
صدى نيوز -من جديد، عادت المبادرات الرامية لحل الأزمة السودانية إلى الواجهة، بعد أن أطلقت "الرباعية الدولية" -التي تضمّ الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات- جولة مفاوضات مع وفدَي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025 في العاصمة واشنطن.
وتسعى جولة المفاوضات هذه لمناقشة المبادرة المتكاملة لحلّ الأزمة السودانية، التي تدعو إلى وضع آلية عملية لوقف إطلاق النار وبناء مفاوضات سياسية داخلية تُفضي إلى الحكم المدني التوافقي، في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، وبعد أن سيطرة قوات الدعم السريع مؤخرا على مدينة الفاشر.
ورغم أن مبادرة الرباعية تشكل ديناميكية جديدة في محاولة التوصل إلى إحلال السلام، فإنها تعرضها للكثير من العراقيل والتحديات التي قد يكون عائقا في نجاحها.
وحول سياق المبادرة وإمكانيات نجاحها، والعوامل المؤثرة فيها، نشر مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية تقريرا تحليليا يحمل عنوان "مبادرة الرباعية الدولية حول السودان وفرص نجاحها في ظلّ التصعيد الميداني".
وقد حاول التقرير تقديم قراءة عن الإشكالات المطروحة بالنزاع السوداني في ظل هذه المبادرة، وكذلك السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحرب القائمة منذ قرابة 3 سنوات.
أولا: سياق المبادرة
جاءت مبادرة الرباعية في سياق محاولة القوى الإقليمية والدولية وقف التصعيد العسكري في السودان والعودة للمسار السياسي، في ظلّ ارتفاع منسوب التوتُّر على صدى المواجهات في دارفور وكردفان، وتحديدا في الفاشر والأبيض.
وتزامنت هذه المبادرة مع تفاقم الأوضاع الإنسانية ووصولها إلى مرحلة حرجة، إذ تشير الأرقام الصادرة من الأمم المتحدة إلى أن السودان يواجه واحدة من أشدّ حالات الطوارئ في العالم، حيث يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية، بما في ذلك أكثر من 9.6 ملايين نازح داخليا وحوالي 15 مليون طفل.
وقد ازدادت الأوضاع الإنسانية والميدانية سوءا بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر، مما دفع الآلاف من السكان لمغادرة المدينة التي باتت تُصنَّف ضمن المناطق المنكوبة.
وفي هذا السياق، دعا البيان الصادر من المجموعة في 11 سبتمبر/أيلول الماضي إلى هدنة مدتها 3 أشهر بين الفرقاء من أجل توفير المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من السكان المدنيين، على أن يتم إطلاق عملية انتقال سياسي سلمي للسلطة لمدة 9 أشهر تُفضي إلى قيام حكومة مدنية شرعية تحصل على ثقة المواطنين السودانيين.
وتعكس مبادرة الرباعية الدولية اهتمام المجتمع الدولي باستقرار السودان، حيث إن استمراره في حالة الفوضى يُشكِّل تهديدًا مباشراً لأمن منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، كما أن اهتمام واشنطن بالأزمة السودانية لا يخرج عن سياق السباق الأميركي الصيني على الموارد والنفوذ.
ثانيا: إمكانات نجاح المبادرة
وحول إمكانات نجاح مبادرة الرباعية الدولية لحل الأزمة السودانية، أشارت الدراسة إلى أنه بالرغم من القبول بمرجعية الدول المعنية ومبادرتها التي قد تمثل أساسا لإحلال السلام، فإن هناك العديد من العوامل التي تحدّ من إمكاناتها، تتمثل فيما يلي:
1- موقف مجلس السيادة
فقد أعلن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان رفضه المطلق القبول بمجلس سلام أو حكومة يقول إن الشعب قد رفضها، وهو ما يعني عزوفه عن الدخول في شراكة مع الطرف الآخر.
ويتمسك مجلس السيادة بالإشراف على العملية السياسية بالرغم من أن بيان الرباعية نصّ على أن مستقبل حكم السودان لا يخضع لسيطرة أيّ طرف متحارب.
2- الأوضاع الميدانية
ويعتبر الميدان وما فيه من حرب واقتتال من أبرز العوامل التي تعترض طريق التسوية الذي تهدف إليه الرباعية، إذ ما زالت المواجهات بين الدعم السريع والجيش السوداني في تزايد، الأمر الذي قد يؤثر على المسار السياسي والتفاوضي بشكل عام.
3- المخاوف من الهيمنة الخارجية
قد تخشى بعض القوى السياسية السودانية من أن تؤدي تسوية الرباعية الدولية إلى إعادة إنتاج نموذج الهيمنة الدولية أو المصالح الإقليمية مما يقوض وحدة الصفّ السوداني.
ثالثا: سيناريوهات حل الأزمة
وأشارت الدراسة إلى أن هنالك 3 سيناريوهات محتملة لمستقبل الصراع بالسودان في ظل المبادرة التي أطلقتها الرباعية والهادفة إلى التوصل لاتفاق سلام، وإنهاء الحرب التي فاقمت الأوضاع الإنسانية بشكل لافت للانتباه.
1- سيناريو فشل التسوية واستمرار الحرب
ويبرز هذا الاحتمال مع استمرار غياب الثقة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتصدّع القوى المدنية وتنامي النزاعات القبلية والإثنية.
وقد يقود هذا السيناريو إلى تآكل مؤسسات الدولة، وربما بروز مراكز نفوذ متصارعة تتقاسم الجغرافيا والثروة، بما يحول السودان إلى ساحة مفتوحة لتنافُس القوى الخارجية، في إعادة إنتاج نموذج ليبيا أو الصومال.
2- سيناريو تحقيق التوازن
ويعني هذا الاحتمال تحقيق التوازن بين الضغوط الدولية والمصالح الوطنية، وتمثل المبادرة الرباعية إطارا عمليا لهذا الاتجاه، ولكنه يظل هشاً أمام أيّ تصعيد عسكري مفاجئ أو تدخل خارجي غير منضبط.
3- سيناريو فرض التسوية
ويقتضي هذا فرض تسوية تُبنى على توافق داخلي بين المكونات العسكرية والمدنية والقَبَلية السودانية، وما يترتب عليها من قيام نظام سياسي جديد يعيد تعريف الدولة الوطنية.
وحسب الدراسة، فإن نجاح هذا السيناريو يتوقف على نضوج طبقة سياسية جديدة تتجاوز منطق الغلبة إلى منطق العقد الاجتماعي، وتؤسس لشرعية مدنية حقيقية.
وخلصت إلى أن مبادرة الرباعية تشكل قوة دفع أساسية للحل السلمي الداخلي في السودان، إذ أطلقتها دول ذات ثقَل، ويستطيع السودان الاستفادة من وزنها للحصول على أفضل معادلة للسلام تضمن شراكات منتِجة تساعد في إعادة بناء الوطن، لكن نجاحها مرهون باستعداد الفاعلين السودانيين لقبول صيغة تجمع بين الضمانات الدولية والمصالحة الوطنية.
المصدر: أبعاد للدراسات الإستراتيجية