
صدى نيوز -لم تكن حقيبتي، رغم أنها تشبه حقيبتي لونا ونوعا وحجما، لكن الغريب أن اسمي ورقم هاتفي مكتوب عليها، وبخط يدي، استرخيت على الكنبة وحدقت في السقف طويلا وأنا أحاول فك هذا اللغز، خطي ورقمي واسمي على الحقيبة بقلم ماجك أسود، لكن محتويات الحقيبة ليست لي، ولن يقدر احد على إقناعي أنها لي، فأنا لست امرأة أولا، ولا زوجة لي أو حبيبة، تنتظر مني مثل هدايا كهذه، كل ما في الحقيبة متعلقات نسوية لا تخصني، كنت عائدا من إسطنبول، إلى رام الله، بعد مشاركتي في مهرجان المسرح المدرسي الدولي، تفقدت الحقيبة غرضا غرضا، وتضاعفت حيرتي، لا شيء فيها ينتمي لأحلامي أو واقعي، قلبتها على وجهها، وفردت كل شيء على السرير باحثا عن ثغرة تقود إلى هويتي؟.
كانت الفكرة جنونية ومضحكة، نفيتها من رأسي فورا، لكن صوتا قال حولي: جربها لن تخسر شيئا ثم ان أحدا لن يعرف، ماذا يعني أن أتصل برقمي لأتأكد أن الحقيبة لي؟ سمعت نفسي أضحك، وأنا أنقر أرقامي من موبايلي، قبل آخر رقم توقفت، هاتفت صديقا يعمل في شركة جوال:
- أحمد اسمعني، لو بدي أتصل على رقمي من رقمي شو ممكن أسمع؟، سمعت ضحكة مدوية من أحمد وهي ضحكته التي نعرفها جميعاً، التي تشبه سكينا حين تكون ساخرة أو مستهترة بالأشياء، أغلق أحمد الخط في وجهي لانشغاله أو لاستهتاره بالفكرة أو لأنه ظن أني أسخر منه ومن شركته، عاد لي في المساء ليخبرني بأنه نقل سؤالي لمدير الشركة والموظفين الذين فرطوا من الضحك.
- أحمد بحكي جد، تقنيا بزبط إني أتصل على رقمي من رقمي نفسه؟
- يا زلمة ليش بتسأل جرب بنفسك وشوف شو بتسمع!
طب سؤال ثاني تحملني أرجوك، ممكن يكون نفس الرقم مع شخصين!
مستحيل يا صديقي شو هالحكي حل عني يا زلمة مالك شو في؟
أغلقت الخط في وجه أحمد خجلا منه أو يأسا منه لأنه لم يحاول فهمي.
نقرت على أرقامي، انتظرت صوتا آليا يقول لي، إن هناك خطأ تقنيا أو أنه مستحيل توقع رد من شخص آخر، المفاجأة أني سمعت بوضوح رنة انتظار، وجاء صوت من الطرف الآخر:
- مرحبا
ـ أهلا
أقفلت الخط وبدني كله يرتجف، سقط الموبايل من يدي، تركته على الأرض، ركضت نحو الحمام، متعثرا بالكراسي، لاهثا كأن قاتلا بمنشار يلاحقني، أخذت دوشا قويا، تركت رأسي تحت الماء، أحاول أن لا أفكر في شيء، لكن صوت الرجل الذي يحمل رقمي نفسه لم يترك رأسي:
أهلا
خرجت من تحت الماء، وحولي ترن بتتابع مخيف كلمة: أهلا أهلا أهلا أهلا أهلا أهلا، هاتفت صديقي
أحمد،
أحمد حبيي اوعا اتسكر الخط، أرجوك صدقني اتصلت برقمي فرد عليّ شخص آخر!
أغلق احمد الخط وبقايا ضحكته تختلط مع كلمة «أهلا»، خرجت مسرعا من البيت، أمام مطعم المنسي تذكرت أني حافي القدمين، عدت سريعا، انتعلت حذائي، وخرجت، توقفت لاهثا أمام مطعم أبو خليل، التقيت صديق دراسة قديما، أهلا قال لي مبتسما، فدب الذعر في أقدامي، وقعت على الأرض، تقدم مني طبيب كان يقف في طابور المطعم:
- عندك يا ابني سكري إشي؟
- لا، لا دكتور لا ما عندي إشي شكرا شكرا.
«أهلا» رد الطبيب، وهو يعود إلى طابور الفلافل، ركضت بأقصى قوتي، ركضي السريع المتعثر لفت
انتباه الناس، صاح بعض من يعرفني: زياد شو في؟
انجنيت انت شكلك؟.
أعدت في البيت الاتصال برقمي، جاء الصوت حاسما:
- أهلا
- مين حضرتك ممكن أعرف؟.
حضرتك إلي مين؟ انت بتتصل من رقمي، على رقمي كيف ممكن يصير هيك؟.
ما بعرف، انت اللي بتحمل نفس رقمي، وهذا غريب.
طب شو اسم حضرتك؟.
زياد.
وحضرتك؟
زياد.
في مشفى الأمراض النفسية، ببيت لحم، جلست في غرفة وحدي، أحدق في اللاشيء، رأيت ممرضا، يتحرك حولي، سألته: شو اسمك أستاذ؟
زياد، أجاب.
ضحكت وضحكت وضحكت.
دخل الطبيب: عندي إحساس انه اسمك زياد يا دكتور صح؟
صح والله شو عرفك يا زياد؟.
في سيارة الإسعاف، جلس قربي الممرض زياد، وكان معي أبي وعمي وشقيقي، إلى أين تأخذوني؟
إلى البيت يا زياد، سترتاح هناك، وسنقنعك بأنه من المستحيل تقنيا الاتصال برقمك من رقمك، سنفعل ذلك أمامك، وستعود إلى عافيتك قريبا.
جلسنا جميعا في البيت، وكانت حقيبة السفر ما زالت على وجهها على السرير، وكل الأشياء متناثرة هناك وهناك، أخذ أبي موبايلي، نقر على رقمي نفسه: وكانت المفاجأة:
- وبعدين يا زياد جننتني شو بدك يا زلمة، ليش بضل اترن عليّ شو في؟.
سقط أبي على الأرض، وسقط فوقه عمي وشقيقي، نظرت إلى حقيبتي فإذا بها تنهض، وتنهض معها أغراضها النسوية، كانت الحقيبة تمشي أمامي، متجهة نحو الباب، الذي انفتح لها تلقائيا، خرجت الحقيبة، ومعها رقمي واسمي، ولم تعد، نهض أبي وشقيقي وعمي، قليت لهم بيضا وبطاطا، صنعت لهم شايا بالليمون، وحين هموا بالخروج، وعلى الباب، نظر لي عمي باستغراب قبل أن يخرج مع أبي وشقيقي، وشعرت أني عرفت سر استغرابه أو اضطرابه كان يريد أن يقول لي تصبح على خير يا زياد فتذكر أنني لم أعد زياد.