
صدى نيوز - كشفت دراسة بحثية جديدة أن أكثر من 5 آلاف من جماعات الضغط في مجال الوقود الأحفوري حصلوا على حق الوصول إلى قمم الأمم المتحدة للمناخ خلال السنوات الأربع الماضية، وهي الفترة التي اتسمت بارتفاع الظواهر الجوية المتطرفة الكارثية، وعدم كفاية العمل المناخي، والتوسع القياسي في إنتاج النفط والغاز.
وتحلل الدراسة وُجود جماعات الضغط المعنية بالوقود الأحفوري المعروفة بحضورها مفاوضات غلاسكو (مؤتمر الأطراف الـ26)، وشرم الشيخ (مؤتمر الأطراف الـ27)، ودبي (مؤتمر الأطراف الـ28)، وباكو (مؤتمر الأطراف الـ29).
وحسب الدراسة، التي نشرتها صحيفة غارديان البريطانية، فقد تم السماح لجماعات الضغط التي تمثل مصالح صناعات النفط والغاز والفحم، والتي تتحمل المسؤولية الأكبر عن انهيار المناخ بحسب الدراسة، بالمشاركة في المفاوضات المناخية السنوية، حيث من المفترض أن تأتي الدول بحسن نية وتلتزم بسياسات طموحة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وكشفت الدراسة أن ما يقرب من 5350 من جماعات الضغط الذين اختلطوا بزعماء العالم ومفاوضي المناخ في السنوات الأخيرة عملوا لصالح ما لا يقل عن 859 منظمة تعمل في مجال الوقود الأحفوري، بما في ذلك مجموعات تجارية ومؤسسات، و180 شركة نفط وغاز وفحم تشارك في كل جزء من سلسلة التوريد من الاستكشاف والإنتاج إلى التوزيع والمعدات.
وبحسب التحليل الذي أجرته منظمة (kick big polluters out) وهي تحالف يضم 450 منظمة تعمل على منع صناعة الوقود الأحفوري من عرقلة وتأخير العمل المناخي العالمي، فإن 90 شركة فقط من شركات الوقود الأحفوري التي أرسلت جماعات الضغط إلى محادثات المناخ بين عامي 2021 و2024 كانت مسؤولة عن أكثر من نصف 57% كل النفط والغاز المنتجين في العام الماضي.
وتمثل هذه الشركات، التي تضم العديد من شركات النفط والغاز الخاصة والعامة الأكثر ربحية في العالم، إنتاج 33 ألفا و699 مليون برميل من المكافئ النفطي في عام 2024، وهو ما يكفي لتغطية أكثر من مساحة إسبانيا بأكملها بطبقة من النفط بسمك سنتيمتر واحد.
وتمثل نفس الشركات الـ90 أيضا نحو 63% من جميع مشاريع التوسع قصيرة الأجل في مجال الوقود الأحفوري، والتي تستعد للاستكشاف والإنتاج، وفقا لأرقام وبيانات حديثة تضم أكثر من 1700 شركة تغطي أكثر من 90% من نشاط النفط والغاز العالمي.
وإذا تم تنفيذ هذه المشاريع التوسعية، فسوف تنتج هذه الشركات ما يكفي من النفط لتغطية مليونين و623 كيلومترا مربعا بسمك سنتيمتر واحد، وهو ما يشمل كامل مساحة 7 دول أوروبية وهي فرنسا، وإسبانيا، وألمانيا، والدانمارك، والسويد، وفنلندا، والنرويج مجتمعة.
مصالح الشركات والكوكب
وقد أدت النتائج إلى تجدد الدعوات لمنع شركات الوقود الأحفوري وغيرها من الملوثين الكبار من المشاركة في المفاوضات المناخية السنوية، وسط أدلة علمية متزايدة على أن العالم فشل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.
ويقول أديلسون فييرا، المتحدث باسم مجموعة عمل الأمازون لصحيفة غارديان: "تكشف هذه المعلومات بوضوح عن سيطرة الشركات على عملية المناخ العالمية.. لقد تحوّل الفضاء الذي كان ينبغي أن يُخصّص للعلم والناس إلى قاعة ضخمة لأعمال الكربون".
وأضاف أنه "بينما تُناضل مجتمعات الغابات من أجل البقاء، فإن الشركات نفسها التي تُسبّب انهيار المناخ تشتري أوراق اعتماد ونفوذا سياسيا لمواصلة توسيع إمبراطورياتها الأحفورية".
من جهتها، تقول برينا يلوثاندر، المنسقة الرئيسية لشبكة السكان الأصليين البيئية، والعضو في منظمة "كيه بي بي أو" (KBPO) إن السكان الأصليين أيضا تحت وطأة فوضى المناخ على أراضينا، مع تفاقم الفيضانات وحرائق الغابات وموجات الحر الشديد. علينا إزالة لافتة "للبيع" من على "أمنا الأرض" ومنع دخول جماعات الضغط من قطاع النفط والغاز إلى مؤتمرات الأطراف.
وقد تفاقم الغضب المتزايد إزاء عدم اتخاذ إجراءات ذات معنى من جانب أغنى بلدان العالم وأكثرها تلويثا للبيئة، بسبب الكشف عن أن صناعة الوقود الأحفوري يبدو أنها حصلت على قدر أعظم من الوصول إلى محادثات المناخ مقارنة بمعظم البلدان.
