لدى متابعة ما صدر عن منظّمات مدنية ليبرالية معدودة في إسرائيل من ردّات فعلٍ أوليةٍ على وقف الحرب في قطاع غزّة، يمكن ملاحظة أنها، بعد تثمين هذه الخطوة، ارتأت أن أول ما ينبغي فعله الإعراب عن أملٍ دفينٍ بأن تتجه الأنظار في العالم من الآن وأكثر فأكثر نحو ما يحدُث في مناطق الضفة الغربية، التي تشهد، منذ إقامة الحكومة الإسرائيلية الحالية في أواخر 2022، لجوء اليمين الإسرائيلي المتطرّف، مثلما يؤكّد وزير المال بتسلئيل سموتريتش وجميع أقطاب تيّار الصهيونية الدينيّة، إلى استغلال نشوء فرصة تاريخية أفضت إلى تحكّمه بمفاصل الحكومة لتغيير الطابع الجوهري للضفة الغربية عبر تعزيز الاستيطان، ضمن تأكيد أن الهدف الأساسي للحكومة يجب أن يكون الوصول إلى "نقطة اللاعودة"، بحيث لا يمكن لأي حكومة مستقبلية، حتى لو سقط اليمين المتطرّف، تنفيذ أي فصل بين الشعبين. ولا يختلف موقف حزب الليكود كثيراً عن هذه المقاربة، وقد تعزّز أيضاً في إثر حرب الإبادة على غزّة.

 

وينطوي طرح هذه المنظمات على إشارتين مهمتين: الأولى أن الفرضية السائدة في إسرائيل أن واشنطن ستقف دائماً إلى جانبها، حتى في حال الإقدام على خطوات ضمّ في الضفة وغزّة. ولذا لا غضاضة في أن تضرّ إسرائيل بعلاقاتها مع دول غربية أساسية، وفي أن لا تأخذ بالحسبان تقلّبات عهد الرئيس دونالد ترامب، أو احتمال أن ينتهج رؤساء أميركيون مقبلون سياسة مختلفة تماماً. والثانية، أن ممارسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ احتلال 1967 تشكّل الجذع للأغصان الحاليّة، ولذا لا يجوز الفصل بين الأصل والفروع.

إلى جانب ذلك، تشكّل الوقائع الآخذة بالتراكم على الأرض أدوات هذه المنظّمات لتشريح ما يحدُث في الضفة ولنقد سياسات الحكومة. بل يجزم بعضها بأن ثمّة صفقة سياسية بين مركبات الائتلاف الحكومي الحالي تتيح بقاءه، ولعلّ أحد أشد بنودها خطورة حصول اليمين الاستيطاني المتطرّف على قرار ضمّ الضفة على طبقٍ من ذهب. وفي ظل الحرب على غزّة، تقدّم ضمّ الأراضي في الضفة بسرعة هائلة، وتقريباً من دون أيّ معارضة أو نضال جماهيري.

وتفيد الوقائع بما يلي: أولاً، منذ بداية الحرب، أقيمت عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية. ولفتت منظّمات إلى أن العادة جرت في الأعوام السابقة للحرب أن يُنشئ المستوطنون نحو ست بؤر استيطانية سنوياً، بينما أقاموا في العامين الأخيرين بؤرة جديدة في كل أسبوع تقريباً. وعلى الرغم من عدم قانونية هذه البؤر، لم يجر إخلاء أيٍّ منها. بل بالعكس، يحميها الجنود بالرغم من نقص القوى العاملة في الجيش.

ثانياً، ترتبط البؤر الاستيطانية غير القانونية مباشرةً بعنف المستوطنين، وبطرد الرعاة والمزارعين الفلسطينيين من أراضيهم، وهي ظاهرة سبق أن وصفها حتى رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي بأنها إرهاب يهودي. ومع ذلك، وتحت ستار الحرب، جنّد الجيش المستوطنين لحماية المستوطنات والبؤر الاستيطانية، وعمل الوزير إيتمار بن غفير على تسليحهم من خلال الشرطة. وكانت النتائج أن منظمة بتسيلم لحقوق الإنسان وثّقت، منذ بداية الحرب، طرد عشرات التجمّعات السكانية من أراضيها بالكامل، إلى جانب عشرات تجمّعات أخرى جرى طردها منها جزئياً، بينما تتعرّض عشرات إضافية لهجمات منتظمة.

ثالثاً، جرى الدفع ببناء عشرات ألوف الوحدات السكنيّة في المستوطنات، بما في ذلك إقامة خمس مستوطنات رسمية. أيضاً جرى الاستيلاء على أكثر من 24 ألف دونم في الضفة الغربية (مساحة تعادل حجم مدينة هرتسليا) بواسطة طريقة تُعرف بأسلوب "إعلانات أراضي الدولة". ويهدف هذا الأسلوب إلى تبرير سلب الأراضي من الفلسطينيين في الضفة الغربية وتحويلها إلى أغراض الاستيطان. ووفقاً لمعطيات منظّمة "السلام الآن"، تفوق مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها هذا العام مجموع الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها بهذه الطريقة منذ عام 2000 حتى 2024. وهذه قائمة بوقائع جزئيّة.