صدى نيوز - هدد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بسحب تراخيص شبكات البث التلفزيوني التي تهاجمه، في تصعيد ضد حرية الإعلام. جاء ذلك بعد تعليق برنامج جيمي كيميل على شبكة "إيه بي سي" إثر تعليقات مثيرة للجدل. ترمب رفع دعوى بقيمة 15 مليار دولار ضد صحيفة "نيويورك تايمز" متهمًا إياها بالتحامل ضده، مما أثار مخاوف بشأن مستقبل حرية التعبير في الولايات المتحدة.
وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن تراخيص شبكات البث التلفزيوني في الولايات المتحدة ينبغي أن تخضع للتدقيق بحال كانت تبالغ في انتقاده، في ما يُعدّ أوسع تهديد يوجهه لحرية الإعلام.
وصرح للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية يوم الخميس "عندما تملك شبكة تلفزيونية وبرامج مسائية وكل ما تفعله هو مهاجمة ترمب، أعتقد ربما يجب سحب تراخيصها".
جاءت تصريحات ترمب في سياق دفاعه عن قرار شبكة "إيه بي سي" تعليق برنامج جيمي كيميل إلى أجل غير مسمّى بعد تعليقات المقدم بشأن وفاة الناشط المحافظ تشارلي كيرك. كما تزامنت مع رفعه دعوى قضائية بقيمة 15 مليار دولار ضد صحيفة "نيويورك تايمز".
حرب ترمب والإعلام
لطالما شكا الرئيس ترمب وحلفاؤه الجمهوريون من انحياز وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية ضد المحافظين، ودعا مراراً إلى استبعاد مقدمي البرامج الكوميدية الليلية على شبكات "سي بي إس" و"إيه بي سي" و"أن بي سي" بسبب انتقاداتهم المتكررة لإدارته.
وتمثل تصريحات ترمب انحرافاً عن التقاليد الأميركية الراسخة التي تكفل حرية التعبير والصحافة بموجب الدستور.
وفي الكونغرس، آثر معظم الجمهوريين التزام الصمت أو أبدوا تأييداً للرئيس، فيما اعتبر عدد من أبرز المشرعين الخميس أن قرار إيقاف برنامج جيمي كيميل اتخذته شبكة "إيه بي سي" نفسها، لا لجنة الاتصالات الفيدرالية.
وكانت شبكة "إيه بي سي" التابعة لـ"والت ديزني" قد أعلنت الأربعاء إيقاف برنامج "!Jimmy Kimmel Live" إلى أجل غير مسمّى، بعد موجة انتقادات من المحافظين على خلفية تصريحات المقدم بشأن القاتل المزعوم للناشط المحافظ تشارلي كيرك وانتماءاته السياسية المفترضة. وفي وقت سابق من الخميس، أيّد ترمب قرار الشبكة، بعدما واجهت ضغوطاً من محطاتها المحلية التي أعلنت أنها ستسحب البرنامج من شاشاتها.
عقاب منتقدي ترمب
قال ترمب في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يوم الخميس إن "جيمي كيميل طُرد بالدرجة الأولى بسبب ضعف نسب المشاهدة، أكثر من أي سبب آخر، كما أدلى بتصريح فظيع بحق رجل عظيم يدعى تشارلي كيرك. سواء اعتُبر ذلك حرية تعبير أم لا، فقد أقيل لأنه يفتقر إلى الموهبة".
كانت تصريحات كيميل أشعلت موجة غضب واسعة في أوساط المعلقين المحافظين، كما قوبلت بانتقادات من مسؤولين في إدارة ترمب. وقال رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية بريندان كار في حديث مع الإعلامي بيني جونسون عبر بودكاست، إنه يمتلك "أسساً قوية" لمعاقبة كيميل و"إيه بي سي" و"ديزني". تجدر الإشارة إلى أن اللجنة هي الجهة المخوّلة بمنح تراخيص لقنوات البث مثل "أي بي سي" مع القنوات التابعة لها.
وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" يوم الخميس، أوضح كار أن القرار بشأن ما إذا كانت البرامج المعروضة تخدم المصلحة العامة يعود في الأساس إلى المحطات المحلية، لكنه أشار إلى أن هذه القرارات يمكن أن تخضع لتدقيق من الهيئة.
وأضاف "سنواصل محاسبة هذه المحطات على التزامها بالمصلحة العامة، وإذا لم يَرُق لها هذا الحل البسيط، فبإمكانها إعادة تراخيصها إلى لجنة الاتصالات الفيدرالية".
وتشرف اللجنة على تراخيص المحطات التلفزيونية المحلية، لكنها لا تملك سلطة مباشرة على شبكات التلفزيون غير الخاضعة لنظام التراخيص.
اتهامات للحزب الجمهوري
اتهم جيمي كيميل يوم الاثنين أعضاء الحزء الجمهوري باستغلال مقتل تشارلي كيرك لمهاجمة خصومهم، قائلاً "انحطت جماعة (لنعد لأميركا عظمتها) إلى درك جديد في نهاية الأسبوع حين حاولت تصوير الشاب الذي قتل تشارلي كيرك على أنه ليس واحداً منهم".
