اليوم يمر 32 عاما على توقيع اتفاقية أوسلو التي ما زالت محل جدل وخصوصا فيما يتعلق بوقف الكفاح المسلح والرهان على التسوية السياسية، ومناسبة الكتابة حول الموضوع ليس الاتفاق بحد ذاته حيث كتبنا كثيرا حول الموضوع الذي تُعلن الحكومة اليمينية في إسرائيل بصراحة أن الاتفاق كان خطأ استراتيجيا ويجب التراجع عنه عمليا من خلال تصفية أهم منجزاته وهو السلطة الفلسطينية، ولكن نستحضره في سياق تجدد الجدل حول الأعمال الفدائية بعد   العملية في مستوطنة راموت على أطراف القدس التي نفذها شابان من الضفة الغربية قبل أيام، والتي استهدفت حافلة ركاب تقل (مدنيين) إسرائيليين وقُتل فيها 6 من الركاب ، مع قناعتي بأن كل إسرائيلي يهودي هو جندي أو مستوطن أو مشارك بحرب الابادة على شعبنا بأي شكل من الأشكال.
 هذه العملية تختلف عن عمليات الدهس والطعن التي شهدتها الضفة سابقا كما تختلف عن كل العمليات السابقة من حيث التوقيت، مما يدفعنا لاستحضار ولو باختصار تاريخ العمل الفدائي وعلاقته بالمتغيرات الدولية والاقليمية وتعقيدات الوضع الفلسطيني الداخلي والتحول في المجتمع الإسرائيلي مع وصول اليمين المتطرف الذي لا يخفي أهدافه بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة وتصفية ليس فقط منجزات أوسلو بل كل القضية الفلسطينية.
ففي بداية العمل الفدائي أو الكفاح المسلح منتصف ستينيات القرن الماضي على يد حركة فتح والجبهة الشعبية وغيرها وقبل أن تتواجد حماس والجهاد ،حظي هذا العمل بتأييد شعبي عارم فلسطينياً وعربياً حتى إن الزعيم جمال عبد الناصر وصف العمل الفدائي الفلسطيني بأنه أنبل ظاهرة في التاريخ ،واستطاع العمل الفدائي آنذاك تحقيق انجازات سياسية على المستويين العربي والدولي ،حيث تم استنهاض الهوية الوطنية وتحويل القضية من مجرد قضية لاجئين إلى قضية تحرر وطني وتثبيت حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره على أرضه وحقه بمقاومة الاحتلال بكل الطرق المتاحة ،وتم الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني عام ١٩٧٤  وزيارة الرئيس أبو عمار للأمم المتحدة ،وكثيرون  يتذكرون العمليات البطولية داخل الخط الأخضر التي نفذتها قوات العاصفة التابعة لحركة فتح  كعملية دلال المغربي والخضيرة وديمونا والدبويا في الخليل وغيرها وكلها كانت تستهدف جيش الاحتلال والمستوطنين وتتجنب المدنيين.
مع الانهيار في النظامين العالمي والعربي مع انهيار الاتحاد السوفيتي  والمعسكر الاشتراكي   والنظام الإقليمي العربي مع حرب الخليج الثانية ١٩٩١ اضطرت منظمة التحرير الفلسطينية لتوقيع اتفاقية أوسلو وقيام السلطة وبدء التفاوض على قضايا الوضع النهائي، وناشدت منظمة التحرير كل الفصائل بالتوقف عن العمليات الفدائية داخل فلسطين المحتلة حتى لا تمنح العدو مبرراً للتهرب من المفاوضات وأحياناً كانت تثير الشك حول دور إسرائيل في بعض العمليات ،مع أن إسرائيل انقلبت على عملية التسوية وعلى اتفاق أوسلو وبانت نواياها الحقيقية مع اغتيال الحركة الصهيونية اسحاق رابين ١٩٩٥ ثم فشل لقاء كامب ديفيد ٢ واجتياح الضفة ٢٠٠٢ ،ومع ذلك استمرت حركتا حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى في العمليات العسكرية التي لا تميز بين المدنيين والعسكريين واستمرت اسرائيل في انتهاك اتفاق أوسلو من خلال استمرار الاستيطان وتدمير كل ما بنته السلطة الفلسطينية وخصوصاً في قطاع غزة مثل المطار والوزارات واستمر الخلاف والجدل حول العمليات المسلحة للمقاومة داخل الأراضي المحتلة.
