صدى نيوز - تسعى روسيا إلى تجنيد 300 ألف جندي بحلول نهاية هذا العام، في أكبر حملة من نوعها منذ عام 2016، وسط اتهامات من خصومها الغربيين بأنها تستعد لشن حروب أخرى في شرق أوروبا.
ويستهدف الجزء الثاني من الحملة الذي يمتد حتى ديسمبر/كانون الأول تجنيد 135 ألف مواطن روسي تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا ممن ليسوا ضمن قوات الاحتياط، بعد أن قامت موسكو بتجنيد نحو 160 ألفا في بداية العام.
وفقًا لوكالة تاس الإخبارية الروسية أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوامره للمؤسسات الحكومية والوكالات الفدرالية للقيام بحملة تجنيد كبرى تشمل الموظفين الفدراليين والعاملين في المؤسسات الحكومية، وذلك من بداية أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
ونقل مراسل صحيفة نيويورك بوست في شرق أوروبا روني رييس عن رئيس إدارة التعبئة في هيئة الأركان العامة الروسية فلاديمير تسيمليانسكي تأكيده أن الجنود المكتتبين لن يُنشروا ضمن القوات الروسية بأوكرانيا.
لكن المراسل أوضح أن مسؤولين أوكرانيين زعموا مرارًا أن هناك مجندين جددا من بين القتلى والأسرى الروس الذين يسقطون على طول خطوط المواجهة.
بوتين (وسط) أصدر أوامره للمؤسسات الحكومية والوكالات الفدرالية للقيام بحملة تجنيد كبرى (غيتي)
توسيع قوام الجيش
واعتادت روسيا خلال السنوات الأخيرة أن تُجري حملات تجنيد إجباري مرتين سنويًا، في الربيع وفي الخريف، وحسب تقرير لصحيفة نيويورك بوست فمنذ بدء الحرب على أوكرانيا عام 2022 بلغ متوسط تجنيد الجيش الروسي نحو 127 ألف مجند كل خريف.
وتأتي عمليات التجنيد الإجباري هذه في إطار قرار بوتين العمل على توسيع قوام الجيش الروسي ليبلغ 1.5 مليون فرد نشط بحلول عام 2026، ارتفاعًا من نحو مليون فرد.
وحسب الصحيفة فإن روسيا تعتزم تكثيف عمليات التجنيد خلال الفترة المقبلة لتحقيق هذا الهدف، ولذلك فقد أقرت الأسبوع الماضي مشروع قانون يهدف إلى إلغاء أوامر التجنيد الإجباري نصف السنوية واستبدالها بتجنيد إجباري على مدار العام لتعزيز الجيش الروسي.
وأكد تقرير لصحيفة تلغراف البريطانية أنه منذ بداية الحرب في أوكرانيا بلغت نسبة الزيادة في عمليات التجنيد في روسيا بلغت 5% كل عام، مما سيجعل الجيش الروسي واحدًا من أكبر الجيوش في العالم.
وفي تشجيع للمواطنين الروس على الالتحاق بالخدمة العسكرية أوردت دراسة أعدها باحثون في معهد دراسات الحروب الأميركي بعنوان: "توليد القوة الروسية والتكيفات التكنولوجية" أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أطلق برنامجا سماه "زمن الأبطال" يهدف إلى تكوين نخبة جديدة من المحاربين القدامى المخلصين وتعيينهم في مناصب قيادية على المستويات الفدرالية والإقليمية والبلدية.
ويرى المعهد أن بوتين يسعى من خلال هذا المشروع إلى تعزيز نفوذ المحاربين القدامى في المجتمع الروسي وتأسيس كادر من النخب العسكرية الموالية التي ستعزز مصالح الكرملين وتحميها.
تعتيم على الخسائر
لكل حرب ثمنها الفادح الذي يرهق كاهل القوى المتصارعة، سواءً بالنسبة للروس، الذين يريدون مواصلة التقدم على خطوط المواجهة، أو بالنسبة للأوكرانيين الذين يحاولون مقاومتهم.
وفي حين تفرض روسيا تعتيما على خسائرها، يعتبر الجانب الأوكراني والجهات الغربية مصادر المعلومات المتوفرة عن هذه الخسائر التي غالبا ما تأتي منحازة أو مبالغا بها لضرورات حربية.