وأعلنت شركة "ديزني" في بيان أن تعليق البرنامج بدأ اعتباراً من حلقة الأربعاء، وجاء القرار بعد دقائق من إعلان شركة "نكستار ميديا غروب" (Nexstar Media Group)، المالكة لعشرات المحطات المحلية التابعة لشبكة "إيه بي سي" أنها ستسحب البرنامج إلى أجل غير مسمّى، ووصفت تصريحات كيميل بأنها "مسيئة وتفتقر إلى الحساسية".
في المقابل، حمّل الرئيس ترمب ونائبه جي دي فانس مسؤولية مقتل كيرك لما وصفاه بـ"الخطاب التحريضي لليسار"، متعهدَين بفتح تحقيقات بحق منظمات يسارية.
كما تعرّض أشخاص اتُّهموا بالاحتفاء بمقتله أو بإبداء آراء سلبية عن كيرك (وهو شخصية مثيرة للجدل عُرف بمواقفه المحافظة المتشددة حيال قضايا العِرق والنوع الاجتماعي) لهجمات واسعة عبر الإنترنت، وفقد بعضهم وظائفهم.
ترمب يقاضي "نيويورك تايمز"
تأتي هذه الخطوات في إطار حملة أوسع يشنها الرئيس ترمب على وسائل الإعلام غير الراضي عن تغطيتها. ففي العام الماضي، وافقت شبكة "إيه بي سي" على دفع 15 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير رفعها ترمب بسبب تصريحات أدلى بها المذيع جورج ستيفانوبولوس. وهذا الأسبوع، رفع الرئيس دعوى جديدة ضد صحيفة "نيويورك تايمز" مطالباً بتعويض قدره 15 مليار دولار، متهماً إياها بانتهاج أجندة معادية له.
وقالت الصحيفة في بيان نشرته على موقعها "هذه الدعوى بلا أساس قانوني وتفتقر إلى أي حجج مشروعة، وهي مجرد محاولة لإسكات الصحافة المستقلة وثنيها عن عملها. لن تثنينا أساليب الترهيب عن مواصلة السعي وراء الحقائق بلا خوف أو محاباة، وسنواصل الدفاع عن حق الصحفيين بموجب البند الأول من الدستور في طرح الأسئلة باسم الشعب الأميركي".
مستقبل حرية التعبير في أميركا
أثارت هذه القضايا مخاوف لدى منتقدي ترمب بشأن مستقبل حرية التعبير في الولايات المتحدة.
ووجّه عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، بينهم رئيس الكتلة الديمقراطية تشاك شومر، رسالة إلى رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية بريندان كار يوم الخميس، جاء فيها "إن دور اللجنة في الإشراف على موجات البث العامة لا يمنحها صلاحية العمل كرقابة متجولة على الإعلام تستهدف المحطات استناداً إلى تعليقاتها السياسية، لكن تحت قيادتك، تُستخدم اللجنة للقيام بذلك تحديداً".
على الرغم من اصطفاف معظم الجمهوريين في الكونغرس خلف ترمب، حذّر بعضهم من أي خطوات قد تُفهم على أنها محاولة لاستخدام سلطة الدولة للتأثير على حرية التعبير. وقال عضو مجلس الشيوخ راند بول إنه فيما لا يمنع التعديل الأول للدستور الشركات من فصل موظفين بسبب تصريحات "مقيتة"، لكن "لجنة الاتصالات الفيدرالية لا ينبغي أن تتدخل".
في الوقت نفسه، شنّ المحافظون هجوماً على قادة أوروبيين بسبب محاولاتهم الحد من الخطاب العنيف أو الكراهية، معتبرين أن هذه الإجراءات تستهدف الآراء اليمينية بشكل غير منصف.
وتعرّض رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بشكل خاص لانتقادات حادة من الملياردير إيلون ماسك، مالك منصة "إكس" ومن شخصيات يمينية شعبوية، على خلفية المساعي البريطانية لتقييد التعبير، بما في ذلك موجة الاعتقالات التي أعقبت أعمال شغب مناهضة للمهاجرين العام الماضي.
وتركزت الانتقادات على "قانون السلامة على الإنترنت" (لذي أقرّته الحكومة المحافظة السابقة عام 2023)، إذ هاجمه زعيم حزب "ريفورم يو كاي" (Reform UK) نايجل فاراج خلال جلسة أمام لجنة القضاء في مجلس النواب الأميركي مطلع الشهر الجاري.
قال ستارمر في المؤتمر الصحفي يوم الخميس "يتمتع هذا البلد بحرية تعبير منذ زمن طويل، هي جزء من هويتنا الوطنية وقيمنا التي ضحينا من أجلها. لقد دافعنا عنها خلال الحرب العالمية الثانية، جنباً إلى جنب. لذلك لسنا بحاجة إلى من يذكّرنا بأهمية حرية التعبير في هذا البلد".
وفي وقت سابق من الأسبوع، اعتقلت الشرطة البريطانية أربعة رجال بتهمة "اتصالات خبيثة"، بعد أن عُرضت صورة للرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى جانب رجل الأعمال الراحل المُدان جيفري إبستين على جدار قلعة وندسور، في احتجاج على زيارة الرئيس الأميركي للمملكة المتحدة.