صدى نيوز - بعد ستة أشهر على إطلاق الرئيس الأميركي دونالد ترمب حربه التجارية، تؤكّد متانة صادرات الصين الأهمية الحيوية للكثير من منتجاتها، رغم الرسوم الجمركية الأميركية التي وصلت إلى 55%.
يومياً، تُشحن سلع صينية بقيمة تقارب مليار دولار إلى الولايات المتحدة عبر المحيط الهادئ، مع تسجيل ارتفاع طفيف في حجم الشحنات خلال سبتمبر مقارنة بأغسطس. ورغم تراجع القيمة الإجمالية للتجارة بنسبة في خانة العشرات خلال الأشهر الستة الماضية، فقد ارتفعت صادرات بعض المنتجات مقارنة بعام 2024، متحدّية التوترات المتصاعدة بين بكين وواشنطن.
تكشف هذه المعطيات أن قدرة الرسوم الجمركية على كبح ما تستورده الشركات الأميركية محدودة نسبياً، في ظل صعوبة تجاوز الهيمنة الصينية على قطاعات مثل المعادن النادرة والإلكترونيات، على الأقل في المدى القريب. إلا أن هذا الواقع قد يتغير مع الوقت، لا سيما إذا نفّذ ترمب تهديداته المتكررة بفرض رسوم إضافية.
الصادرات ورقة تفاوضية بيد شي
كتب الخبيران الاقتصاديان في "بلومبرغ"، تشانغ شو وديفيد كو، أن "مكانة الصين القوية في سلاسل التوريد العالمية تمنحها قدراً من القوة التفاوضية مع المستوردين الأميركيين على المدى القريب"، محذّرَين من أن الدول الأخرى لا تستطيع تعويض الصين سريعاً كمورّد رئيسي للولايات المتحدة. وأضافا "إعادة توجيه الإنتاج ستستغرق وقتاً".
هذا الواقع يدعم مركز الرئيس شي جين بينغ التفاوضي، في وقت يستعد فيه فريقه لخوض محادثات تهدف إلى تمديد الهدنة الجمركية المؤقتة لما بعد مهلة التسعين يوماً، التي تنتهي في نوفمبر. وقد تجاوزت قيمة البضائع الصينية التي دخلت السوق الأميركية خلال الربع الثالث 100 مليار دولار، ما ساعد بكين على الحفاظ على زخم النمو الاقتصادي ضمن المستهدف السنوي، ودفع الفائض التجاري الثنائي إلى 67 مليار دولار.
في المقابل، توقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوم الثلاثاء، التوصل إلى "اتفاق جيد" خلال لقائه المرتقب مع نظيره الصيني، لكنه لم يستبعد في الوقت نفسه احتمال تعثر الاجتماع، المزمع عقده على هامش قمة في كوريا الجنوبية الأسبوع المقبل. وركّز ترمب على ثلاثة ملفات رئيسية في مفاوضاته: المعادن النادرة والفنتانيل وفول الصويا.
نمو في صادرات بعض المنتجات الصينية
تتخطى العلاقة التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم السلع التي تهيمن الصين على سلاسل إمدادها العالمية، مثل المغناطيسات التي تُعد أساسية للصناعات الأميركية أو المواد الكيميائية المستخدمة في الأدوية الشائعة.
وبحسب تحليل أجرته "بلومبرغ" لبيانات الجمارك الصينية، فرغم تراجع معظم أكبر 10 منتجات تصدير إلى الولايات المتحدة خلال الربع الأخير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، فإن شحنات السجائر الإلكترونية سجّلت ارتفاعاً. كما حافظ الطلب الأميركي على الدراجات الكهربائية على زخمه، إذ صدّرت الشركات الصينية ما تزيد قيمته على 500 مليون دولار من هذه الدراجات خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في سبتمبر، بزيادة طفيفة على أساس سنوي.
في المقابل، قفزت صادرات ألواح النحاس المكرّر من مستويات شبه معدومة إلى 270 مليون دولار، فيما ارتفعت صادرات الكابلات الكهربائية بنسبة 87% لتصل إلى 405 ملايين دولار خلال الفترة نفسها.
