
بادرت بسؤال صديقي العائد في اللقاء الأسبوعي عن مصير غزة بعد هذه الحرب المدمرة وطول استمرار معاناتهم؛ فقد وقف الدمار والقتل بالعمليات العسكرية لكن المعاناة والموت لم تنتهِ. فرد صديقي بعبارة صادمة أيضا "المصير ما زال مجهولاً"، فكل من اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين يريد تدويرهم نحو قرصه؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لديها مصلحة بوقف العمليات العسكرية لأسباب داخلية تتعلق بسياسة أمريكا أولاً بوقف الإنفاق الخارجي، وشخصية الرئيس الأمريكي لتخليده كحاصد جوائز السلام في رصيده - عقدة أوباما-، وحلمه بإدماج إسرائيل في الشرق الأوسط بتوسيع اتفاقات ابراهام التي بدأها في عهدته الأولى، ولأسباب خارجية تتعلق بموازين القوى الدولية والخطر الصيني. لذا تريد الولايات المتحدة وقف الحرب لمسألتين الأولى وقف تدهور وضع إسرائيل على المستوى العالمي وصورتها من جهة، ضمان أمن إسرائيل بتحويل البنى الثقافية والاجتماعية للمجتمع الفلسطيني في قطاع غزة من جهة ثانية، والحصول على فرصة استثمارية على سواحل البحر المتوسط لقطاع غزة من جهة ثالثة.
أما اللاعبين الإقليميين فيسعون لوقوف الحرب لمسألتين وقف مناظر المعاناة الصادمة القادمة من قطاع غزة، والحفاظ على أمن بلادهم واستقرارها. فيما الدول الأوروبية يهمها وقف عدم الاستقرار كي لا تمتد هذه الحرب إلى حجرهم كموجات هجرة وعدم استقرار أمني. فيما الحكومة الإسرائيلية تريد وقف الضغط الداخلي على حالة الحرب وما تبعها من تجنيد واسع للاحتياط وتأثير على الاقتصاد لكن ليس وقف الحرب؛ لتبقي "المشروعية" لعملياتها العسكرية في قطاع غزة، وحالة عدم الاستقرار لضمان استمرار الائتلاف الحكومي حتى نهاية العام القادم.
قلت له أطنبت في نوايا وأهداف اللاعبين الخارجيين ولم تتحدث عن اللاعبين الداخليين، فقال لله دَرْهُم متقوقعين حول ذاتهم؛ يعتقدون أنهم مركز الكون والعالم يدور فلكهم، وهم منقسمين على حصصهم في السلطان، وينتظر كل واحد منهم زوال أو ضعف الآخر للانقضاض على الحكم. قلت له أنّ ذلك ظلم كبير فالسعي قائم للتوافق على استعادة الوحدة.
قهقه صديقي وقال في أيام الخير لم يستعيدوها، ولم يعد في عمر الشعب الفلسطيني بقية لاستعادتها، وأضاف اليوم يحتاج الفلسطينيون لمعيل يقوم على رعايتهم وتقديم أبجديات العيش وليس ألاعيب الحكم وحياكة مؤامراته.
قلت لصديقي نحن على أبواب عام جديد واحتفالات أعياد الميلاد المجيدة نحتاج إلى أمل يعيد لنا الثقة بأنفسنا بعد سنوات عجاف في السياسة الفلسطينية والكارثة التي حلت في قطاع إثر جريمة الإبادة الجماعية
التي تعرض لها على يدِ الحكومة الإسرائيلية. ألا ترى بزيارة نائب الرئيس حسين الشيخ إلى قطر بارقة أمل في تحريك العلاقات الداخلية فنحن على مفترق طرق. قال بلا تردد جَرَفَ الدَّهرُ الفلسطينيين، أو كما يقولون نحن في سقوطٍ حرٍ لأعماق الهاوية والجُرْف، واستدرك قائلاً قد تحرك هذه الزيارة المياه الراقدة في البحيرة الفلسطينية، ولعل وعسى أن تفتح مخرجاً لحالة الانغلاق السياسي الداخلي، وتساهم في التخفيف من معاناة المواطنين في غزة، ولم يتبقَ لنا سوى التضرع إلى الله لأننا عاجزون يا غزة.