لكن في المقابل، تعكس حملات التجنيد الكبرى التي تقوم بها روسيا في إحدى دلالاتها نقصا في الكادر البشري تعانيه القوات الروسية سواء كان ذلك بفعل الخسائر الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، أو بفعل الحاجة لتغطية حملات عسكرية جديدة.
وتُظهر بيانات وزارة العمل الروسية أن الدولة دعمت توفير 152 ألفا و500 طرف اصطناعي للأشخاص ذوي الإعاقة عام 2024، ويمثل ذلك زيادة بنسبة 53% عن العام السابق، حيث تم توزيع 99 ألفا و200 ذراع وساق اصطناعية، وهو ما يمثل بدوره زيادة حادة عن 64 ألفا و800، في عام 2022.
وينقل التقرير عن وكالة "ميديازونا" الروسية المستقلة أنها حددت أسماء أكثر من 111 ألف جندي روسي قُتلوا، باستخدام السجلات الرسمية ونعي وسائل التواصل الاجتماعي وصور شواهد القبور، لكن الوكالة تعتقد أن العدد الحقيقي للقتلى أعلى بكثير.
ويوضح التقرير أن خسائر روسيا في حرب أوكرانيا أكبر بنحو 15 ضعفًا من تلك التي تكبدتها خلال حرب الاتحاد السوفياتي التي استمرت عقدًا من الزمان في أفغانستان، وأعلى بـ10 أضعاف من خسائرها في حرب روسيا التي استمرت 13 عامًا في الشيشان.
وللحفاظ على دعم العائلات المفجوعة، لجأ الكرملين أيضًا إلى تقديم تعويضات سخية لأقارب القتلى والجرحى، فحسب دراسة أجراها مركز أبحاث "ري روسيا"، خصصت الحكومة نحو 15.3 مليار دولار عام 2024 وحده لتعويض عائلات القتلى والجرحى.
وفي المقابل وحسب مراسل صحيفة الغارديان فإنه على الرغم من أن خسائر روسيا العسكرية منذ بداية حربها في أوكرانيا ظلت سرًا من أسرار الدولة، فإن من يدقق النظر ستتضح له علامات الدمار جلية من خلال ازدهار خدمات الجنازات وتزايد أعداد المحاربين العائدين إلى ديارهم بلا أذرع أو بلا أرجل.
مواصلة الحرب
يعتبر العديد من المحللين أن حملات التجنيد الكبرى التي تقوم بها روسيا دليل على نيتها مواصلة الحرب، بل وربما توسيع نطاقها.
وتؤكد تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخميس الماضي خلال الجلسة العامة لمنتدى فالداي الدولي مضي روسيا قدما في حربها مع الغرب.
فقد نقلت وكالة تاس عن بوتين قوله: "نحن في حالة حرب، وجميع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في حالة حرب مع روسيا، ولم تعد تُخفي ذلك.. هذا يُمثل تحديًا خطيرا، ومع ذلك فقد تكيف الجيش والدولة والصناعة الدفاعية الروسية بسرعة".
وفي السياق ذاته نقلت شبكة آر تي الروسية عن نائب المندوب الروسي لدى مجلس الأمن ديمتري بوليانسكي أن الأوروبيين يواصلون رسم روسيا على أنها عدو وهذا مسار خطير، مضيفا أن روسيا هي الدولة الأولى التي تحدت الهيمنة الغربية التي أصبحت في مهب الريح، لكن الدول الغربية لا تريد أن تدرك ذلك.
قوة بحرية
وبدورها، نشرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية مقالا بعنوان "مِرجل البلطيق يصل إلى درجة غليان خطيرة" اعتبرت فيه أن المواجهة العسكرية المتنامية بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في منطقة البلطيق تُنذر بتصعيد حالة عدم الاستقرار العسكري، وانتقال المنطقة إلى صراع عسكري مفتوح.
ورأت الصحيفة أنه بعد انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، أصبح بحر البلطيق فعليًا "بحيرة تابعة للناتو"، تتمتع 9 دول من الحلف بإمكانية الوصول المباشر إلى البلطيق، بالإضافة إلى النرويج والمملكة المتحدة عبر بحر الشمال، في حين تصل إليه روسيا عبر خليج فنلندا الضيق وساحل منطقة كالينينغراد.
وأضافت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" أنه في يونيو/حزيران الفائت، دخلت بحر البلطيق المدمرة الصاروخية الأميركية "يو إس إس بول إغناتيوس"، ويمكن لصواريخ توماهوك من على متنها الوصول إلى جبال الأورال، ومن هنا تأتي الأهمية الجيواستراتيجية والجيوسياسية لبحر البلطيق.
