بالرغم من فداحة الخسائر البشرية والمادية التي الحقها جيش الاحتلال الصهيوني ، وما زال منذ اكثر من 700 يوم ، خلال عدوانه البربري في قطاع غزة ، وحملات القتل والتدميرالتي طالت الاطفال والشيوخ والنساء ، وأبادت نحو 11 بالمئة من السكان ، وحتى دور العبادة لم تسلم من همجية العدوان الصهيوأمريكي ، والذي فاق في حجمه همجية النازيين والفاشيين اواسط القرن الماضي .
الا ان بذور التطرف الاسرائيلي والوحشية الاسرائيلية بدات تثمر ، وهو ما دفع برئيس حكومة الاحتلال الصهيوني ، بنيامين نتنياهو ، الذي يقود حكومة من اكثر الحكومات الاسرائيلية تطرفا وتعطشا للدماء ، تحكمها عقيدة تلمودية توراتية ، من ابرز مبادئها ووسائلها للسيطرة والاستحواذ على النفوذ ، القتل والتدمير والتوسع والاستيطان ، الى التخبط واتخاذ مزيد من الاجراءات التعسفية بحق ابناء الشعب العربي الفلسطيني.
لا ادري ، إن كانت تصريحات نتنياهو حول ما أسماه " إسرائيل الكبرى " وتهديداته " بطول يده " في اي مكان يراه وحكومته مناسبا في العالم ، وإستباحة سيادة دول ، كما جرى خلال العدوان على دولة قطر ، ومن قبل لبنان وسوريا واليمن ، تحت ذريعة ما يطلق عليه الدفاع عن النفس ، وعن شعب اسرائيل ، والاعلان الذي اصدره مكتب نتنياهو الموجه للمملكة العربية السعودية ، بان اسرائيل لم تعد مهتمة بالتطبيع ، كانت محض صدفة ، ام عفوية ، ام وفق مخطط مدروس منذ زمن طويل ، وعن سبق الاصرار والترصد !!
العدوان الصهيوامريكي على قطاع غزة ، والضفة الغربية والقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية ، وعلى وجه التحديد المسجد الاقصى المبارك ، ونهر الدماء التي يتدفق يوميا في قطاع غزة جراء المجازر التي تُرتكب يوميا في قطاع غزة بحق المدنيين العُزل ، وحجم الدمار الهائل الذي حل بمنشآت القطاع السكنية والصحية والتعليمية ودورالعبادة ، وحالة السُبات التي تغط بها الدول العربية والاسلامية واعتمادها نهج السلام استارتيجية واولوية ، والفرقة الفلسطينية والانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية ، وما تلى ذلك من رفض جميع الدعوات لوقف اطلاق النار والتحايل عليها والالتفاف على جميع المبادرات الرامية الى تحسين الوضع الانساني في قطاع غزة ، وتصريحات عُتلات الدولة العبرية حول الاهداف والاطماع الممتدة جغرافيا الى خارج الحدود الفلسطينية المحتلة ، والسيطرة على الثروات والمقدرات العربية ، كانت عوامل تراكمية كشفت حقيقة هذا الكيان وتعطشه للدماء واطماعه التوسعية حتى لو كان الثمن فناء قطاع غزة والشعب الفلسطيني بما فيهم من اسرى اسرائيليين محتجزين لدى عناصر المقاومة ، وحقيقة الولايات المتحدة الامريكية الارهابية الداعمة للتمدد الصهيوني على حساب المصالح العربية دون ادنى مراعاة للخدمات التي كانت هذه الدول تقدمها " للعم سام " ما يُؤكد انها تحضع للهيمنة والوصاية الامريكية .
