
صدى نيوز - حصلت أوكرانيا مؤخرا على وضع "شريك مُتقدم" في قوة الانتشار الأوروبية المشتركة "جيه إي إف" (JEF) التي تتشكل من 10 دول كلها أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وتقودها بريطانيا، وترتبط 5 دول منها بحدود مع روسيا.
وقد اعتبر القرار رسالة قوية لأوكرانيا في مواجهتها مع روسيا، وربما يمثل أيضا إحدى الخطوات التمهيدية لعملية الانضمام إلى حلف الناتو.
رسالة لبوتين
صادق وزراء دفاع الدول الأعضاء في قوة الانتشار الأوروبية المشتركة المجتمعون في النرويج، الأربعاء الماضي، على منح أوكرانيا صفة شريك مقدم في التحالف العسكري.
وحسب وكالة الأنباء الفرنسية، فإن أعضاء القوة المشتركة يعلنون من خلال هذا القرار عن تعاون عسكري أقوى مع أوكرانيا ودعم طويل الأمد لها في الحرب الدائرة مع روسيا، كما تُعزز هذه الخطوة الروابط العسكرية لكييف مع أكثر الداعمين الأوروبيين التزاما في المواجهة مع روسيا.
وأورد تقرير لشبكة يورونيوز بعنوان "قوة الانتشار المشتركة تُطلق شراكة مُعززة مع أوكرانيا" أن وزراء دفاع التحالف الذي تقوده المملكة المتحدة اجتمعوا بنظيرهم الأوكراني دينيس شميهال في مدينة بودو النرويجية بالقطب الشمالي لإطلاق شراكة مُعززة مع أوكرانيا تهدف إلى التعاون على تعزيز الأمن في منطقة شمال أوروبا وبحر البلطيق.
ونقلت يورونيوز عن وزير الدفاع البريطاني جون هيلي قوله "إن هذه رسالة قوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأي معتدٍ محتمل آخر، بأن قوة الانتشار المشتركة أقوى من أي وقت مضى، وأكثر اتحادا من أي وقت مضى، وأكثر ابتكارا من أي وقت مضى، وأكثر مرونة في الاستجابة العملياتية من أي وقت مضى".
وبدوره، صرح وزير الدفاع النرويجي توري ساندفيك لهيئة الإذاعة النرويجية "إن آر كيه" بأن الاتفاقية تُرسي إطارا رسميا لشراكات مُعززة، وتُتيح لنا العمل بسرعة وفعالية مع أوكرانيا، للحفاظ على الأمن في أوروبا". وأضاف: "هذا مهم ليس فقط لأوكرانيا، بل أيضا للنرويج وأوروبا وحلف الناتو".
كيف تستفيد أوكرانيا من القرار؟
حسب وكالة الصحافة الفرنسية سيقوم التحالف بتدريبات للقوات المسلحة الأوكرانية، وسيتعاون معها في حماية البنية التحتية الحيوية تحت الماء، وفي استخدام الطائرات بدون طيار، وفي الطب الميداني، وفي أساليب مكافحة التضليل الإعلامي.
وقال وزير الدفاع الأوكراني دينيس شميهال إن "أوكرانيا تسعى مع شركائها، في دول القوة المشتركة للوصول إلى التقنيات والقدرات الإنتاجية الأوروبية التي يمكن على أساسها إطلاق عمليات تصنيع مشتركة".
وأضاف شميهال أن هذه الأسلحة لن تقتصر على حماية أوكرانيا فحسب، بل ستضمن أمن أوروبا لسنوات قادمة، وستحمي جناحها الشرقي بشكل موثوق من العدوان الروسي الدائم.
وبدورها، ستساهم أوكرانيا -حسب شميهال- بخبرتها في مواجهة التهديدات الهجينة، وعمليات الطائرات بدون طيار، والدفاع الجوي، وحماية البنية التحتية، مضيفا أنه سيتم تعزيز التعاون في مجال قدرات الضربات بعيدة المدى.
وحسب تقرير يورونيوز، فإن القوة الأوروبية المشتركة تخطط لإشراك القوات المسلحة الأوكرانية في تدريبات مُشتركة لتحقيق التوافق الكامل والاستعداد للعمل معا في أوقات الأزمات.
تهيئة للانضمام للناتو
حسب مقال للكاتب الفرنسي فيليب روزنتال نشر الخميس الماضي على موقع "أوبزرفاتور كونتيننتال"، فقد خطت كييف خطوة أخرى نحو عضوية حلف الناتو بانضمامها إلى "شريك مُعزز" في القوة الأوروبية المشتركة.