 بعد انقلاب حماس على السلطة وسيطرتها على القطاع وتوقفها عن العمليات العسكرية المباشرة داخل الأراضي المحتلة حتى تتفرغ لتكريس سلطتها في القطاع وبناء قدرات عسكرية ثابتة من أنفاق وصواريخ وكتائب مسلحة كاستراتيجية دفاعية عن سلطتها وفي مراهنة أن إسرائيل ستقبل بهذه المعادلة إلى ما لا نهاية ،بينما كان هدف إسرائيل تكريس الانقسام وافشال حل الدولتين وتتفرد بحماس وفصائل المقاومة في القطاع وتتفرد بالسلطة الفلسطينية في الضفة الفلسطينية، ومع ذلك استمر الجدل حول جدوى اطلاق الصواريخ من القطاع حيث وصفها الرئيس ابو مازن بالصواريخ العبثية. 
وكان الطوفان وحرب الإبادة وتهديد قادة العدو بكل وقاحة باستهداف الكل الفلسطيني، المقاوِم وغير المقاوم، بحيث تتزامن حرب الإبادة والتدمير والموت والجوع في قطاع غزة مع حرب على السلطة الفلسطينية في الضفة وتوسيع مشاريع الاستيطان وتدمير المخيمات والبيوت، مع تصريحات واضحة بأن كل الشعب الفلسطيني عدو لإسرائيل ويجب تهجيرهم أو قتلهم أو اعتقالهم ووضعهم في معتقلات كبيرة كما قال الإرهابي سموترتش وهو الأكثر وضوحاً في التعبير عن الأهداف الحقيقة من الحرب.
الآن، مع عملية ريموت يتجدد الجدل حول الكفاح المسلح؟ هل كانت العملية ردا طبيعيا على ممارسات إسرائيل الإرهابية في قطاع غزة وحتى الضفة ويجب مباركتها وأن تكون بداية انتفاضة شاملة مدنية ومسلحة على الاحتلال مهما كانت ردة فعل العدو في الضفة؟ أم الاقتصار على تفهُم دوافع من قام بها وتأييدها مع الحذر من توسيع المواجهات العسكرية المباشرة مما يسهل على العدو تسريع مخططاته في الضفة والزعم أنه ليس إسرائيل وحدها من يستهدف المدنيين بل الفلسطينيون أيضا؟
للأسف، إن كل الإسرائيليين يتوحدون في ردة فعلهم المُدينة لأية عملية عسكرية فلسطينية ويلتفون حول حكومتهم وجيشهم ويوظفون كل عملية فدائية إعلامياً بشكل جيد بما يخدم أكاذيبهم وروايتهم، بينما الفلسطينيون والعرب يختلفون حولها ما بين مُدين لها ومشكك فيها أو على الأقل لا يؤيدها في هذا التوقيت، وفريق يؤيدها وأحياناً يتبناها بغض النظر عن ردة فعل العدو لأن الدفاع عن (العقيدة) والمبدأ من وجهة نظرهم أهم من حياة الأفراد الذين هم مشاريع شهادة وحتى أهم من الوطن والأرض!!!!
قد يقول البعض لا يمكن العودة إلى ما قبل أوسلو أي مواجهة مباشرة بين الاحتلال والشعب الخاضع للاحتلال وتتحمل إسرائيل المسؤولية عن أكثر من خمسة مليون فلسطيني في الضفة والقدس وقطاع غزة، لأن هناك منجزات تحققت أهمها أن غالبية دول العالم تعترف بحل الدولتين وحق شغب فلسطين بدولة فلسطينية! ولكن ودون التهوين من هذا المنجز فإن الحديث يدور عن دولة تحت الاحتلال، وهنا نعود لنقطة البداية وهي كيف يمكن إجبار إسرائيل على إنهاء احتلالها ؟ وهنا أيضا نعود إلى ما طالبنا به مرارا وهو ضرورة وجود استراتيجية وطنية مستقبلية متعددة المسارات لمرحلة ما بعد الاعتراف بالدولة، لأن الأمم المتحدة لن تقدم لنا الدولة على طبق من ذهب أو فضة.