وقال تشاوبينغ شينغ، كبير استراتيجيي الصين لدى مجموعة "أستراليا ونيوزيلندا المصرفية" (Australia & New Zealand Banking Group): "قد يسعى الطرفان إلى تقليص اعتمادهما المتبادل، لكن من المستحيل خفضه إلى الصفر".
ثغرات في جدار الرسوم الجمركية
التصدعات في جدار الرسوم الجمركية الذي بناه ترمب تُسهم على الأرجح في استمرار جزء من التجارة، عبر تقليص الكلفة على المستوردين.
وأوضح تشاوبينغ شينغ أن بعض المستوردين الأميركيين يتمكنون من دفع رسوم أقل من خلال التصريح بقيمة الجمارك استناداً إلى أول عملية بيع تتم في دولة ثالثة، قبل رفع السعر عند وصول البضائع إلى أحد الموانئ الأميركية. كما أن الشحن غير المباشر عبر المكسيك أو فيتنام يسمح أيضاً لبعض الشركات بتفادي الرسوم كاملة.
وتابع "هناك الكثير من الثغرات"، مشيراً إلى أن سلطات الجمارك الأميركية "لا تملك الموارد البشرية الكافية لسدها".
في الربع الممتد من يوليو إلى سبتمبر، شحنت الشركات الصينية ما قيمته نحو 8 مليارات دولار من الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة والأجهزة اللوحية وقطع الحواسيب إلى الولايات المتحدة. ورغم أن هذا الرقم يقلّ عن نصف ما تم تصديره في الفترة نفسها من العام الماضي، فإنه لا يزال رقماً كبيراً بالنظر إلى الرسوم الجمركية المرتفعة.
صمود الطرود الصغيرة
رغم إلغاء العمل بقاعدة "دي مينيميس" التي كانت تعفي الطرود الصغيرة التي تدخل الولايات المتحدة من الرسوم الجمركية، واصل المستهلكون الأميركيون إنفاق مليارات الدولارات على مشتريات من منصات التجارة الإلكترونية مثل "شي إن" و"تيمو" التابعة لـ"بي دي دي هولدينغز" (PDD Holdings).
بحسب البيانات الصينية، رغم الرسوم الجمركية البالغة 54%، أُرسلت إلى السوق الأميركية طرود صغيرة بقيمة تقارب 5.4 مليارات دولار منذ أن أغلقت إدارة ترمب هذه الثغرة في مايو الماضي.
التجارة الثنائية تتجه نحو الانكماش
مع ذلك، يبدو أن التجارة بين الصين والولايات المتحدة ستتقلص، في ظل مساعي ترمب لإحياء الصناعة المحلية وجعل إعادة توطين القطاعات الحيوية أولوية استراتيجية. فقد تراجعت الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة هذا العام إلى ما دون 320 مليار دولار، أي إلى المستوى نفسه المسجّل في عام 2017، قبيل اندلاع أولى جولات الحرب التجارية.
كما انهارت صادرات أجهزة ألعاب الفيديو من الصين، بعدما لجأت شركات مثل "نينتندو" و"مايكروسوفت" إلى التوريد من فيتنام ودول أخرى لتفادي الرسوم المرتفعة. ويبدو أيضاً أن المستهلكين الأميركيين باتوا يتجهون نحو بدائل أخرى لأجهزة التلفزيون، مع انخفاض شحنات الشاشات المسطحة (LCD) من الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة 73% خلال الربع الماضي.
فيما يتعلق بمنتجات أخرى مثل السفن التجارية، كانت الولايات المتحدة قد بدأت تفصل ارتباطها بالصين حتى قبل أن يفرض ترمب رسوماً على السفن المصنّعة في الصين التي ترسو في الموانئ الأميركية.
ورغم مظاهر الصمود، تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الضرر اللاحق بالتجارة الثنائية هذا العام يفوق ما شهدته الولاية الأولى لترمب.
وقال الصندوق في تقرير صدر هذا الشهر: "يبدو أن فك الارتباط التجاري بين الولايات المتحدة والصين يحدث بوتيرة أسرع مقارنة بصدمة الرسوم الجمركية في عامي 2018 و2019".