صدى نيوز - وسط مشاهد الدمار والجوع في غزة، والهجوم الذي وقع هذا الأسبوع في قطر، يلوّح قادة أوروبيون محبطون بفرض عقوبات على إسرائيل وإعادة تقييم علاقتهم بحليفهم التقليدي.
لكن رغم تصاعد الغضب، بما في ذلك التحركات نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرض بعض القيود المحدودة على مبيعات الأسلحة، إلا أن مجالاً واحداً لم يُمس بعد، وهو قطاع الدفاع الإسرائيلي الذي يُقدّر بمليارات الدولارات. فجيوش أوروبا تُعد أكبر مشتري للأسلحة وأنظمة الدفاع الإسرائيلية، حيث بلغت مشترياتها 8 مليارات دولار العام الماضي، أي ما يزيد قليلاً على نصف الصادرات، مع توقعات بزيادة الطلب.
اعتماد أوروبا على أسلحة إسرائيل
بضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تعهدت دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" في أوروبا برفع إنفاقها الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بحلول عام 2035، مقارنة بنسبة 2% المعمول بها منذ عام 2014. وقد ازدادت أهمية هذا الالتزام بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في 2022، وهو هدف يبدو تحقيقه صعباً من دون الاعتماد على إسرائيل، التي تُعتبر شركاتها الدفاعية الثلاث الكبرى جزءاً محورياً من اقتصادات أوروبا وسلاسل توريدها العسكرية.
قال إيلاد كراوس، رئيس قسم الأبحاث في شركة "ميتاف بروكريج سيرفسيز" (Meitav Brokerage Services) ومقرها تل أبيب: "قد تكون المعنويات تجاه إسرائيل سلبية، لكن العملاء في أوروبا وأماكن أخرى يتطلعون إلى شراء أفضل المنتجات المتاحة، ولا يمكن تجاهل حقيقة أن الأنظمة الإسرائيلية أثبتت كفاءتها ميدانياً". وأضاف: "سيكون من الصعب الضغط على إسرائيل عبر صناعاتها الدفاعية في ظل الطلب العالمي المتزايد".
معضلة الدفاع عن غزة
شركات الدفاع الإسرائيلية الثلاث العملاقة، وهي "إلبيت سيستمز" (Elbit Systems) و"رافائيل أدفانسد ديفنس سيستمز" (Rafael Advanced Defense Systems) و"إسرائيل إيروسبيس إندستريز" (Israel Aerospace Industries)، لا تبيع إلى أوروبا فحسب، بل لديها عمليات ميدانية عبر شركات تابعة وشراكات مع مؤسسات محلية. وبغض النظر عن الرأي العام المناهض لإسرائيل، يُرجح أن تواصل القارة شراء منتجاتها، بحسب ما قاله مسؤولان بارزان في قطاع الدفاع الإسرائيلي تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتيهما.
هذا الاعتماد يعقّد مساعي أوروبا لإقناع إسرائيل بإنهاء أو على الأقل تعليق حملتها العسكرية في غزة، التي اندلعت عقب الهجوم المميت الذي شنته حركة حماس من القطاع الفلسطيني في أكتوبر 2023. ومنذ ذلك الحين، دمرت العمليات الإسرائيلية معظم القطاع، وأدت إلى نزوح شبه كامل لسكانه البالغ عددهم مليوني شخص، فيما أعلنت هيئة مدعومة من الأمم المتحدة عن مجاعة في أجزاء منه عقب حصار إسرائيلي للمساعدات استمر ثلاثة أشهر.
احتجاجات ضد إسرائيل
اندلعت مظاهرات في مختلف أنحاء الغرب احتجاجاً على سلوك إسرائيل في الحرب، استهدف بعضها بشكل خاص شركات الدفاع التابعة للبلاد. وتعرضت منشآت أوروبية مملوكة لهذه الشركات لأعمال تخريب، بما فيها مصنع شركة "إلبيت" في مدينة أولم بألمانيا.
وفي المملكة المتحدة، نُسبت حوادث استهدفت عمليات "إلبيت" إلى جماعة "العمل من أجل فلسطين" (Palestinian Action)، التي صنفتها حكومة رئيس الوزراء كير ستارمر منظمة إرهابية في يوليو، ما دفع الشركة الإسرائيلية إلى إبقاء بعض مواقعها داخل الاتحاد الأوروبي سرية.
تُدير "إلبيت" شبكة تضم 40 شركة تابعة حول العالم، نصفها على الأقل في أوروبا، بحسب متحدث باسمها. كما شهدت منشآت الشركة في المملكة المتحدة وهولندا ورومانيا توسعات مؤخراً استجابة لارتفاع الطلب. وتوظف الشركة، التي تتخذ من حيفا مقراً لها، نحو 2000 عامل في القارة، أي ما يعادل 10% من إجمالي قوتها العاملة، كما تدير مدرسة طيران في اليونان لتدريب طلاب من عدة دول أوروبية.
