار. يضيف سلامة في حديثه مع "اقتصاد صدى"، "بشكل عام، يبقى الشيقل عملة قوية مدعومة برصيد عملات أجنبية كبير ومؤشرات مالية واقتصادية داعمة، حيث من المتوقع أن يعتمد توجه سعر صرف الدولار مقابل الشيقل على التطورات المحيطة بسعر صرف الدولار عموماً، إلا أنه ورغم التحليلات تبقى احتمالات مزيد من قوة الشيقل على حساب الدولار هي الأرجح في المدى المتوسط والطويل".
الذهب يحلق عالياّ
أما بالنسبة للذهب فقد اقترب سعره من 4500 دولار للاونصة مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 71% هذا العام. يقول سلامة "شهد الذهب تحولاً كبيراً في نظرة المستثمرين، والبنوك المركزية للذهب كملاذ آمن، خاصة مع تزايد مخاطر العملات في بيئة جيوسياسية غاية في الغموض والتعقيد في ظل تصاعد التوتر في المحيط الهادي، وبين الولايات المتحدة والصين واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية واحتمال توسعها بدل انحسارها، بالإضافة إلى الحروب التي يشنها الاحتلال الاسرائيلي، وما تسببه من فوضى في منطقة الشرق الأوسط".
ويضيف "العالم لم يكن يوماً في حالة من الغليان والفوضى كما هو عليه الآن، وهذا في مجمله سبب لتحول المستثمر والمدخر للذهب للتحوط، خوفاً من انهيار أسعار صرف العملات وتلاشي قدرتها الشرائية"، مبيناً أن خفض فائدة الدولار الامريكي مع استعصاء التضخم إضافة إلى زخم ارتفاع الذهب عزز من مكاسب المعدن الأصغر.
ونوه إلى أن غموض نتائج سياسات ترامب المالية وآثارها الاقتصادية وتصرفات الإدارة الأمريكية المتهورة تجاه أوروبا والهند عزز من مخاوف هشاشة النظام العالمي الحالي ودفع الجميع نحو ترشيد امتلاك الأصول مع توفر كتلة نقدية فائضة عن حاجة الاقتصاد العالمي. كما شكل طلب البنوك المركزية على الذهب لتعزيز احتياطياتها عاملاً حاسماً في ارتفاع أسعار الذهب كما أن توفر إمكانية شرائه كرصيد في حسابات مصرفية بهدف المضاربة، وليس كمادة خام ساعد في تعزيز الطلب وارتفاع أسعاره في الاسواق.
ومع أن الذهب ارتفع بنسبة 71% منذ بداية العام الجاري. يرى سلامة أن الخبراء ما زالوا يرجحون مزيداً من الارتفاع خلال، 2026 خاصة إذا ما استمرت الأوضاع الحالية قائمة، فمثلاً مزيد من خفض الفائدة ومزيد من التوتر في الكاريبي، أو تأخر في وقف الحرب الروسية الاوكرانية، ومزيد من الاستهتار في الشرق الأوسط، وتخلي الولايات المتحدة عن علاقة عقلانية مع الهند كأكبر كتلة بشرية، قد يدفع ذلك نحو فوضى تؤدي إلى ارتفاع إضافي في سعر المعدن النفيس.
ويلفت إلى أن البعض يدعو إلى إعادة التفكير عند التعامل مع الذهب، فالأسعار ارتفعت بنسبة كبيرة ونسبة الاستحواذ الائتماني عبر حسابات مصرفية أو شركات مضاربة قد يؤدي إلى تراجع الأسعار عند حدوث عمليات جني أرباح في الأسواق، موضحاً أن أكثر الخبراء عقلانية يتوقع استمرار التذبذب بين صعود وهبوط إلا أنهم يرجحون بأن احتمالات شراء الذهب على مستويات أقل مما هي عليه الآن تبقى قائمة. ويضيف لـ "اقتصاد صدى"، "الحقيقة أن التداول عند مستوى 5000 دولار للأونصة، بات قريباً وتجاوزها ممكن، في حين أن التراجع إلى مستويات تقترب من 3500 دولار والتداول دونها يبقى ممكناً أيضاً". ودعا إلى الحكمة عند اتخاذ القرار بخصوص البيع أو الشراء بحيث تكون القرارات مبنية حسب المعطيات حينها، قائلاً إنه لا منطق ولا قواعد ثابتة تحكم مثل هذا التذبذب الكبير والواسع الذي لم تعتد عليه الأسواق".