
في كل عام، حين يقترب الحديث عن الاستقلال، تعود الذاكرة الفلسطينية إلى رحلة طويلة من الصمود، وإلى محطات متشابكة كتبها الآباء والأجداد بدمهم وتضحياتهم، لتبقى حاضرة في وجدان الأجيال مهما تعاقبت الأيام وتبدلت الظروف. فالاستقلال بالنسبة لنا ليس مجرد ذكرى، بل قضية حيّة تتجدد بمعانيها ومطالبها ومسؤولياتها في كل مرحلة من مراحل التاريخ.
التاريخ… رواية الشعوب ومقياس صمودها
منذ بداية النكبة، مروراً بالثورات والانتفاضات، وصولاً إلى إعلان الاستقلال عام 1988، شكّل التاريخ الفلسطيني لوحة من النضال المتواصل. وجسد الفلسطيني دائماً معنى الإصرار على البقاء فوق أرضه، متمسكاً بهويته وحقوقه، رافضاً كل أشكال الطمس والتزوير.
فالتاريخ عندنا ليس سرداً للأحداث بل وثيقة الهوية التي تحفظ الذاكرة الجمعية وتؤكد عدالة قضيتنا أمام العالم.
الماضي… جذور القوة ومصدر الإلهام
الماضي الفلسطيني مليء بالتضحيات التي صنعت وعينا الوطني. دماء الشهداء، صمود الأسرى، نضالات الحركة الوطنية، وتضحيات القيادات التاريخية وعلى رأسها الشهيد القائد ياسر عرفات… كلها شكلت مرتكزاً صلباً جعل من الشعب الفلسطيني مدرسة في الصبر والثبات.
فالماضي ليس عبئاً، بل منجم قوة يعزز ثبات الحاضر ويقوي إرادة المستقبل.
الحاضر… اختبار الإرادة وتجديد العهد
في حاضرنا اليوم، تتجدد التحديات وتتعاظم المسؤوليات. ما زلنا نواجه الاحتلال، وما زالت معركة البقاء والحرية مستمرة في كل مدينة وقرية ومخيم.
وفي خضم هذه التحديات، يبرز أحد أهم التطورات السياسية المعاصرة، وهو اتساع دائرة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين. فقد أعلنت دول جديدة من أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية، في خطوة تعكس تحوّلاً واضحاً في مواقف الحكومات والرأي العام العالمي تجاه عدالة القضية الفلسطينية.
هذه الاعترافات المتزايدة ليست مجرد مواقف دبلوماسية، بل ترسيخ لحق تاريخي وقانوني ودعم لمسار الحرية والاستقلال. وهي تؤكد أن العالم بدأ ينصت أكثر لصوت الشعب الفلسطيني، وتمهّد الطريق نحو تعزيز مكانة فلسطين دولياً والوصول إلى العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وتجسيد الدولة على الأرض.
نحو مستقبل يليق بتضحياتنا
إن الربط بين التاريخ والماضي والحاضر يشكّل بوصلة واضحة نحو مستقبلنا.
فلا استقلال بلا وحدة وطنية،
ولا تاريخ بلا حفظ للذاكرة،
ولا حاضر قوي بلا مؤسسات فاعلة،
ولا مستقبل واعد بلا رؤية تجمع ولا تفرّق.
يبقى الاستقلال بالنسبة للشعب الفلسطيني عهداً متجدداً، ومسيرة لا تتوقف مهما حاولت التحديات أن تعرقلها.
وستبقى إرادة الفلسطيني أقوى من الاحتلال، وسيظل حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس حقيقة نقترب منها يوماً بعد يوم، لأن التاريخ يقول ذلك، والماضي يثبته، والحاضر يشهد أننا ما زلنا هنا… متمسكين بحقنا، ماضين إلى مستقبلنا بثبات وعزيمة.