تسونامي الاعترافات الاخيرة واللاحقة بالدولة الفلسطينية ، وخاصة من الجانب الاوروبي ، وبصرف النظر عن حدود هذه الدولة وكينوتها وشكلها ، الا انها تأتي في وقت مهم وعصيب جدا ودقيق للغاية ، يتعرض فيه ابناء الشعب العربي الفلسطيني لابادة جماعية وتطهير عرقي وممارسات اجرامية ، فاقت تلك التي ارتكبها النازيون والفاشيون في القرن الماضي ، وبالرغم من اهمية هذه الاعترافات وتبعاتها المستقبلة والقانونية ، والتصعيد الاسرائيلي المتوقع بمزيد من الاجراءات التعسفية بحق الفلسطينيين  وحقوقهم المشروعة ، فما اهمية هذا الاعتراف في مثل هذا الوقت والفوضى التي اخذت تعم المنطقة جراء العربدة والغطرسة والعلو الاسرائيلي ؟ ومن ثم ما الذي دفع باوروبا وخاصة بريطانيا التي كانت من أوجدت الدولة العبرية واحتضنتها على مر العقود السبع الماضية ويزيد ، وزودتها بشتى انواع الاسلحة ومنها النووية وغضت الطرف عن اعتداءاتها وعربدتها المتكررة في المنطقة ، الى المبادرة للاعتراف بالدولة الفلسطينية ؟ 
الاعتراف الاوروبي بالدولة ، وان لم يجر ترجمته على ارض الواقع في المستقبل القريب ، الا انه خطوة مهمة جدا  ومن شأنه ان يُفرمل المشروع الاسرائيلي بالتمدد والتوسع ، وتكمن اهميته القانونية ايضا بفي الاعتراف بحدود الرابع من حزيران 1967 - وان كانت منقوصة والقدس مستبعدة منها - الا ان تقتل الاحلام الصهيونية في مهدها ، وتضع اركان الدولة العبرية في مأزق مع المجتمع الاسرائيلي الذي اصبح منبوذا في الارجاء وبات لا يجروء على التجوال خشية التعرض للمحاكمة والعقاب . 
ولكن ما الذي دفع اوروبا الرسمية الى المبادرة والاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد صراع اوشك على اتمام عقده الثامن ؟  
1 . إنقاذ الدولة العبرية من ذاتها !! اوروبا استشعرت الخطر الوجودي الذي يُهدد اسرائيل التي باتت تعيش في عزلة دولية وتسير نحو الهاوية وذلك بعد تبعات العدوان الذي شنته على الاراضي الفلسطينية المحتلة ، بُعيد عملية المقاومة الفلسطينية في السابع من اكتوبر 2023 ، وخاصة قطاع غزة والكارثة الانسانية التي حلت به من هول الجرائم المخالفة لكافة قواعد الحرب والقوانين والاعراف الانسانية والدولية . 
اوروبا اخذت تنظر الى اليمين المتطرف الذي يحكم اسرائيل خطرا يُهدد وجود الدولة العبرية ويعمل على وضعها في مأزق كبير ان استمر فقد لا تخرج منه سالمة ، خاصة وان اركان اليمين المتطرف اعلن جهارا نهارا عن احلامه التوراتية " باسرائيل الكبرى " التي ستبتلع اراضي من دول الجوار وتمتد الى حدود الدولة التركية ، وتفرض نفسها قوة قد تدفعها الى التمرد على من أوجدها ، ناهيك عن تحذيرات الكثير من ابناء النخبة من سياسيين وعسكراسرائيليين بالخطر الذي يشكله اليمين الحاكم على وجود دولتهم ، والاصوات التي اخذت تعلو لانقاذ الدولة منه ، والذي كان من تبعاته هجرة اسرائيلية معاكسة من ذوي الجنسية المزدوجة الى الخارج والتي تقدر بالالاف والعدد في ازدياد يومي . 
من هنا تولد الاستشعار الاوروبي ، فمن ناحية لا تريد هذه الدولة السرطانية المزروعة في الجسد العربي ، ان تضعف كثيرا لتبقى شرطي المنطقة التي أُوجدت فيها ، وغول يُهدد كل من يحاول العصيان ، حفاظا على مصالحها التي ستتاثر سلبا ، ومن ناحية اخرى فاوروبا المسيحية لم تنس التاريخ المتجذر والعداء مع اليهودية والعلاقة المعقدة بين الجانبين على مر القرون الماضية ، وما كان يمارسه اليهود من مكائد ومؤامرات وفساد وتأثيرهم المرتبط بالمال في المجتمع الاوروبي ، فعملت اوروبا على الخلاص من اليهود بمنتهى الحكمة وابعادهم عن اراضيها باقامة دولة لهم في الشرق الاوسط . 
2 . موجات الغضب المتصاعدة التي تعم الشارع الاوروبي من هول الجرائم التي يرتكبها اليمين المتطرف والذي يستنبط افكارة من التلمود ويتحكم بمسار الدولة العبرية ويُنكل بابناء الشعب العربي الفلسطيني ، هذا الشارع الذي تشكلت في عقولهم صورة اسرائيل كدولة مارقة لا تحترم القوانين والاعراف سيكون في سدة الحكم مستقبلا في اوروبا ، ما قد يؤثر على العلاقة المستقبلية ومصير الدولة العبرية ، غليان الشارع الاوروبي بات لا يُمكن السكوت عليه ويُهدد استقرار وتركيبة وسياسة المجتمعات الاوروبية الحديثة القائمة على احترام حقوق الانسان والحريات بمختلف اشكالها ، فسارع الجانب الرسمي الاوروبي الى امتصاص النقمة الشعبية والمبادرة الى الاعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، تبعه اجراءات عقابية للدولة العبرية كوقف صفقات الاسلحة معها والتهديد بالانسحاب من مؤتمرات ومسابقات ككأس العالم ومسابقة " اليوروفيجن " حال مشاركة اسرائيل فيها . 
ووسط تسونامي الاعترافات بالدولة الفلسطينية ، خرج الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي رفعت بلاده الفيتو نهاية الاسبوع الماضي ، بوجه مُقترح دولي لوقف العدوان على غزة ، ليُعلن عن نيته عقد لقاء مع "مجموعة مختارة" من قادة منطقة الشرق الأوسط ، يوم بعد غد الثلاثاء ( السعودية والإمارات ومصر والأردن وقطر وتركيا ) على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ، لمناقشة سبل إنهاء الحرب على غزة ، وفي ظل تهديدات إسرائيلية بالرد بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة ، وقبل أيام قليلة من استضافته رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض في 29 أيلول الجاري ، فهل هذه الخطوة " الترامبية " تأتي التفافا على موجة الاعترافات بدولة فلسطين ومحاولة اجهاضها ؟! 
لاستثمار موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية ، وتفويت الفرصة على من يحاول اجهاضها ، الفلسطينييون مطالبون باستثمار تراكمات النضال الفلسطيني على مر العقود الماضية والتي توجت بعملية السابع من اوكتوبر افضل استثمار والبدء بتوحيد صفوفهم ، ومن بعدهم العرب ان كانوا حقا قد استشعروا التهديدات الاسرائيلية  والاحلام المبنية على ابتلاع اجزاء من اراضيهم ، التخلص من عقدة الهيمنة الامريكية والتبعية ، والتوقف عن وجودهم كشهود زور على الجرائم التي تركتب بحق الفلسطينيين والتي طالت شعوبهم ، واستثمار الاعترافات الاوروبية بما يكفل بناء استراتيجية وطنية تحمي امنهم القومي .