بالرغم من ان كلمات الملوك والامراء والرؤساء والمبعوثين العرب في قمة الدوحة الطارئة كانت تختلف عن سابقاتها من حيث " شدة اللهجة " قليلا ، الا انها لم ترتق الى مستوى التحديات التي تعصف بالامتين العربية والاسلامية ، وجاءت مخيبة لآمال وطموحات عشرات الملايين من الشعوب العربية التي كانت تتطلع الى فعل عربي قوي بما يمتلكه العرب من اوراق ضغط وقوة ، الا انهم لم يُجيدوا استخدامها حتى اللحظة ، ونظروا الى القمة هذه المرة بعد استباحة دولة الكيان لسيادة دولة قطر، واللهفة الرسمية العربية لعقد قمة طارئة نظرة ايجابية ، خلفها كانت توقعات كبيرة اعتقدت الشعوب انها تعبر عن صحوة عربية لما يُحاك ضد الامة من مكائد ، ومن شأنها ان تفتح الابواب على مصراعيها ، وكفيلة بان تأخذها الدولة العبرية وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية على محمل الجد ، وتُعيد حساباتها بشأن المخططات المُعدة للشرق الاوسط .
ولكنها جاءت وبكل أسف مخيبة للآمال ، ألامرالذي فسرته دولة الكيان والتي عبر بعض من محلليها وكُتابها وإعلامييها ان تكون هذه القمة مُغايرة لسابقاتها ، من حيث التوقعات بمُخرجات تُعزز من صمود الشعب العربي الفلسطيني ودعمه بما يكفل مواصة مقاومته لدولة الاحتلال ، واتخاذ اجراءات من شأنها ان تؤثر سلبا على حيوية الدولة العبرية ، فتلقف مسؤوليها مُخرجات قمة الدوحة واعتبروه ضوءا اخضرا للاستمرار في العدوان وارتكاب مزيد من الجرائم بحق ابناء الشعب الفلسطيني ، وايضا الاستمرار في ملاحقة ما من شأنه أن يُهدد مشروعها الذي تحلم بتحقيقه على حساب الارض والانسان العربي ، لذلك صعدت الدولة العبرية من ممارساتها اللانسانية والمنافية لكل القوانين والاعراف الدولية والاتفاقيات الثنائية وقوانين حقوق الانسان ، واخذت تمضي في مشروعها دون اي عائق بعد ان ازالت قمة الدوحة العوائق من امامها وتخلت عن حصنها الاخير- فلسطين - والذي من بعده ستغرق العواصم العربية بالالوان الزرقاء .
57 دولة ، على رأسها 57 ملكا ورئيسا وأميرا ومبعوثا ، برفقتهم العشرات من الحاشية ، استقلوا 57 طائرة هبطت بالدوحة ، مكثوا في 57 جناحا فندقيا حسب مستوياتهم ، تبادلوا القُبلات والابتسامات واللقاءات والصور ، وفي نهاية المطاف وبعد ان أدلوا بدلوهم ، وخرجوا ببيان مُشترك ما هو ال كالمثل الشائع : " تمخض الجبل فولد فأرا " ، ومن بعد غادر كل منهم الى مسقط رأسه بإنتظار الطوفان الصهيوامريكي الذي بات اقرب من اي وقت مضى على بلادهم ، ليبدأ كل منهم التفكير في رحلة البحث عن مأمن يستقر فيه بعد ان جر خلفه ذيول الذُل والعار والهزيمة والتفريط بحقوق بلاده وشعبه .
لم يع القادة العرب في قمتهم " الطارئة " حجم المخاطر التي تحوم من حولهم بالرغم من مرور عامين على تجاوز الدولة العبرية الخطوط الحمراء في عدوانها المستمر منذ نحو عامين على الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس ، والذي طال ايضا دول لبنان وسوريا واليمن وايران .
