
منذ أكثر من مائة عام والشعب الفلسطيني يناضل بكل الوسائل للدفاع عن أرضه في مواجهة الحركة الصهيونية والقوى الاستعمارية الغربية بداية من بريطانيا وانتهاء بالولايات المتحدة الامريكية وفي ظل تخاذل الأنظمة العربية بل وتواطؤ بعضها مع الاحتلال، حتى يجوز القول إن حركة التحرر الوطني الفلسطيني أطول ثورات التحرر الوطني عبر التاريخ ،صحيح لم يتمكن الفلسطينيون من تحرير وطنهم لا بالمقاومة المسلحة ولا بالتسوية السياسية، وصحيح أيضا أن الانقسامات السياسية ما زالت تؤثر سلبا على وحدة الشعب والنظام السياسي، كما لا نتجاهل حرب الإبادة والتطهير العرقي على قطاع غزة وما يجري في الضفة من حرب غير معلنة لا تقل خطورة عما يجري في الضفة، ولكن وبالرغم من ذلك لم يستسلم الشعب الفلسطيني ولم يرفع الراية البيضاء بل تزداد عدالة قضيته حضورا في العالم وتتزايد أزمة إسرائيل في علاقاتها الدولية وتنكشف زيف روايتها التي غررت بها العالم طوال مائة عام.
هذا الحضور والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني، حتى وإن كان مشبعا بالألم والمعاناة والتشرد والجوع والدمار كما يجري في قطاع غزة، والذي تنطبق عليه مقولة الرئيس الراحل أبو عمار (إن الشعب الفلسطيني كطائر العنقاء ينهض دائما من تحت الرماد) يعود بالدرجة الأولى لعدالة القضية الفلسطينية وقناعة العالم بذلك، كما يعود لرفض العالم للممارسات الصهيونية التي فاقت ما فعلته النازية باليهود، أيضا تمسك الشعب بأرضه ومساندة أحرار العالم له على مستوى الشعوب والحكومات العربية والإسلامية والأجنبية.
وبكل صراحة فإن نقطة الضعف الرئيسة في الحالة الفلسطينية الحالية هي حالة الانقسام وضعف النظام السياسي وعجز والفساد أحيانا في الطبقة السياسية وفي الأحزاب، حيث حتى الآن لم تستطع هذه الطبقة والأحزاب من استثمار التحولات في الرأي العام العالمي التي لم تأتي نتيجة جهودها السياسية ولا نتيجة أعمال المقاومة المسلحة بل نتيجة مشاهد الموت والجوع والمرض والدمار للمدنيين في قطاع غزة وخصوصا فئة الأطفال والنساء ، أيضا نتيجة انكشاف زيف الرواية الصهيونية، وخصوصا عند الجيل الجديد في الغرب الذي صدمه الإرهاب والجرائم الإسرائيلية ورفض إسرائيل للشرعية الدولية والقانون الدولي و كل ما تعلموه حول حقوق الانسان والعدالة الإنسانية والديمقراطية الخ.
لكل ذلك وحتى نقطع الطريق على ما يجري تخطيطه أمريكيا واسرائيليا من محاولات تصفية القضية من خلال مبادرة ترامب، يجب تغيير الطبقة السياسية والنظام السياسي الفلسطيني ومدخل التغيير ممارسة أقصى حالات النقد دون مجاملات أو حسابات شخصية.
فقد أجمع كل العالم تقريبا على نبذ دولة الكيان الصهيوني واعتبارها دولة مارقة ترتكب جرائم حرب إبادة وتحتل أراضي الشعب الفلسطيني، كما انتقدت كثير من الدول حركة حماس وانتقدناها وما زلنا ملتزمين ومؤمنين بكل كلمة كتبناها، ولم يكن انتقادنا لها لأنها حركة مقاومة ،فالمقاومة حق مشروع لكل شعب خاضع للاحتلال والشعب الفلسطيني وكل فلسطين يخضعون للاحتلال حتى الاعترافات بدولة فلسطين هي اعترافات بدولة تحت الاحتلال وسيأتي يوم سنحتاج فيه لاستراتيجية مقاومة الاحتلال وهي مقاومة متواصلة طوال مائة عام، وعليه كان نقدنا لحركة حماس يتعلق بأيديولوجيتها وخلفيتها الاخوانية و تحالفاتها الخارجية و انقلابها على السلطة و طريقة ممارستها للمقاومة وطوفانها الملتبس واستمرار مكابرتها ومعاندتها بالرغم من المصائب التي يعيشها فلسطينيو قطاع غزة ، كما طالبنا بإعلانها جماعة خارجة على القانون الفلسطيني الخ
ولكن، ماذا بالنسبة للطرف الوطني الرسمي الذي يٌفترض أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب وعليه يجب الرهان لإنقاذ ما يمكن انقاذه وإعادة تصويب المسار الوطني؟
يبدو أن هذا الطرف (الوطني) استراح للمواقف الدولية المعارضة لإسرائيل وإجرامها والاعترافات الدولية بدولة فلسطين وهي تحت الاحتلال ، أيضا لأزمة حركة حماس ووصول نهجها في المقاومة المسلحة لطريق مسدود وإلى تزايد انتقاد حركة حماس وخصوصا في قطاع غزة والانتقادات الرسمية العربية والدولية لها ومطالبتها بالخروج من المشهد، واعتقدوا أن هذا التراجع لخصومها يعنى إنها على صواب ولا تحتاج لإعادة النظر في نهجها وسياساتها، حتى إنها لا تستمع لأبناء حركة فتح الذين بُحت أصواتهم وجفت أقلامهم وهم يطالبون بتصويب مسار حركة فتح والمنظمة، مما دفع كثيرين من أبناء الحركة للخروج منها بل والخروج من الحياة السياسية بشكل عام، بالإضافة الى من تم فصلهم أو احالتهم للتقاعد المبكر.
مع مرور الوقت يتأكد لي ما سبق وأن لمسته وكتبت عنه مرارا وهو أن الخلل في النظام السياسي لا يكمن فقط في الانقسام بين فتح وحماس ولا في الفصائل والأحزاب بشكل عام ولا حتى في مخططات العدو ومؤامرات دول الإقليم بل أيضا في الطبقة السياسية في منظمة التحرير والسلطة.
هذه الطبقة السياسية المكونة من غالبية أعضاء اللجنتين التنفيذية والمركزية وكبار مسؤولي السلطة وفي المؤسسات شبه العمومية وخصوصا الاقتصادية والإعلامية ومستشاري الرئيس.
كل واحد من هؤلاء يعتبر نفسه قائدا ورمزا كبيرا لا يستمع ولا يحترم إلا نفسه ولا سلطة تعلو فوق سلطته وبالكاد يقبلون بسمو سلطة الرئيس أبو مازن ليس إيمانا منهم بصحة نهجه ومشروعه السياسي بل خوفا على مصالحهم.
الرابط الوطني والحرص على المصلحة الوطنية العامة هو الأقل حضورا فيما يجمع بينهم، وما يجمعهم أكثر هو الحفاظ على المصلحة الشخصية وما يتمتعون به من امتيازات، ويتوحدون فقط في مواجهة من يهدد مصالحهم الشخصية من غير الاحتلال.