
(1) الرمزية ... والبطلان
تنتهي ولاية لجنة صياغة الدستور المؤقت في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي وفقا لأحكام المادة 9 من المرسوم رقم 4 لسنة 2025 المحددة لـ "مدة عمل اللجنة: تلتزم اللجنة بتقديم المسودة النهائية لمشروع الدستور للرئيس، في مدة لا تتجاوز في حدها الأقصى ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذ هذا المرسوم" الصادر في 16 آب/ أغسطس 2025.
في ظني أنّ الرئيس محمود عباس قصد منح ثلاثة أشهر للجنة صياغة الدستور؛ كي تنتهي أعمالها مع الاحتفال بذكرى إعلان وثيقة الاستقلال كدلالة رمزية على استمرارية النزوع نحو الاستقلال، وهو توجه يتبناه الآباء المؤسسون في تناسق المواعيد ودلالات رمزيتها، ولا يتركونها للصدفة أو للمصادفة غير المحسوبة.
إنّ انتهاء مدة عمل اللجنة، بالإضافة إلى انتهاء الصفة التي يحملونها كأعضاء لجنة صياغة الدستور ويصبحون أعضاء اللجنة المنتهية ولايتها، يقضي بأمرين؛ الأول: القضاء على الدلالة الرمزية التي ابتغاها الرئيس محمود عباس بتسلمه المسودة النهائية للدستور في الموعد المقرر مسبقاً ليصادف مع الذكرى السابعة والثلاثين لإعلان وثيقة الاستقلال، ووفقاً لتصريحات الدكتور أحمد مجدلاني لجريدة القدس فإنّ اللجنة ستسلم مسودة الدستور في يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر وهو خارج الموعد المنصوص عليه في المرسوم الرئاسي؛ فالمسألة هنا لا تتعلق بمواعيد أو قواعد بروتوكولية بقدر ما تتعلق بالالتزام بنص تشريعي واجب النفاذ وآمر.
والثاني: بطلان أعمال اللجنة بعد يوم الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي؛ ما يعني أن إدخال أية مادة أو تعديل أو إعادة صياغة لأحكام أو قواعد في متن المسودة يقع خارج الآجال الزمنية والمدة القانونية لولاية أعضاء اللجنة، ويعد باطلاً وانتهاكاً لأحكام المادة التاسعة من المرسوم الرئاسي؛ التشريع الحاكم لعمل اللجنة ومهامها واختصاصاتها وصلاحياتها والآجال الزمنية لولايتها.
(2) الامتناع جريمة
تشير النقاشات إلى أنّ لجنة صياغة الدستور المؤقت تبنت النظام السياسي المختلط بما يخالف أحكام المادة الثانية من المرسوم الرئاسي المنشأ للجنة صياغة الدستور ومرجعيتها، والتي نصت على " تشكل لجنة وطنية تسمى "لجنة صياغة الدستور المؤقت" للانتقال من السلطة إلى الدولة، تتولى إعداد مشروع دستور مؤقت، وبما ينسجم مع وثيقة إعلان الاستقلال ومبادئ القانون الدولي،.... ويرسي الأسس الدستورية لنظام حكم ديمقراطي قائم على سيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحقوق والحريات العامة وحمايتها ويعمل على التداول السلمي للسلطة، وتباشر مهامها واختصاصاتها وفقًا لأحكام هذا المرسوم".
إنّ الانسجام مع وثيقة إعلان الاستقلال، التي تبناها المجلس الوطني الفلسطيني في 15 من تشرين الثاني/ نوفمبر 1988، يقضي بتبني مبدأ فصل السلطات الصانع للنظام البرلماني؛ وهي "لجنة صياغة الدستور" بذلك تعارض العقد الاجتماعي الذي تبناه المجتمع الفلسطيني وقبل به وارتضاه في وثيقة إعلان الاستقلال، والذي اعتبرته المحكمة الدستورية ما فوق دستوري في قرارها الصادر بتاريخ 12/3/2018 في الطلب المقيد رقم 5/2017 في جدول المحكمة الدستورية العليا رقم 2 لسنة 3 قضائية "تفسير" بقولها "تعتبر وثيقة إعلان الاستقلال جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الدستورية في فلسطين، بل وأعلاها سمواً، يأتي بعدها القانون الأساسي...". ووفقا لأحكام المادة 41 من قانون المحكمة الدستورية فإن "أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة والكافة".
إنّ توجه لجنة صياغة الدستور لا يعد مخالفة لأحكام المرسوم الرئاسي أو معارضة لوثيقة الاستقلال بل امتناعاً عن تنفيذ قرار المحكمة الدستورية؛ وهو جريمة موصوفة في المادة 106 من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003 "الأحكام القضائية واجبة التنفيذ والامتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها على أي نحو جريمة يعاقب عليها بالحبس، والعزل من الوظيفة إذا كان المتهم موظفاً عاماً أو مكلفاً بخدمة عامة، ...".