الامر الذي احدث صدمة كان صداها مدويا ، حيث عمدت الدول والقوى الغربية والعربية والاسلامية الى اعادة حساباتها القديمة ، وادركت استحالة تحقيق السلام مع حكومة يمينية متطرفة لا تراعي اي من الاعراف والقوانين المتعارف عليها دوليا ، وترى نفسها فوق جميع هذه القوانين ، ما ادى الى ما يبدو الى صحوة بالضمير العالمي وإستفاقة تاريخية غير معهودة من قبل ، رغم تدحرجها ببطىء ، الا كانت بمثابة اصطياد عصفورين بحجر واحد : فرملة المشروع الصهيوني ذا الاحلام التوسعية والذي من شأنه تهديد السلام العالمي والمصالح الغربية وحتى العربية في المنطقة ، وجر العالم الى كوارث هو في غنى عنها ، ومن ثم محاولة إنقاذ الدولة العبرية من تطرفها الذي سيقودها الى الهاوية .
هذه الاستفاقة كانت في ثلاثة محاور :
اولا : محور اوروبي ، حيث توالت الاعترافات الاوروبية واهمها – من دون التقليل من الاخرين – اعترافات بريطانيا العظمى التي كانت السبب نفي نكبة الشعب العربي الفلسطيني ، ومن ثم فرنسا ، ما وصل مجموع الاعترافات الى قرابة 80 بالمئة من دول العالم ، رأت ان قيام الدولة الفلسطينية بات ضرورة ملحة لتحقيق السلام المنشود ، اضافة الى الملفات التي فتحتها محكمة الجنايات الدولية بحق نتنياهو وعدد من اركان حكومته وجيشة واتهامهم بارتكاب جرائم حرب ، وهي سابقة لم تشهدها الدولة العبرية منذ قيامها قبل 77 عاما .
ثانيا : استفاقة عربية اسلامية ، وهو ما تجلى في التحالفات التي اخذت تطفو على السطح ، كالاتفاق التاريخي للدفاع المشترك بين السعودية والباكستان الذي من شأنه ان يُعزز الردع المشترك لاي اعتداء ، ومن ثم التحالف الذي لم تتضح تفاصيله واهدافه بعد بين جمهوريتي مصر العربية وتركيا ، والمناورات العسكرية المشتركة بينهما ، خاصة البحرية ، والتي كما يبدو تعكس تحولات لافتة في خريطة التوازنات بالمنطقة ، بكل الاحوال فانها تفيض كما يبدو الى ادراك حجم الاخطار والتهديدات الصهيوامريكية ومحاولة درءها بشتى السبل المتاحة ، وفق توازنات مختلفة عما سبق .
ثالثا : المحور الاسرائيلي الداخلي ، وهو ما تجلى في ادراك المجتمع الاسرائيلي رغم ميول البعض منه الى التطرف ، الا انه بات يصنف نتنياهو وحكومته باالكارثة وتقود البلاد الى الهاوية ، وما اجراءاتها الا لتحقيق مصالح ذاتية لا شان لها بمصلحة الاسرائيليين ، خاصة في ظل رفض كافة المبادرات لوقف العدوان على غزة واستعادة الاسرى الاسرائيليين من يد المقاومة ، ولا يكاد اسبوعا يمضي الا وعشرات الالاف من الاسرائيليين ينزلون الى الشوارع يتظاهرون للتعبير عن غضبهم وامتعاضهم من كذب حكومتهم عليهم ، ويدعون الى اسقاطها لانقاذ البلاد من اهوائهم .
والسؤال الذي بات يدور في الاذهان فلسطينيا في ضوء ما سبق : هل هذه الاستفاقات الغربية والعربية ستؤدي الى استفاقة فلسطينية يتمخض عنها وحدة وطنية والمبادرة الى تشكيل قيادة وطنية موحدة تتعامل والقادم ، خاصة مضاعفة الجهود لوقف العدوان على غزة والضفة الغربية ، بشكل مشترك بعيدا عن التفرد بالقرارات المصيرية وتعمل على تعزيز صمود الشعب العربي الفلسطيني ؟!