وفي العام الماضي في باكو، حضر 1773 من جماعات الضغط المسجلة في مجال الوقود الأحفوري القمة في أذربيجان، أي أكثر بنسبة 70% من العدد الإجمالي للمندوبين من الدول العشر الأكثر عرضة لتغير المناخ مجتمعة والذي يبلغ 1033 مندوبا.
ولكن النطاق الحقيقي لمخالب الوقود الأحفوري أعمق بلا شك، حيث تستبعد بيانات جماعات الضغط المديرين التنفيذيين وغيرهم من ممثلي الشركات في الوفود الرسمية للدول المشاركة بشكل مباشر في المفاوضات السرية، وأولئك الذين يحضرون كضيوف للحكومات، والمعروفين باسم المندوبين الفائضين.
وكان أكبر عدد من جماعات الضغط المعروفة في السنوات الأخيرة يمثلون شركات مملوكة للدولة من الإمارات العربية المتحدة وروسيا وأذربيجان.
كما كانت العديد من شركات الوقود الأحفوري الأكثر ربحية في العالم حاضرة في قمم مؤتمر الأطراف الأخيرة، في وقت واجهت فيه الحكومات ضغوطا شعبية هائلة -لكنها فشلت- في الموافقة على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري على الرغم من التأثيرات المناخية القاتلة التي تؤثر على كل ركن من أركان الكوكب.
وفي الفترة ما بين عامي 2021 و2024، أرسلت شركة شل ما مجموعه 37 من جماعات الضغط، وأرسلت شركة بريتش بترلويوم 36 مندوبا، وإكسون موبيل 32 مندوبا، وشيفرون 20 مندوبا. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حققت شركات النفط الأربع الكبرى أرباحا مجمعة تجاوزت 420 مليار دولار.
وشارك دارين وودز، الرئيس التنفيذي لشركة إكسون، في فعالية إطلاق مؤتمر الأطراف الثلاثين في برازيليا، التي تُنظمها غرفة التجارة الأميركية تحت عنوان "حلول الأعمال البراغماتية لحساب الكربون وخفض الانبعاثات". وقد انسحبت الولايات المتحدة، كغيرها من الدول، من اتفاقي باريس للمناخ، ولم تُرسل وفدا وطنيا إلى القمة.
وحصلت شركة بتروبراس، الشركة البرازيلية متعددة الجنسيات المملوكة للدولة في أغلبها والتي أرسلت ما لا يقل عن 28 من جماعات الضغط إلى قمم المناخ الأربع الماضية، مؤخرا على ترخيص لإجراء حفر استكشافي للنفط في البحر قبالة الأمازون، والتي تعد موطنا للعديد من المجتمعات الأصلية وحوالي 10% من الأنواع المعروفة على الكوكب.
وقال متحدث باسم الشركة: "ستكون شركة بتروبراس حاضرة في مؤتمر الأطراف الثلاثين، كما كانت حاضرة في المحادثات السابقة، لأنها تدرك فرصة مناقشة النماذج المستدامة.. إن مشاركة الشركة في مؤتمر الأطراف الثلاثين تعزز التزامها بمتابعة المناقشات الدولية حول المناخ والطاقة والمساهمة فيها".
ولم تستجب شركات شل، وبي بي، وإكسون موبيل، وشيفرون لطلبات التعليق.
ضغوط مضادة
بعد سنوات من الحملات التي شنتها منظمات المجتمع المدني، يُطلب من مندوبي مؤتمر الأطراف هذا العام الإفصاح علنا عن الجهة الممولة لمشاركتهم، والتأكد من توافق أهدافهم مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
إلا أن شرط الشفافية الجديد يستثني أي شخص من الوفود الحكومية الرسمية أو الوفود الإضافية، كما أن الدعوات إلى تشديد حماية تضارب المصالح للحد من نفوذ القطاع الصناعي لم تلق استجابة كافية، وفقا للمدافعين عن حقوقهم.
في بيان، قال متحدث باسم وكالة الأمم المتحدة لتغير المناخ: "اتخذت الأمانة العامة خطوات ملموسة في عام 2023، ومرة أخرى هذا العام، لتعزيز شفافية المشاركين في مؤتمر الأطراف".
وأضاف أنه لا يُتوقع من أي مؤتمر طرف واحد أن يحل أزمة المناخ بين عشية وضحاها، فإن تحقيق المزيد من التحسينات هو رحلة مستمرة سنواصل دعمها، مع الأخذ في الاعتبار أن الحكومات الوطنية هي وحدها من يملك السلطة لتحديد أعضاء وفودها".
وفي هذا السياق، قال محمد صرف، المدير التنفيذي للمعهد الفلسطيني لإستراتيجية المناخ، إن "القواعد الجديدة بداية مُرحب بها، لكنها تأتي متأخرة عقودا، والشفافية دون إقصاء مجرد تمثيلية. لا يُمكن الادعاء بإصلاح عملية استولت عليها بالفعل الشركات نفسها التي تُحرق الكوكب وتُؤجج الحروب".
وأضاف أنه يجب أن تنتقل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ من الإفصاح إلى الاستبعاد.. فبدون إصلاح، لن تُنقذ هذه العملية العالم، بل ستُساهم في دفنه، بحسب تعبيره.
المصدر: غارديان