
لا يكاد يوم إلا وتحدث فيه جرائم إطلاق نار. قتلى وجرحى، إضافة إلى حالة الرّعب التي تعيشها عائلات كثيرة، وخسائر مادّية كبيرة، بل أنّ العرب باتوا غير آمنين في بيوتهم.
بعد كل جريمة قتل يدور كلام كثير عن مسؤولية الشرطة. في الأسبوع الماضي قتلت الشرطة المرحوم محمد صالح خلايلة! وتساءل كثيرون، لماذا لم تعتقله الشّرطة بدلا من قتله! ألم يكن ممكنا اعتقاله خصوصًا بعد إصابته! وأن المرحوم لجأ إلى مكان ضيّق لا يمكنه الخروج منه!
يحتج البعض ويقول" أنتم تطالبون الشّرطة بالتّدخل لحماية الناس، ولكن عندما تتدخل وتطلق النار على شاب متورط وتقتله تدينونها!"، الحقيقة أن السؤال الذي يُطرح ليس إذا كان بالإمكان اعتقاله أو إطلاق الرّصاص على ساقيه؟ ولا في كيفية تعامل الشّرطة مع هذه الحالات! هذه نتائج وليست الأسباب!
السؤال الأساسي هو لماذا وكيف يصل السلاح بكل هذه السّهولة إلى المجتمع العربي؟ وأين الشُّرطة والشّاباك من السّلاح الذي بات شبه معلن في شوارعنا وأزقتنا؟ أين الشّرطة من كاميرات المراقبة في الشّوارع التي تسجّل عمليات إطلاق النار! هل هنالك من يراقب ويتابع ويبحث؟ الأرجح أن هناك توجيهات للشّرطة في ترك فوضى السّلاح كي تعمَّ وتطمَّ في المجتمع العربي مع سبق إصرار وترصّد.
تهاون السُّلطة في انتشار السلاح مقصود ومبرمج ويحظى برعاية عليان كيف لا ووزير الأمن القومي يعلن صراحة عداءه للمواطنين العرب؟
السُّلطة تحاسب الشبان العرب على منشور في فيسبوك أو إنستغرام، وتزعم أنه تحريض على العنف، وتعتقل بعضهم، والمحاكم تغرّم وتأمر بسجن البعض منهم.
السّلطة التي ترى المنشور الذي يدين الاحتلال، لا ترى السّلاح الذي يباع ويشترى كما لو كان لعبة للتسلية.
بكلّ وضوح نقول نعم السلطة العنصرية الفاشية تريد لمجتمعنا هذه الفوضى وهذا الخراب، فهذه أفضل وسيلة لتحقيق إستراتيجية السّلطة، وما تكنّه من أحلام شرّيرة تجاه جماهيرنا.
السُّلطة تعلن عداءها بوضوح لشعبنا من خلال التضييق عليه في السّكن والخرائط الهيكلية، ومن خلال سياسة هدم البيوت والمحلات التّجارية، وهدم قرى كاملة لعرب النّقب، بحجة فرض القانون.
السُّلطة ترى بالعرب مشكلة، ويتحدّث وزراؤها وأعضاء كنيست ومسؤولون وصحافيون في الليل والنهار عن مشكلة الديمغرافيا، وهنالك تفكيرٌ وممارسة لتعديل التوازن الديمغرافي من خلال تهجيج الشّبان العرب إلى مختلف بقاع الأرض.
السّلطة التي تعلن نواياها الواضحة تجاهنا، هي المعنيّة في فوضى السّلاح، وتغضُّ الطرف عن المتاجرين به، بتوجيهات عليا، فهي تعرف مصدر كلّ رصاصة وكيف وصلت، وكم دُفع ثمنها وإلى أين توجّهت.
يقول البعض إنّ التربية هي الأساس، أي أن الأسرة تتحمل مسؤولية انحراف أحد أبنائها.
بلا شك أن التربية أساسٌ مهم جدًا، ولكن التّربية مهما كانت جيّدة وممتازة على القِيَم والأخلاق الحميدة، تحتاج إلى سلطة مركزية تعاقب المنحرفين. العقاب جزءٌ من عملية التّربية "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".
مهما كان الأهل مخلصين وصادقين في تربية أبنائهم على الخير وتجنّب الشّر، إلا أن هذا لا يغني عن وجود يد السّلطة المركزيّة التي تعاقب الجانحين وتحفظ النّظام وتردعهم. السّلطة قادرة على منع الكوارث قبل وقوعها، بإمكانها قطع دابر التجارة في السّلاح أو على الأقل خفضها إلى الحد الأدنى، ولكنّها لا تفعل، وبهذا تبعث رسالة إلى العصابات وأذرعها، أن استمروا، وبأنها لا تتدخل، وليست جدّية في البحث عنهم وردعهم.
لقد بات العرب الفلسطينيون في إسرائيل كالأيتام على موائد اللئام. فالسُّلطة لا تريد لنا الخير في وطننا، ولن تتحرّك بجدّية لوقف مسلسل الدماء.
السّلطة قرّرت في أروقة الظلام تحويل واقعنا إلى جحيم يدفع الشّبان وحتى عائلات إلى اليأس والهجرة. فوضى السّلاح هي جزء من عمليّة مبرمجة لتدمير مجتمعنا، والكثير من الشّبان ينفذّون هذا المخطط السُّلطوي، دون أن يدركوا الدّور الخطير الذي يقومون به تجاه أنفسهم وعائلاتهم وتجاه شعبهم ومجتمعهم، إلا قلة قليلة تدرك خطورة ما تقوم به، وتعلم أنها تنفّذ مآرب سلطوية. في النهاية يتساءل الجميع، ما العمل؟
بكل أسف، مشروع السُّلطة ناجح حتى الآن، وكي نحد من نجاحه ونفشله، لا مناص من زيادة فضح السّلطة ومخطّطها، والتّوجيه والتعميم على الجيل الشّاب بأنّ فوضى السّلاح هي جزءٌ من برنامج سلطوي مدروس يهدف إلى استهدافه هو قبل غيره، وأن السّلطة التي تغمض عينيها عنه وهو يتسلح ويطلق النار في بلده، هي نفسها التي لن ترحمه إذا ما وجدت أي مبرّر وفرصة ولو بسيطة لقتله.