صدى نيوز - ارتفعت أسعار الذهب الفوري فوق مستوى 4 آلاف دولار للأونصة للمرة الأولى، مع تصاعد المخاوف بشأن الاقتصاد الأميركي واستمرار الإغلاق الحكومي، ما أضاف زخماً جديداً لموجة الصعود القوية للمعدن النفيس.

وصعد الذهب بنسبة 0.4% ليصل إلى 4,001.11 دولار للأونصة يوم الأربعاء، في لحظة تاريخية للمعدن الذي كان يتداول دون مستوى 2,000 دولار قبل عامين فقط، محققاً عوائد تفوقت الآن على أداء الأسهم خلال القرن الحالي.

وقفز الذهب بأكثر من 50% هذا العام وسط حالة من عدم اليقين بشأن التجارة العالمية، واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، واستقرار الأوضاع المالية في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، أدت التوترات الجيوسياسية إلى زيادة الطلب على الأصول الآمنة، فيما واصلت البنوك المركزية شراء الذهب بوتيرة مرتفعة.

أداة للتحوط من الصدمات

اكتسب ارتفاع أسعار الذهب زخماً إضافياً مع سعي المستثمرين إلى التحوّط من الصدمات المحتملة في الأسواق، عقب أزمة تمويل الحكومة في واشنطن.

كما أن بدء دورة التيسير النقدي للاحتياطي الفيدرالي شكّل عاملاً داعماً للذهب الذي لا يدرّ فائدة. وقد تفاعل المستثمرون مع ذلك عبر ضخ أموالهم في صناديق المؤشرات المتداولة، إذ شهدت الصناديق المدعومة بالذهب أكبر تدفقات شهرية لها منذ أكثر من ثلاث سنوات في سبتمبر.

وقالت تشارو تشانانا، المحللة الاستراتيجية في "ساكسو كابيتال ماركتس بي تي إي"، إن "اختراق الذهب لمستوى 4,000 دولار لا يتعلق بالخوف فقط، بل بإعادة توزيع الأصول"، مضيفة: "مع توقف صدور البيانات الاقتصادية واقتراب خفض أسعار الفائدة، تتراجع العوائد الحقيقية، في حين تبدو أسهم شركات الذكاء الاصطناعي مبالغاً في تقييمها. البنوك المركزية أرست قاعدة هذه الموجة الصعودية، لكن المستثمرين الأفراد وصناديق المؤشرات هم من يقودون المرحلة التالية الآن".

الذهب يعكس الأزمات الاقتصادية والسياسية العالمية

عادةً ما تتزامن قفزات أسعار الذهب مع فترات الضغوط الاقتصادية والسياسية الكبرى. فقد اخترق المعدن مستوى 1,000 دولار للأونصة عقب الأزمة المالية العالمية، و2,000 دولار أثناء جائحة كورونا، و3,000 دولار في مارس عندما أثّرت خطط إدارة ترمب الجمركية في الأسواق العالمية.

واليوم، تجاوز الذهب حاجز 4,000 دولار وسط مشهد تتصدره مواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك تهديداته لرئيسه جيروم باول ومساعيه لإقالة عضو مجلس المحافظين ليزا كوك، في ما يعدّ الاختبار الأوضح حتى الآن لاستقلالية البنك المركزي الأميركي.

وقد يخلق تساهل الاحتياطي الفيدرالي، الذي من شأنه خفض أسعار الفائدة وتحفيز ارتفاع التضخم، يخلق وضعاً مثالياً بالنسبة للذهب الذي لا يحقق عائداً. ويُنظر إلى الذهب تقليدياً كأداة تحوّط ضد التضخم، وغالباً ما تتراجع جاذبيته عندما ترتفع تكاليف الاقتراض التي تجعل النقد والسندات أكثر جاذبية.

وكتب محللو "ماكواري بنك ليمتد" في مذكرة بتاريخ 30 سبتمبر: "نتوقع أن يصل الذهب إلى ذروته الدورية عندما تبلغ المخاوف بشأن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي أقصاها"، وأضافوا: "أما في حال ارتكب الفيدرالي الخاضع للضغوط السياسية أخطاء واضحة في السياسات، فإن أداء الذهب سيكون بالطبع أقوى".

أفضل أداء سنوي منذ سبعينيات القرن الماضي

يتجه الذهب نحو تحقيق أفضل أداء سنوي له منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي الحقبة التي شهدت تضخماً مرتفعاً ونهاية ربط الدولار بالذهب، ما أدى إلى ارتفاع المعدن النفيس بمقدار 15 ضعفاً.

في تلك الفترة، ضغط الرئيس ريتشارد نيكسون على الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، بينما بذل البنك المركزي بقيادة آرثر بيرنز "جهوداً محدودة" للحفاظ على استقلاليته، مما سمح بتفاقم التضخم لأسباب سياسية، وفقاً لإفادة قضائية حديثة قدّمها عدد من أبرز خبراء السياسة النقدية.

وقال ستيفن ميلر، المستشار الاستثماري لدى "جي إس إف إم" إن "السبب الذي يدفع المستثمرين إلى شراء الذهب، بل حتى يضطرهم للقيام بذلك، هو خصائصه في تنويع المحافظ الاستثمارية". 

وأضاف أن هذا التوجّه ما زال في مراحله الأولى، متوقعاً أن يزداد قبول الذهب كعنصر أساسي في السلوك الاستثماري الرشيد، مرجّحاً أن تصل الأسعار إلى 4,500 دولار بحلول منتصف العام المقبل.

البنوك المركزية تقود الموجة الصعودية للذهب

كانت البنوك المركزية المحرّك الرئيسي وراء موجة ارتفاع الذهب، إذ تحولت من بائعين صافين إلى مشترين صافين بعد الأزمة المالية العالمية. وتضاعفت وتيرة الشراء بعد أن جمّدت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتياطيات روسيا من النقد الأجنبي عام 2022 عقب الحرب على أوكرانيا، ما دفع العديد من البنوك المركزية إلى تنويع احتياطياتها. كما عزز التضخم والمخاوف من احتمال معاملة الحكومة الأميركية للدائنين الأجانب بشكل أقل تفضيلاً، من جاذبية الذهب لدى صانعي السياسات.

ووصفت لينا توماس، المحللة الاستراتيجية للسلع في "غولدمان ساكس غروب إنك"، هذا الاتجاه في مذكرة شهر سبتمبر، بأنه "تحوّل هيكلي في سلوك إدارة الاحتياطيات"، مضيفة: "لا نتوقع انعكاساً قريب الأجل لهذا التوجه"، مؤكدة أن السيناريو الأساسي للبنك يفترض استمرار وتيرة تراكم الذهب من قبل القطاع الرسمي لثلاث سنوات إضافية.