ورأت الصحيفة أن روسيا تبذل جهودا لمواجهة هذا التطور الخطير وتسعى لتكوين قوة بحرية متكاملة في بحار لا تتجمد، وفي هذا الصدد تسعى روسيا لإنشاء منطقة بحرية عميقة في خليج دفينا على البحر الأبيض.
هجوم وشيك
وفي إطار التصعيد، وتحت عنوان "يحرّضون روسيا على ضربهم بصواريخ "أوريشنيك" نشرت صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية مقالا للرد فيه على توقعات بعض المحللين الأوروبيين بهجوم أوكراني وشيك وواسع النطاق على القوات الروسية.
وجاء في المقال أن المحلل العسكري البريطاني البروفيسور مايكل كلارك من قناة سكاي نيوز توقع هجوما جريئا من القوات المسلحة الأوكرانية على شبه جزيرة القرم خلال الأسابيع المقبلة، "قبل حلول فصل الشتاء".
وأضافت صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" أن المحلل البريطاني يزعم أن هذه المغامرة تهدف إلى تغيير النظرة الغربية إلى القوات المسلحة الأوكرانية، مشيرًا إلى أن مسلحي نظام كييف ما زالوا يمتلكون بعض القوة النارية.
وتتابع الصحيفة أن توقعات البروفيسور البريطاني بهجمات على شبه جزيرة القرم تأتي على خلفية تصريحٍ لوزير الدفاع البريطاني السابق بن والاس، دعا فيه إلى جعل شبه الجزيرة "غير صالحة للسكن"، وأكّد أن الغرب مُلزم ببساطة بتزويد كييف بأنظمة صواريخ بعيدة المدى تضمن "سحق" شبه جزيرة القرم وتدمير جسر كيرتش.
ونقلت عن مستشار الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية المقدم أوليغ إيفانيكوف قوله: "هذه المعلومات مؤكدة موضوعيًا من خلال المعلومات الاستخباراتية المتاحة لروسيا"، مضيفا أن المصادر تشير بوضوح إلى أن النظام الأوكراني قرر اختبار صلابة القوات المسلحة الروسية. لذلك، ومن المتوقع أن يستخدم كل إمكانياته لمهاجمة شبه جزيرة القرم".
وخلص الخبير العسكري الروسي إلى أن النظام الأوكراني بهذا التصرف يُجبر روسيا على استعراض قدرات نظام صواريخ أوريشنيك للعالم مجددًا، حسب صحيفة "أرغومينتي إي فاكتي" الروسية.
حرب عالمية
وما فتئت روسيا تحذر الغرب من إشعال حرب عالمية، وقد وصف بوتين في المناسبة ذاتها مواقف الغرب تجاه روسيا بالعدوانية وهو ما يتجلى حسب وصفه في الملف الأوكراني وتصعيد الناتو على حدود روسيا الغربية، مضيفا أن العدوانية الغربية نجحت إلى حدِّ بعيد في دفعِ مبادراتِ ترامب لحلِّ الأزمة نحو الموتِ السريري، وإعادةِ واشنطن إلى سكة التصعيد.
وقد تصاعدت التحذيرات مؤخرا في الأوساط الغربية بشأن غزو روسي محتمل لمناطق أخرى من أوروبا، لا سيما بعد اعتراض طائرات الناتو لطائرات مقاتلة روسية دخلت إستونيا، وبعد اختراق مسيرات ـاتهمت روسيا بإطلاقهاـ لأجواء عدد من الدول الأوروبية كان آخرها ألمانيا وبلجيكا.
وقد خلقت هذه الاختراقات حالة من الاستنفار جعلت الاتحاد الأوروبي يخصص قمته الأخيرة في كوبنهاغن للإعلان عن عملية جدار المسيرات للتصدي للتهديدات الروسية.
ونقلت صحيفة الغارديان عن خبراء أوروبيين أن تعامل الناتو مع الاختراقات الروسية لم يكن حازما وهو ما دفع روسيا إلى تكرارها وربما يدفعها إلى التفكير فيما هو أبعد.
واعتبر الخبراء أنه كان ينبغي إسقاط كل المسيرات والطائرات التي اخترقت أجواء دول الناتو، فذلك الإجراء وحده هو الذي سيدفع روسيا إلى التراجع.