صدى نيوز - تعمل المخزونات الأميركية المتزايدة من سوائل الغاز الطبيعي على تعقيد مشهد فائض الإمدادات العالمية من النفط، في وقت بلغت فيه هذه المخزونات 309 ملايين برميل، وهو أعلى مستوى يسجل لهذا الوقت من العام، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.

وتشير هذه الزيادة الحادة إلى تحولات عميقة في توازن سوق النفط، إذ غالباً ما تُدرج سوائل الغاز الطبيعي (التي تشمل البروبان والبيوتان والإيثان) ضمن معادلات العرض والطلب العالمي للنفط، إلى جانب الخام والوقود المكرر. غير أن تأثيرها على أسعار النفط الخام المرجعي يبقى محدوداً، ما يصعّب مهمة مراقبي السوق في تفسير الاتجاهات الحالية للأسعار.

وبحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة، فإن الإمدادات العالمية من النفط ستواصل الارتفاع، وسيأتي نحو خمس هذا الارتفاع من سوائل الغاز الطبيعي، مما يضيف طبقة إضافية من التعقيد إلى هيكل السوق العالمي.

هذه المنتجات، التي تُعتبر ركيزة أساسية في صناعات مثل التدفئة والبتروكيماويات، غالباً ما يتم التعامل معها بوصفها جزءاً من سوق النفط التقليدية، ما يجعل الفهم الدقيق لمعادلات التوازن في السوق أكثر تعقيداً، ويُثير تساؤلات بشأن دقة بعض المؤشرات التي يعتمد عليها المستثمرون والمحللون في تقييم حركة الأسعار واتخاذ قراراتهم.

لكن، رغم أن هذه البراميل الإضافية تسهم في إجمالي كميات النفط، فإن تأثيرها على أسعار الخام القياسي يبقى محدوداً، نظراً لأن هذه الأسعار تُحدد من خلال التداول في عدد قليل من المراكز العالمية الرئيسية. ويُحدث هذا التباين بين حجم الإمدادات والتسعير تحديات كبيرة أمام من يحاولون قراءة نبض السوق بدقة.

وقالت توريل بوسوني، رئيسة قسم أسواق النفط في "وكالة الطاقة الدولية" إن "سوائل الغاز الطبيعي هيمنت على نمو العرض والطلب منذ جائحة كورونا"، مضيفة أن "كمياتها ضخمة فعلاً، ولا تلقى التقدير الكافي من كثير من مراقبي السوق".

توقعات بتخمة في سوق النفط

وتبرز هذه العقبة في وقت يتجه خام "برنت"، المؤشر القياسي العالمي، نحو تسجيل ثالث انخفاض سنوي على التوالي، مع توقعات الخبراء بإمكانية دخول سوق النفط العالمية مرحلة فائض في المعروض. وتُقدّر "وكالة الطاقة الدولية" في باريس، أن العالم سيشهد تخمة غير مسبوقة العام المقبل.

يقدّر "سيتي غروب" أن القفزة في مخزونات سوائل الغاز الطبيعي كانت ثاني أكبر محرك لتوسّع المخزونات النفطية البرية في العالم هذا العام، بعد مشتريات الصين المكثفة من الخام.

تُقدّر "وكالة الطاقة الدولية" أن الإمدادات العالمية من النفط سترتفع بنحو 2.4 مليون برميل يومياً في عام 2026، على أن يأتي نحو خُمس هذه الزيادة من سوائل الغاز الطبيعي.

أميركا أكبر منتجة لسوائل الغاز

تُنتج سوائل الغاز الطبيعي، التي تشمل "البروبان" و"البيوتان" و"الإيثان"، إلى جانب النفط الخام والغاز الطبيعي، وهي تُستخدم غالباً في التدفئة والطهي وصناعة البلاستيك. ويصعب أحياناً احتساب تلك البراميل بدقة بسبب المصدر المزدوج لها.

جاء جزء كبير من الطفرة في إمدادات سوائل الغاز الطبيعي من التحوّل الأوسع في مناطق النفط الصخري الأميركي، حيث بات إنتاج الغاز الطبيعي الأكثر تفضيلاً.

تنتج الولايات المتحدة وحدها حالياً أكثر من 7.5 ملايين برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي، وهي كمية تكفي لتجعلها رابع أكبر منتجة للنفط في العالم إذا تم احتسابها بشكل منفصل.

ويُعدّ ذلك دفعة لجهود إدارة دونالد ترمب الرامية إلى تصدير الطاقة الأميركية، بما في ذلك إلى الصين، التي التهمت في السنوات الماضية كميات كبيرة من الإمدادات الأميركية من هذه الأنواع من الوقود.

الجافورة يعزز إنتاج السعودية من سوائل الغاز

ستأتي زيادات إضافية في إنتاج سوائل الغاز الطبيعي عالمياً مع بدء الإنتاج في مشروع الجافورة الضخم للغاز في السعودية، والمقرر أن ينطلق بحلول نهاية العام.

يزداد الاهتمام العالمي بالغاز، نظراً لإمكانية استخدامه في توليد الكهرباء اللازمة لتشغيل مراكز البيانات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. كما تسعى أوروبا أيضاً إلى تأمين إمدادات لا تأتي من روسيا.

تتوقّع "إدارة معلومات الطاقة" الأميركية أن ينمو إنتاج سوائل الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بين عامي 2023 و2026 بمعدل يقارب ضعف سرعة نمو إنتاج النفط الخام من حيث الحجم.

إنتاج الخام قد يستقر لكن إنتاج الغاز المصاحب سيرتفع

أشار دون بالدريدج، النائب التنفيذي للرئيس لشؤون النقل والمعالجة الوسيطة والكيماويات في شركة "فيليبس 66" (Phillips 66) إلى أن أحد المحركات الرئيسية للنمو هو آبار النفط الصخري الأميركية التي أصبحت تُنتج مزيداً من الغاز". وتُشغّل الشركة شبكة أنابيب تنقل نحو مليون برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، وتُصدّر نحو ثلث هذه الكمية.

أضاف بالدريدج: "هناك مزيد من الغاز لكل برميل نفط. وحتى إذا بقي إنتاج الخام مستقراً من حيث الكمية، فستظل وتيرة نمو إنتاج سوائل الغاز الطبيعي قوية".

رغم أن وتيرة نمو إنتاج الخام الأميركي تباطأت منذ ذروة طفرة النفط الصخري، فإن الإنتاج لا يزال قريباً من مستوياته القياسية، كما أن الآبار الحالية تُنتج كميات من الغاز لكل برميل أعلى بكثير مما كانت عليه سابقاً.

قدرات تصدير جديدة تعيد تشكيل سوق النفط

تُقدّر شركة "إيست دالي أناليتكس" (East Daley Analytics) أن نحو 1.4 مليون برميل يومياً من طاقات تصدير جديدة لـ"الإيثان" وغاز البترول المسال ستدخل السوق بحلول النصف الأول من عام 2028، ما يسلّط الضوء على حجم التوسّع المحتمل في الإمدادات.

قال جوليان رينتون، محلل في "إيست دالي"، إن أكثر من ثلث إجمالي مخزونات الوقود السائل في الولايات المتحدة يمكن ربطه الآن بسوائل الغاز الطبيعي، في تحول هيكلي تشهده السوق.

أضاف رينتون: "على المدى الطويل، سيكون لذلك تأثير أكبر"، موضحاً: "توقعاتنا بشأن إنتاج الخام في حوض برميان مستقرة نسبياً، لكننا ما زلنا نتوقع استمرار نمو كميات سوائل الغاز الطبيعي في المنطقة".