ماذا الذي يُفهم من مطالبة إسرائيل لإدارة ترامب بالضغط على مصر كي تخفّف من تواجد قواتها العسكرية في سيناء؟

هل تُشكّل هذه القوات خطرًا على إسرائيل؟ هل تخشى إسرائيل من هجوم مصري مباغت على قطاع غزة لتحريره من الاحتلال؟ أم أنّها تخشى محاولة مصرية هجومية لإنقاذ الشّعب الفلسطيني من الإبادة والتهجير؟

وهل لدى جيش مصر النّظامي، المعتمد في أكثر وأهم سلاحه على الدعم الأميركي، القدرة على مواجهة إسرائيل التي تحظى بدعم غير محدود من أميركا؟

ببساطة، لا توجد نوايا مصرية هجومية. إذا ما الذي تريده إسرائيل؟

ما تريده إسرائيل هو مشاركة عمليّة في التهجير، وليس التغاضي فقط عمّا يدور من إبادة ستؤدّي إلى التهجير.

ليس مستبعدًا أن تتيح إسرائيل لمجموعات فلسطينية مسلّحة على يد الاحتلال فتح معبر رفح أو عمل فتحة في الجدار بين مصر وقطاع غزة، أو ضغط مئات الآلاف من الجماهير ومحاصرتها حتى لا يكون لها خيار سوى فتح المعبر تحت ضغط القتل والحرق والإبادة.

التصريحات الإسرائيلية هي لفت نظر للمصريين بأن مهمّتهم هي "محاربة الإرهاب"، وعلى هذا الأساس سُمح لقواتهم بدخول سيناء بقوات أكثر من المتاحة حسب الاتفاق. هذا يعني أن هذه القوات لا حاجة بوجودها ما دامت لا تسهم في تنفيذ المخطط الإسرائيلي.

وزير المالية الفاشي سموتريتش أعلن أن قطاع غزة هو غنيمة عقارية سوف تتقاسمها إسرائيل مع أميركا. بمعنى آخر، فإنّ قطاع غزة قطعة أرض للاستثمارات، وليس مكانًا لدولة أو لشعب يعيش فيها.
يجري التهجير على قدم وساق، من خلال أوامر إخلاء العمارات والأحياء والمدن، ثم إدخال روبوتات يجري تفجيرها بين البيوت لقتل من بقي فيها وجعل أحياء كاملة غير صالحة للحياة.

أجرة نقل الحاجات المنزلية الأساسية وأفراد الأسرة تكلّف حوالي ألف دولار.

إضافة إلى أن أجرة شقة – إذا وُجِدت – تصل إلى 3000 شيكل في الشّهر، ولم يبقَ مترٌ واحدٌ غير مشغول.

كذلك فإنّ شراء خيمة أمر مكلف، ثم العثور على مكان لنصبها فوقه غير متوفر، وإذا توفّر في أرض بملكية خاصة، فهي تُؤجَّر بأسعار مرتفعة جدًا.

في هذه التجمّعات الهائلة لمئات آلاف الناس، تنعدم الخدمات الصّحية، إضافة إلى نقص حاد في مياه الشرب بنسبة تصل إلى 70%.

الوضع الصحي لمئات آلاف من البشر في بقعة محصورة، يرفع من خطر انتشار الأمراض الجلدية والأوبئة المعدية.

موقف مصر الرّسمي المعلن هو أنّها تعارض تهجير الفلسطينيين، ولن تسمح بدخولهم إلى أراضيها، وهو ما قاله السيسي: "إن نقل الفلسطينيين إلى سيناء سيجعلها قاعدة لعمليات تخرج من هذه المخيّمات ضد إسرائيل".

وقال "إنّ خطوة كهذه ستقود إلى تهجير مماثل من الضفة الغربية إلى الأردن، وهو ما يؤثر على فكرة إقامة دولة فلسطينية".

وتؤكّد مصر من حين إلى آخر بأنّها تقوم بواجبها بمحاربة "الإرهاب" ومنع "التهريب"، ويقول من يُقدَّم في وسائل إعلام مصرية على أنه الخبير الاستراتيجي اللواء محمد عبد الواحد "إنّ الخلافات السياسية وفي وجهات النظر لا تؤثّر على التعاون والتنسيق الأمني المستمر بين الطرفين المصري والإسرائيلي".

نستنتج من هذا أن الحديث عن مواجهة مصرية إسرائيلية ليس سوى فقاعات لصرف الأنظار عن الإبادة الجارية على أرض الواقع، والتي ستؤدّي حتمًا إلى التهجير، أو على الأقل تهجير مئات الآلاف، ولن تستطيع مصر منع هذا لعدم رغبتها عن مواجهة إسرائيل.

الحديث عن احتمالات حرب بين مصر وإسرائيل هو فقاعات ومحاولة لتعويم موقف عبد الفتاح السّيسي، بينما يصل الفلسطيني إلى واحدٍ من خيارين: الموت تجويعًا ومرضًا وقصفًا، أو الهجرة.

هل تسمح إسرائيل لنفسها بضرب القوات المصرية التي زادت عن المسموح في سيناء؟ رغم أنّه مستبعدٌ جدًا، لأنّه يعني خسارة أكبر إنجاز في تاريخ الحركة الصهيونية، وهو اتفاق كامب ديفيد وتحييد مصر من الصّراع العربي الإسرائيلي، لكنه ليس مستحيلًا ما دامت إسرائيل تلوّح بضرب ومعاقبة كل من لا يطيعها في نواياها وأفعالها، حتى وإن كان يقيم معها علاقات سلام أو علاقات من أي نوع آخر.

هذه الحكومة الفاشية ثملة في قوّتها، وما تحظى به من دعم أميركي، وكذلك من دعم شعبي داخلي، لم تعد ترى أيّ عائق أمامها لتنفيذ حلم إسرائيل الكبرى، حتى بثمن حروب لا تنتهي.