خاص بـ"صدى نيوز" - حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة لمدة عامين وأكثر منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023، وما رافقها من عدوان واسع على الضفة الغربية، لم تترك آثارا سياسية وميدانية فحسب، بل إنها ألقت بظلالها على المؤشرات الاقتصادية المختلفة، وفي مقدمتها الأسعار. فكيف غيرت الحرب من مستويات الأسعار في فلسطين؟

يقيس مؤشر غلاء المعيشة الذي يعتمده الجهاز المركزي للإحصاء التغيرات على (13) مجموعة سلعية، لكل واحد منها وزن في المؤشر حسب متوسط الإنفاق للأسرة الفلسطينية، لكن تظل مجموعة المواد الغذائية والمرطبات الأهم، كونها تشكل نحو 28% من الوزن الكلي للمؤشر، أي أن الأسر الفلسطينية تنفق قرابة 28% من دخلها عملياً على المجموعة الغذائية.

بينما تعد مجموعات الغذاء، والسكن ومستلزماته من كهرباء ومياه وغاز، والنقل المواصلات ( وتشمل أسعار الوقود، والتراخيص، وتعرفة المواصلات العامة) السلات الثلاث مجتمعة الأعلى وزنا في مؤشر غلاء المعيشة إذ تصل إلى نحو 52% من أصل 13 مجموعة يتم قياسها في المؤشر العام ما يعني أن أي تغيير فيها يترك أثرا أعلى من بقية المجموعات الأخرى.

حسب مراقبين اقتصاديين فإن استحواذ هذه المجموعات على النسبة الأعلى من المؤشر يدل على مستويات منخفصة للأجور والدخول، إذ يذهب توسط إنفاق الأسر على الغذاء والمشروب والسكن والتنقل، أي الاحتياجات الأساسية لأي أسرة.

بعد قرابة عامين من الحرب، تظهر البيانات التراكمية لمستويات الأسعار في فلسطين والتي يعدها الجهاز المركزي للإحصاء، واطلعت عليها "صدى نيوز" أن مؤشر غلاء المعيشة شهد تطورات لافتة، انتهت بتسجيل غلاء تراكمي نسبته 74.5% على صعيد فلسطين، وذلك بنسبة 334% في قطاع غزة، وبنسبة 2.35% في الضفة الغربية، وبنسبة 5.45% في القدس. (تراكميا باحتساب عامي 2024 و2025).

وحسب المعطيات التراكمية، فإن مؤشر غلاء المعيشة سجل ارتفاعاً في فلسطين في عام 2022 أي قبل عام من الحرب بنسبة 3.74%، وذلك بنسبة 3.74% في الضفة، 3.16% في غزة، و4.70% في القدس. وفي عام 2023 الذي بدأ فيها العدوان في آخر شهرين من العام سجل مؤشر غلاء المعيشة ارتفاعا بنسبة 5.87% على مستوى فلسطين، وذلك بنسبة 4.77% في الضفة، و10.53% في غزة، و4.05% في القدس.

أما في عام 2024 والذي شهد استمراراً للعدوان بوتيرة مرتفعة وتخلله وقف مؤقت لإطلاق النار، فقد سجل مؤشر غلاء المعيشة ارتفاعاً نسبته 17.29% على مستوى فلسطين، وذلك بنسبة 37.59% في قطاع غزة، وبنسبة 1.53% بالقدس، وتراجعا طفيفا في الضفة بنسبة 0.21%.

رغم أن التضخم هو ظاهرة عالمية، ومعظم الاقتصاديات في العالم تسجل سنوياً ارتفاعا في الأسعار نسبته بالمعدل بين 2-3%، غير أن الأرقام الواردة أعلاه حول غلاء المعيشة في فلسطين لا يقدم صورة  سوية أو متوازنة، ويؤكد أن معظم الارتفاع في المؤشر لا يعود لعوامل طبيعية في الاقتصاد، وإنما يتلخص بما أفرزته هذه الحرب من نقص في توريد السلع إلى قطاع غزة، الأمر الذي تسبب بغلاء غير مسبوق.

تقول أسيل زيدان مدير إدارة الأسعار والأرقام القياسية في جهاز الإحصاء الفلسطيني لـ"صدى نيوز" "صحيح أن نسبة الغلاء في فلسطين تعد غير مسبوقة بتسجيل ارتفاع في الأسعار  نسبته نحو 75% خلال عامين، لكن الحقيقة أن ما جرى في قطاع غزة من حصار وتجويع ونقص في التوريد كان السبب الرئيسي للغلاء، فهناك فجوة كبيرة بين ما حصل على الأسعار تراكمياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، ففي الضفة لم تزد الأسعار أكثر من 2.35% وهي ضمن النسبة الطبيعية أو حتى أقل، بينما وصل التضخم في قطاع غزة إلى 334% وهو أمر غير مسبوق وغير طبيعي، ويتلخص سببه في حرب الإبادة التي شنت على أهلنا في قطاع غزة وتخللها حصار اقتصادي كبير من خلال نقص في المعروض لمختلف أنواع السلع".

وتضيف "رغم أن المؤشرات تظهر ارتفاعاً في الأسعار مع بدء العدوان في نهاية العام 2023، لكنه لم يتعمق بشكل واضح وحادّ إلا في العامين 2024 و2025، إذ قفزت الأسعار بسرعة هائلة وسط اشتداد حرب الإبادة، ونقص المعروض، وانتشار عمليات النهب والاحتكار وغيرها من الظواهر السلبية".

وكان الجهاز المركزي للإحصاء أشار مؤخراً إلى انخفاض حاد في أسعار السلع الاستهلاكية في قطاع غزة خلال شهر تشرين الثاني 2025 للشهر الثاني على التوالي منذ إعلان وقف إطلاق النار مما دفع بمؤشر أسعار المستهلك ليسجل انخفاضاً حاداً في قطاع غزة مقداره 34.70% مقارنة بشهر تشرين الأول 2025، ما قاد الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك ليسجل انخفاضاً في فلسطين مقداره 15.45%، غير أن التراجع في المؤشر خلال آخر شهرين في قطاع غزة، بعد الإعلان عن وقف لإطلاق النار، لم يعد الأسعار بعد إلى المستويات التي كانت عليها قبل الحرب، خاصة في ظل تلكؤ الجانب الإسرائيلي عن افتتاح المعابر والسماح بإدخال المساعدات والبضائع إلى القطاع، فما شزالت الأسعار أكثر بالأرقام ثلاثة أضعاف ونصف المرة مقارنة مع فترة ما قبل العدوان.

ملاحظة:
البيانات تمثل ذلك الجزء من محافظة القدس والذي ضمه الاحتلال الإسرائيلي إليه عنوة بعيد احتلاله للضفة الغربية عام 1967.
البيانات لا تشمل ذلك الجزء من محافظة القدس والذي ضمه الاحتلال الإسرائيلي إليه عنوة بعيد احتلاله للضفة الغربية عام 1967.
بيانات العام 2025 غير مكتملة حتى تاريخه، المكتمل فقط هو للأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2025، تكتمل بيانات العام 2025 بتاريخ 14/01/2026.