وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية ، ماركو روبيو ، وفي خطوة اعتبرها البعض مُثيرة للجدل ، ولكن واقع الحال والمُحال وما تعكسه حالة الوهن التي تعيشها الامتين العربية والاسلامية تُفيد عكس ذلك تماما ، حيث فور وصوله دولة الكيان ، افتتح ورئيس حكومة الدولة العبرية نفقا بطول 600 متر اسفل البلدة القديمة من المدينة المقدسة ، بمحاذاة الاطراف الجنوبية لحي وادي حلوة ببلدة سلوان التي يُطلق عليها الاسرائيلييون " مدينة داود " وصولا الى اساسات حائط البراق غربي المسجد الاقصى المبارك ، وارتدى القلنسوة اليهودية على رأسه وأدى برفقة نتنياهو وجموع من المستوطنين المتطرفين طقوس دينية يهودية .
هذه الخطوة الاستفزازية ، وما سبقها من خطوات امريكية سابقة ، يُصر حُكام العرب والمسلمين على اغفالها وغض الطرف عنها مع ادراكهم لما تتضمنه من رسائل وما سيتبعها من خطوات كارثية من بعدها ، من دون شك ستطالهم آجلا ام عاجلا ، ولعل العدوان الصهيوامريكي الاخير الفاشل على دولة قطر ، والذي استهدف قادة حركة حماس ، وما سبقه من عدوان متكرر على سوريا ولبنان واليمن ، ومن قبل بسنتين تقريبا عدوان وحشي استهدف البشر والحجر وشتى اشكال البُنى التحية لقطاع غزة ، والمحاولات المُتعمدة لانهاء السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والخطوات التهويدية المتسارعة لمدينة القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية ، وخاصة المسجد الاقصى المبارك ، والتصريحات المُعلنة عن الشرق الاوسط الجديد وما يسمى " اسرائيل الكبرى " دليل قاطع ان القادم سيحمل في طياته كوارث ستطال اقطار عربية ، فيها كل اشكال الاضطهاد والطغيان للشعوب العربية والاسلامية .
وفي عودة بالزمان قليلا الى الوراء ، وفي الحقبة الاولى لولاية الرئيس الامريكي دونالند ترامب ، حين منح ما لا يملك لمن لا يستحق ، واعترف بالقدس عاصمة ابدية لدولة الكيان ، ومع بدء العدوان البربري على قطاع غزة في اعقاب هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين اول ( اكتوبر ) 2023 ، اكد وزير خارجية ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن ، في اول زيارة له للدولة العبرية ( بلينكين ) انه جاء كيهودي يدعم حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها !! فأين الغرابة والاثارة بالجدل في اقتحام حائط البراق من قبل الرجل الثاني في الادارة الامريكية برفقة مُجرم حرب ( نتنياهو ) مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب !!
بكل الاحوال ، هذه الخطوة الاستفزازية من دون ، تعكس حقائق جوهرية ، وتحمل رسائل مختلفة ذات مضمون واحد وهو " اسرائيل اولا واخيرا " ، وهي :
1 . تأتي هذه الزيارة لتقديم الدعم المطلق لدولة الكيان بالتزامن وقمة عربية اسلامية طارئة تقعد بالعاصمة القطرية لتدارس آليات الرد على العدوان الصهيوامريكي الفاشل على الدوحة لاغتيال قادة حماس ، وكأن الولايات المتحدة تريد منها ايصال رسالة للقادة العرب : " لا فيكم ولا في قممكم " ، ولاسرائيل الحق في الوصول الى اي مكان تراه في العالم لتحقيق اهدافها .
2 . هذه الزيارة تعكس الجوهر الحقيقي للدولة العبرية وراعيتها الولايات المتحدة الامريكية ( الشيطان الاكبر ) والحرب العقائدية الدينية التي تتبناها الام الامريكية لخدمة اهداف واحلام ابنتها وربيبتها اسرائيل .
3 . الزيارة تعبير امريكي مُطلق عن تحالف ازلي لا يمكن اختراقه في ظل حالة الصمت والوهن العربية والاسلامية ، لدولة باتت مارقة في تماديها الوحشي بلا هوادة ودون ادنى احترام لحقوق الغير والقوانين والاعراف الدولية .
4 . تأتي هذه الزيارة مع اقتراب الاعياد اليهودية ، حيث تستعد الجمعيات اليهودية التلمودية المتطرفة لاقتحامات بالجملة للمسجد الاقصى المبارك ، وقد تقدم على خطوات تلمودية تدفع الى تصعيد بالقدس ، قد يعم المنطقة برمتها دفاعا عن قُدسية المكان ، ما يعني توفير الغطاء الامريكي اللازم لتغيير الوضع القائم والاستاتيكو المعمول به منذ قرون وطمس هوية المكان الاسلامية وبدء الاستعدادت لبناء الهيكل المزعوم .
5 . تأتي هذه الزيارة ، ودولة الكيان في اضعف صورها على الصعيد الدولي ، ولاجل دراسة امكانية احباط الموجة العارمة التي تجتاح المجتمع الدولي وخاصة دول اوروبية كانت سابقا تتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية ، للاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة .
6 . كذلك فان هذه الزيارة تأتي وسط موجة احتجاجات داخل دولة الكيان ، وتصريحات مسؤولين عن التهديد الذي يشكله الثالوث اليميني المتطرف الحاكم بقيادة نتنياهو على وجود ومصير الدولة العبرية .
في ضوء ما سبق ، فان العالم العربي والاسلامي يقف الان امام مرحلة مفصلية ، فاما ان يواصل صمته والاكتفاء ببيانات الادانة والتحذير ، وهو ما سيشجع دولة الكيان في تماديها ، وبذلك تكون الدول العربية سواءا تعي ذلك ام لا تعي ، شريكة في العدوان وتساعد في تمرير مشروع ما يسمى "اسرائيل الكبرى"، واما ان يخرج عن القمة رسالة قوية كتلك التي اعلنتها مملكة اسبانيا ، تؤكد فيها على وحدة الصف العربي والاسلامي في مواجهة الاطماع الصهيوامريكية ، والبدء باجراءات فعلية على ارض الواقع ، ما ستفهمه الولايات المتحدة جيدا وبشكل سريع تباشر بلجم دولة الكيان ووقف العدوان البربري على غزة اولا ، ومن ثم وقف التمادي على الاقطار العربية الاخرى . والا فإن الحكام العرب والمسلمين سيبكون كالنساء على مُلك لم يدافعوا عنه كالرجال .