وفي مقابلته مع إذاعة "إن آر كيه"، أكد وزير الدفاع النرويجي ساندفيك أن الشراكة المُعزّزة خطوة من شأنها أن تُساعد في إعداد أوكرانيا للانضمام المُحتمل إلى حلف الناتو.
وبدوره، كتب وزير الدفاع الأوكراني دنيس شميهال في حسابه على موقع إكس أن "هذه هي المرة الأولى التي تُمنح فيها هذه الصفة لدولة ليست عضوا في التحالف".
القوة المشتركة.. ناتو مصغر
تأسست قوة الانتشار الأوروبية المشتركة عام 2014 بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهي قوة متعددة الجنسيات بقيادة المملكة المتحدة.
وتضم القوة 10 دول من شمال وشرق أوروبا، هي بالإضافة إلى بريطانيا: الدانمارك، وإستونيا، وفنلندا، وآيسلندا، ولاتفيا، وليتوانيا، وهولندا، والنرويج، والسويد، وجميعها أعضاء حاليون في حلف الناتو.
وتهدف القوة إلى تتبع التهديدات المحتملة للدول الأعضاء، وعلى وجه الخصوص التهديدات التي تستهدف البنية التحتية البحرية، ومراقبة ما يسمى بأسطول الظل الروسي.
كما تجري القوة -حسب مكتب الصحافة التابع لها- مناورات سنوية، كان آخرها مناورة "تاراسيس" العسكرية التي استمرت طيلة شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المنصرمين.
ويؤكد القائمون على قوة التحالف المشتركة أنها تتقاطع في أهدافها وعملها مع حلف الناتو، وأن التطوير العسكري داخلها يرتبط ارتباطا وثيقا بتطوير الناتو.
لكن متابعين للشأن الأوروبي يرون أن الدافع وراء تشكيل هذه القوة هو أنها تشكل إطارا يسمح بالالتفاف على بطء حلف الناتو وبيروقراطيته، حيث يصعب اتخاذ العديد من القرارات داخل الناتو، وكثيرا ما تُعرقل بسبب التباينات في المواقف بين أعضائه.
وربما ازدادت وجاهة تشكيل هذه القوة وتطويرها في ظل إدارة واشنطن ظهرها بشكل متزايد لأوروبا والذي تجسد أخيرا في عملية سحب بعض قواتها من القارة.
"تاراسيس" مناورات ضخمة
تعتبر المناورات الأخيرة أكبر عملية عسكرية للقوة المشتركة على الإطلاق، حيث امتد نشاطها من آيسلندا إلى منطقة البلطيق، وعبر مناطق متعددة.
وقد حشدت هذه المناورة، التي كان ميدانها منطقة شمال أوروبا وبحر البلطيق، أكثر من 1700 جندي بريطاني إلى جانب آلاف الجنود من أعضاء القوة المشتركة الآخرين.
وحسب مكتب الصحافة في القوة المشتركة، فإن تلك المناورات الضخمة بمثابة بروفة واسعة النطاق ومتعددة الجنسيات لخيارات الاستجابة للطوارئ التي توفرها قوة الانتشار المشتركة، وإظهار قدرة الدول الأعضاء على العمل الجماعي ردًا على أي تهديد للأمن الإقليمي.
وقد شارك أعضاء في الناتو من خارج قوة الانتشار المشتركة في بعض أنشطة المناورات، حيث ساهمت طائرات سلاح الجو الملكي الكندي في النشاط في لاتفيا، وقامت قوة ألمانية في بحر البلطيق بتنسيق أنشطة الحراسة البحرية.
وقامت طائرات "غريبن" السويدية وطائرات "إف-18" الفنلندية بدوريات في الأجواء، وبدعم من كندا، تدربوا على القدرة على العمل من الطرق الفنلندية والإستونية لإظهار فعالية استخدام القتال الرشيق.
وصرح قائد قوات الانتشار المشتركة اللواء توماس باتمان بأن "قوته تعمل استنادا إلى مبادئ المادة الثالثة من ميثاق الناتو، لصقل قدراتها في مجال الدفاع الجماعي من خلال برنامج سنوي مدروس مصمم لتكملة جهود الحلف".