أسقط القادة العرب في قمتهم الطارئة من حساباتهم اوراق القوة الجديدة التي جاءت هدية لهم من السماء ، جراء التهور والعربدة الاسرائيلية ولم يُحسنوا استغلالها لردع الدولة العبرية المارقة ، والتي باتت معزولة ومنبوذة في المجتمع الدولي ، ومسؤوليها باتوا يتجولون في الارجاء كاللصوص خشية الاعتقال والمحاكمة والتفاف حبل المشانق حول اعناقهم ، ولم يستغلوا نزول الملايين من الاوروبيين الى الشوارع احتجاجا على الجرائم الاسرائيلية بحق الفلسطينيين ، ولم يرتق فعلهم لفعل بعض الدول الاوروبية التي قطعت علاقاتها الاقتصادية واوقفت اتفاقياتها كمملكة اسبانيا مع الدولة العبرية انتصار لفلسطين ولخرقها القانون الدولي في ممارساتها الوحشية .
ولم يُحسن القادة العرب استغلال التفكك الذي يضرب المجتمع الاسرائيلي والتظاهرات الاسرائيلية التي تملىء شوارع تل ابيب وحيفا وغيرها من مدن فلسطين المحتلة من ذوي الاسرى المحتجزين لدى المقاومة ، ومشاركة الكثير من ابناء النخبة الاسرائيلية السياسية والعسكرية المعارضة لسياسة الثالوث اليميني المتطرف بقيادة المهووس بنيامين نتنياهو والذي يحلم " بإسرائيل الكبرى " ، الى درجة ان اصوات اسرائيلية اخذت تعلو وتنادي باسقاط هذا الثالوث لما يشكله من خطرعلى وجود كيانهم .
لم يصل القادة العرب في قمتهم الى حجم المخاطر الكارثية للغطرسة الاسرائيلية وتصعيد العمليات العسكرية على المنطقة التي باتت تقف على أعتاب مرحلة جديدة من الفوضى الشاملة نتيجة التهور الصهوامريكي والتمادي في الغطرسة بصورة فاضحة ، والتي من دون شك ستطال مصالح كافة الأطراف الإقليمية والدولية دون استثناء .
لم يُدرك بعد القادة العرب ان منظومة الدفاع الجوي المنتشرة في دول الخليج العربي عديمة الجدوى لعدم امتلاكهم مفاتيح تفعيلها ، فما كان منهم الا ان رحبوا بوزير خارجة امريكا وابتساماته الخبيثة والتي تختبىء خلفها تحذيرات وتهديدات مبطنة ، والذي هب لنجدة الحليف الاهم وشرطي المنطقة بل ان جاز التعبير " الازعر" – دولة الكيان – وحطت طائرته في الدوحة بعد زيارة للدولة العبرية افتتح خلالها نفقا اسفل القدس القديمة والمسجد الاقصى المبارك ، ومنح الضوء الاخضر للدولة المارقة بمواصلة عملياتها العدوانية اللانسانية بحق قطاع غزة ، وسياساتها في التهجير والتطهير العرقي ، ماركو روبيو جاء للدوحة ليذكر بانه يمتلك مفاتيح وشيفرة هذه المنظومة الدفاعية الجوية الامريكية ولا يمكن لاي دولة استخدامها للتصدي للدولة العبرية .
القادة العرب باتوا لعنة على شعوبهم ، جسدوا الخيبة والهزيمة في داخلهم ، جعلوا منهم قطيع يسوقونهم الى المذابح ليسارعوا الى اصدار بيانات الادانة والشجب والاستنكار، دون ادنى اكتراث لامتهان وهدر كرامتهم واستباحة شرفهم ، بل يتباهون بتقلد النياشين والاوسمة في اذلال شعوبهم وقمع تفكيرهم ويتمسكون بالفرقة والتشتت ، ويصرون على البقاء اصفارا خارج كل المنازل الحسابية الاقليمية والدولية .