صدى نيوز - منذ إطلاق "شات جي بي تي" (ChatGPT) عام 2022، دخل العالم في سباق استثماري محموم على الذكاء الاصطناعي، بلغ ذروته هذا العام مع إنفاق شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى ما يقارب 400 مليار دولار على البنية التحتية اللازمة لتشغيل النماذج الضخمة، بحسب ما ذكرت مجلة الإيكونوميست.
ويقدّر محللون أن مجموع ما سيُنفق عالميا على مراكز البيانات حتى نهاية 2028 سيتجاوز 3 تريليونات دولار، ما يجعلها واحدة من أكبر موجات الاستثمار في التاريخ الحديث. لكن التساؤل الكبير يبقى: ماذا لو لم تؤتِ هذه الطفرة ثمارها؟
سباق نحو الذكاء الاصطناعي العام
التقرير أوضح أن شركات مثل أوبن إيه آي (OpenAI)، وأنثروبيك (Anthropic)، تجمع مليارات الدولارات كل بضعة أشهر، في حين يقترب تقييمهما المشترك من نصف تريليون دولار.
الحماس غير المسبوق يرتبط بقناعة أن الذكاء الاصطناعي العام، أي النماذج التي تتفوق على الإنسان في معظم المهام الإدراكية، قد يكون على بُعد سنوات قليلة فقط.
ووفق إيكونوميست: "حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلًا، كثير من المستثمرين سيخسرون أموالهم، بينما سيحقق آخرون عوائد فلكية". هذا المنطق دفع الشركات الكبرى إلى الإسراف في بناء مراكز بيانات وتوسيع قدرات الحوسبة دون هوادة، مع دخول لاعبين جدد من مطورين عقاريين وشركات كهرباء وحتى "أوراكل"، التي قفزت قيمتها السوقية بعد إعلان توقعات طموحة لأعمالها المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
أصول قصيرة العمر ومخاطر تباطؤ
وبخلاف فقاعات سابقة مثل السكك الحديدية في القرن الـ19 أو الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، يشير التقرير إلى أن أكثر من نصف الإنفاق الحالي يتجه إلى خوادم ورقائق متخصصة لا يتجاوز عمرها الافتراضي بضع سنوات.
فإذا تراجعت شهية الاستثمار أو تباطأ تبني التقنية بسبب مشاكل في الأداء أو نقص الطاقة الكهربائية، قد يصبح جزء كبير من هذه الأموال "عديم القيمة". ورغم أن هياكل مراكز البيانات ومحطات الطاقة يمكن إعادة توظيفها، فإن الجزء الأكبر من الاستثمارات في العتاد الإلكتروني قد يتبخر سريعًا.
انعكاسات اقتصادية واسعة
وتُقدّر إيكونوميست أن طفرة الذكاء الاصطناعي أسهمت بما يقارب 40% من نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي خلال العام الماضي، رغم أن القطاع لا يمثل سوى بضعة في المائة من إجمالي الاقتصاد. وأي تباطؤ أو انهيار في هذه الطفرة سيترجم إلى تباطؤ اقتصادي واضح، مع انخفاض بناء مراكز البيانات وفقدان الوظائف المرتبطة بها.
ويضاف إلى ذلك أن أسواق الأسهم الأميركية باتت متركزة بشكل كبير في حفنة من شركات التكنولوجيا المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، في حين تمثل ملكية الأسهم حوالي 30% من صافي ثروة الأسر الأميركية، وهو مستوى انكشاف أعلى حتى من فترة فقاعة الإنترنت عام 2000.
وبالتالي، فإن أي هزة في أسعار هذه الأسهم ستنعكس مباشرة على ثقة المستهلكين وقدرتهم على الإنفاق، خصوصًا أن الطبقات الثرية كانت المحرك الأساسي للاستهلاك خلال العام الماضي.
طفرة الذكاء الاصطناعي ساهمت بحوالي 40% من نمو الناتج المحلي الأميركي في عام واحد (شترستوك)
بين الوعود والمخاطر
وترى إيكونوميست أن الدرس المستفاد من التاريخ هو أن الفقاعات الاستثمارية غالبًا ما تترك وراءها بعض الأصول المفيدة، كما حدث مع السكك الحديدية أو الألياف الضوئية، ولكن الفارق هذه المرة أن الجزء الأكبر من الاستثمارات موجّه إلى معدات سريعة التقادم، ما قد يترك أثرًا أقل ديمومة.
وإذا تحقق السيناريو المتفائل ووصل العالم إلى الذكاء الاصطناعي العام، فقد يبدأ فصل جديد من النمو العالمي بمعدلات قد تصل إلى 20% سنويا. أما إذا تباطأ المسار أو خابت التوقعات، فإن "الخسائر الاقتصادية والمالية ستكون سريعة وقاسية"، على حد تعبير إيكونوميست.
المصدر: إيكونوميست