استفزازا لروسيا
ويتساءل الكاتب الفرنسي فيليب روزنتال في مقاله: لماذا منحت لندن كييف شراكة ضمن القوة الانتشار المشتركة؟ ويرى أن لندن حشدت حلفاءها الشماليين لمحاربة روسيا، وهم ذوو توجهات متماثلة، وباتوا -بسبب عضويتهم في قوة التحالف المشتركة- يخضعون لسيطرة دولة مسلحة نوويا.
وتسعى القوة المشتركة للاستفادة في المواجهة مع روسيا من الخبرة العسكرية الأوكرانية، فقد أكد ساندفيك في مقابلته مع الإذاعة النرويجية أنهم في القوة المشتركة "يشنون حربا حديثة ضد روسيا المعتدية التي يستعدون لمواجهتها".
وأضاف "نحن نتعلم من التجربة الأوكرانية، وسنُدرب أوكرانيا أيضا على تحسين قدرتها على الصمود في ساحة المعركة، وعلى وجه الخصوص، نُجري عمليات في بولندا، حيث نُدرب حاليا 1200 جندي أوكراني".
من جهته، نبه الكاتب الفرنسي إلى أنه قبل التوقيع على توسيع نطاق قوة التدخل السريع المشتركة لتشمل أوكرانيا، سلمت بريطانيا أوكرانيا "صواريخ ستورم شادو إضافية" لقصف الأراضي الروسية، معتبرا أن تطويق روسيا وتصعيد الصراع بات أمرا واقعا، وستشكل هذه الاتفاقية الجديدة مع أوكرانيا استفزازا لموسكو التي ترفض بشكل قاطع انضمام كييف إلى حلف الناتو.
وخلص الكاتب إلى أن قوة الانتشار الأوروبية المشتركة جمعت أشدّ المعادين لروسيا والمؤيدين للنهج المتشدد ضدها، وهذا يعني أن الاستفزازات ضد روسيا في شمال أوروبا، وبتشجيع من لندن، أمرٌ متوقع باستمرار في ظل غض الاتحاد الأوروبي الطرف عن ذلك.
تكتيك جديد لمواجهة روسيا
في سياق الدعوات لتعزيز المساندة الغربية لكييف، شدّد الأمين العام السابق لحلف الناتو أندرس فوغ راسموسن على ضرورة تبني إستراتيجية جديدة لدعم أوكرانيا، التي تواجه -على حد وصفه- "حربا أبدية" واستنزافا تدريجيا لأراضيها.
وفي مقابلة مع صحيفة غارديان البريطانية، دعا راسموسن إلى إنشاء قوة حماية أوروبية لأوكرانيا، مبديا أسفه لتحوّل ما كان يُعرف بـ"تحالف الراغبين" إلى ما وصفه بـ"تحالف المنتظرين".
وأوضح أن أوروبا مطالَبة بتكثيف الضغط على روسيا عبر نشر قوات، وبناء درع صاروخي، وتشغيل طائرات مسيرة في أراضي دول الناتو المجاورة لحماية البنية التحتية الأوكرانية.
كما شدد على ضرورة تزويد كييف بدرع جوي يمكّنها من إسقاط الصواريخ والطائرات المسيرة الروسية، مشيرا إلى أن التغيير في النهج أصبح ضرورة ملحة.
وحذر من أن غياب خطوات جذرية سيُبقي الصراع بلا نهاية، إذ لا يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي دافع للتفاوض ما دام يعتقد بإمكانية الانتصار عسكريا، مما يستدعي -بحسب قوله- "تغييرات في السرعة والتفكير".
ويقود راسموسن حاليا جولة في عدد من العواصم الأوروبية، بينها لندن، حيث التقى مستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول لحشد الدعم لأوكرانيا. كما طالب الولايات المتحدة بتقديم ضمانات أمنية لكييف، مؤكدا أن هذه الضمانات ستُسهّل على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إقناع شعبه باتفاق سلام قد يتضمن خسارة بعض الأراضي.
وفي إطار تعزيز القدرات العسكرية الأوكرانية، دعا راسموسن إلى تزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى لضرب أهداف داخل روسيا، وحث على الاستمرار في الضغط على واشنطن لتسليم صواريخ "توماهوك" المجنحة.
وانتقد ما وصفه بالغموض في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه أوكرانيا، بعد تراجعه عن توريد "توماهوك" وإعلانه عن قمة ثانية مع بوتين، مشيرا إلى أن على ألمانيا أن تبادر بتزويد كييف بصواريخ "توروس" المجنحة.
واختتم بالتأكيد على أن تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ سيرسل إشارة حاسمة تُجبر بوتين على الانخراط في مفاوضات سلام.
المصدر: الجزيرة