صدى نيوز - تحصل بيروت من واشنطن على إشارات متضاربة بشأن جهود الجيش اللبناني لحصر السلاح في يد الدولة، الأمر الذي يعقد محاولات تجنب تصعيد عسكري إسرائيلي أعلى، تزامنا مع ضربات تقول تل أبيب إنها تستهدف بنى تحتية لحزب الله.

فبعد أيام من إشادة عسكريين أميركيين بجهود الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله، ألغيت زيارة قائده رودولف هيكل إلى واشنطن في إجراء أميركي وصف بـ"العقابي".

وقبل أسابيع، وفي اجتماع للجنة الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان (الميكانيزم)، أشاد رئيسها الجنرال الأميركي جوزيف كليرفيلد، بالجيش اللبناني.

وقال كليرفيلد إن "احترافية الجيش اللبناني والتزامه جديران بالملاحظة. إن أداءه يعكس قوة الجيش اللبناني وعزمه على ضمان مستقبل وطنه".

وبعدها قدم قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر تقييما مشابها، عندما قال: "يواصل شركاؤنا اللبنانيون قيادة الجهود لضمان نجاح نزع سلاح حزب الله اللبناني".

وأضاف كوبر أن الجيش اللبناني أزال بالفعل "ما يقرب من 10 آلاف صاروخ، وما يقرب من 400 قذيفة، وأكثر من 205 آلاف قطعة ذخيرة غير منفجرة".

إلغاء زيارة قائد الجيش إلى واشنطن

لكن في المقابل، طرأت تغييرات جمة على زيارة هيكل إلى واشنطن بعد ذلك، وصلت إلى حد إلغائها.

ففي البداية تم تخفيض مستوى المسؤولين الذين كان من المفترض أن يلتقيهم هيكل، ثم أُلغي اجتماعه مع أعضاء الكونغرس، وأخيرا أعلن هيكل إلغاء الزيارة بالكامل.

لكن الأميركيين يقولون إنهم هم من ألغوا الزيارة بسبب انتقاد هيكل للضربات الإسرائيلية على لبنان.

وقاد السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الانتقادات الأميركية لتصريحاته، حيث كتب على منصة "إكس": "من الواضح أن رئيس الأركان اللبناني، بسبب إشارته إلى إسرائيل على أنها العدو وجهوده الضعيفة، التي تكاد تكون معدومة، لنزع سلاح حزب الله، يمثل انتكاسة كبيرة للجهود المبذولة لدفع لبنان إلى الأمام. هذا المزيج يجعل الجيش اللبناني استثمارا غير مربح لأميركا".

وتمثل تصريحات غراهام انعكاسا دقيقا تقريبا لما يقال في إسرائيل، إذ عبر كبار ضباط الجيش الإسرائيلي عن نفس الرأي في إحاطات إعلامية محلية.

وحسب تحليل لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن "الفجوة بين ما يقوله ضباط الجيش الأميركي وما يصدر عن السياسيين الأميركيين لا تطمئن القيادة اللبنانية، بل تتأرجح بين خوف كبير من استئناف الحرب بين إسرائيل وحزب الله".

حصر السلاح وانسحاب إسرائيل

ويحاول الرئيس اللبناني جوزاف عون دائما تسليط الضوء على مساعي الجيش لحصر السلاح في يد الدولة لتجنيب بلاده مسار الحرب، وقال مؤخرا: "لا شيء يمنعنا من التوصل إلى نتيجة الحد من أسلحة حزب الله واتخاذ القرارات. ففي النهاية هذه هي أساسيات بناء الدولة".

وموقف عون ليس جديدا، فقد عبر عنه أيضا في خطابات سابقة، وتحت ضغط شديد من المبعوث الأميركي توم براك أجبر حكومته على اعتماد قرار يدعو إلى نزع سلاح حزب الله، ويأمر الجيش بتقديم خطة لتحقيق هذا الهدف بحلول نهاية العام الجاري.

وفي الوقت نفسه، طالب لبنان بانسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة التي لا تزال تسيطر عليها جنوبا، ووقف غاراتها الجوية على البلاد، والبدء في إعادة المعتقلين اللبنانيين لديها.

وحتى ما قبل نحو 6 أسابيع، بدت هذه المطالب معقولة لبراك، حتى إنه وضع خطة جديدة توقف خلالها إسرائيل هجماتها لمدة شهرين، وتجرى خلالها مفاوضات حول الترتيبات الأمنية وترسيم الحدود البرية بين البلدين، وترسم حدود المنطقة منزوعة السلاح على طول الحدود، وتنسحب إسرائيل تدريجيا من تلك المواقع الخمسة.

لكن إسرائيل، كما قال براك، رفضت هذا الاقتراح رفضا قاطعا، وبدلا من ذلك زادت بشكل كبير من نطاق غاراتها الجوية، واتهمت الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله ورفض تفتيش منازل في جنوب لبنان، حيث يخزن حزب الله، وفقا للاستخبارات الإسرائيلية، أسلحة وذخيرة.

وقال محلل لبناني مقيم في الخارج لصحيفة "هآرتس": "ليس واضحا ما تريده إسرائيل. لماذا تحتاج إلى الاستمرار في السيطرة على تلك المواقع الخمسة، التي ليست سوى ورقة ضغط في المفاوضات؟".

كما تساءل: "لماذا لا تجرى مفاوضات تمنح الحكومة اللبنانية أوراق الضغط التي تحتاجها ضد حزب الله؟".

في المقابل، اكتفى حزب الله حتى الآن بالانتقادات السياسية والإعلامية للهجمات الإسرائيلية، كما وجه انتقاداته بشكل رئيسي إلى الحكومة اللبنانية لضعفها العسكري والدبلوماسي أمام إسرائيل التي تنتهك وقف إطلاق النار.

في هذه الأثناء، تجد الحكومة اللبنانية نفسها عالقة في حقل ألغام سياسي، بين صعوبة نزع سلاح حزب الله بشكل مرض للولايات المتحدة وإسرائيل، وتجنب الانجرار إلى حرب تبدو عواقبها وخيمة.

وكان براك أشار في وقت سابق من هذا الشهر، إلى صعوبة تنفيذ نزع سلاح حزب الله، محذرا من إمكانية "الدخول في حرب أهلية".