مبيعات الشركات الإسرائيلية
في العام الماضي، تضاعفت مبيعات "إلبيت" إلى أوروبا مقارنة بعام 2021 لتصل إلى 1.8 مليار دولار. وفي أغسطس، أعلنت الشركة عن أكبر صفقة في تاريخها، وهي عقد بقيمة 1.6 مليار دولار مع دولة أوروبية لم يُعلن اسمها، يمتد على خمس سنوات.
أما شركة "رافائيل" المملوكة للدولة، والمعروفة بمنظومتي الدفاع الصاروخي "القبة الحديدية" (Iron Dome) و"الشعاع الحديدي" (Iron Beam) القائم على الليزر، فتُصنّع وتبيع الصواريخ عبر مشروعها المشترك الألماني "يورو سبايك" (Euro Spike GmbH) بالتعاون مع "ديهل ديفينس" (Diehl Defense) و"راينميتال غروب" (Rheinmetall Group).
وفي العام الماضي، توزعت إيرادات "رافائيل" بالتساوي تقريباً بين السوقين المحلية والعالمية، حيث مثلت أوروبا 45% من مبيعاتها الدولية. وتعمل الشركة على تأسيس مشاريع مشتركة إضافية في ألمانيا، منها "يورو دوم" (Euro Dome) المخصص لنظام "القبة الحديدية"، و"يورو سبايدر" (Euro Spyder) الخاص بنظام الدفاع الجوي المتنقل قصير إلى بعيد المدى، وفقاً لأحد مسؤولي الدفاع.
قيود أوروبية قاصرة
من جانبه، أظهر قرار المستشار الألماني فريدريش ميرتس الشهر الماضي بحظر شحن الأسلحة التي قد تُستخدم في غزة اتساع نطاق المعارضة الأوروبية للعمليات الإسرائيلية. غير أن هذه القيود، التي شملت قطع غيار الدبابات وبعض المعدات الدفاعية، اقتصرت على الصادرات فقط، دون أن تمتد إلى الواردات أو مجالات التعاون الأخرى. وقد تراجع أثرها هذا الأسبوع بعد الإعلان عن خطط ألمانية لشراء ثلاث طائرات مُسيرة من طراز "هيرون" من إسرائيل بقيمة تقارب مليار يورو (1.2 مليار دولار).
ضغوط على صفقات السلاح
مع ذلك، برزت بعض التحركات المعارضة لطفرة تجارة السلاح. فقد قال مسؤولان إسرائيليان لـ"بلومبرغ" إن عدداً من وزارات الخارجية الأوروبية طلبت مؤخراً من مديري المشتريات تأجيل الشراء من إسرائيل لحين وقف إطلاق النار في غزة. كما منعت المملكة المتحدة مسؤولين حكوميين إسرائيليين من حضور معرض دفاعي بارز في لندن هذا الشهر، فيما مُنعت شركات تصنيع أسلحة إسرائيلية من المشاركة في أحد أكبر معارض الطيران في العالم، المقرر عقده في دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية، فضل عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول بالحديث علناً في هذه المسائل، إن نظراءه في أوروبا يطالبونه بإنهاء الحرب ليسهل على الشركات مواصلة أعمالها التجارية.
في السياق نفسه، أوضح مسؤول تنفيذي بارز في إحدى كبريات شركات الدفاع الإسرائيلية، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن عدداً متزايداً من العملاء الأوروبيين يفضلون إبقاء المحادثات الخاصة بالطلبات المستقبلية سرية. غير أن مسؤولاً تنفيذياً آخر أكد أن إجراءات المشتريات طويلة الأمد، ولن تتأثر بما وصفه بمشكلة مؤقتة.
توسع الصناعات الجوية الإسرائيلية
حققت شركة "إسرائيل إيروسبيس إندستريز"، المملوكة للحكومة والمطور والمصنّع المشارك لنظام الدفاع الجوي "آرو"، ثلثي إيراداتها العام الماضي من المبيعات الخارجية. وأبرمت أكبر صفقة في تاريخها عام 2023، حين باعت نظام "آرو 3" إلى ألمانيا مقابل نحو 4.3 مليار دولار.
وعلى غرار "إلبيت" و"رافائيل"، تسعى "إسرائيل إيروسبيس إندستريز" إلى تعزيز حضورها في أوروبا. ففي العام الماضي، استحوذت على شركة "إنتراكم ديفينس" (Intracom Defense) اليونانية "لتعزيز قدراتها التجارية في اليونان وأوروبا"، بحسب بيان صادر عن الشركة.
قال الرئيس التنفيذي يوآف تورجمان، لصحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية في 28 أغسطس: "رغم الغضب العالمي ضد إسرائيل، إلا أن الطلبات على منتجات رافائيل تزداد عاماً بعد عام. لم يُلغ أي مشروع أو طلب، وحتى إن تباطأ بعضها قليلاً، فإنني أعتقد أنه بمجرد انتهاء الحرب في غزة سنعود إلى الوضع الطبيعي بسرعة كبيرة".