صدى نيوز -تُظهر أبحاث جديدة، تستند إلى بيانات الأقمار الصناعية على مدى 22 عاما، أن مناطق شاسعة من العالم تفقد المياه العذبة وتزداد جفافا، وأن ما يقرب من 6 مليارات شخص -يعيشون في 101 دولة- باتوا يعانون من نقص المياه.
وحسب الدراسة التي نشرتها مجلة "ساينس أدفانسز"، فإن مناطق "الجفاف الضخم" تشمل أجزاء كبيرة من كندا وروسيا وجنوب غرب أميركا الشمالية وأميركا الوسطى والشرق الأوسط إلى شمال الصين وجنوب شرق آسيا، فضلا عن منطقة تجفيف عملاقة مترابطة تمتد من شمال أفريقيا إلى أوروبا.
ومنذ عام 2002، قامت الأقمار الصناعية بقياس التغيرات في مجال جاذبية الأرض لتتبع تحولات المياه، المتجمدة والسائلة. وتُظهر البيانات أن ما يقرب من 6 مليارات شخص، أي 3 أرباع البشرية، يعيشون في 101 دولة تعاني من نقص المياه.
من جهته، قال هريشيكيش تشاندانبوركار، الباحث في جامعة ولاية أريزونا والمشارك في تأليف الدراسة، إن بيانات الأقمار الصناعية تظهر أن هذه المناطق وغيرها لا تتحول إلى ظروف أكثر جفافا في المتوسط فحسب، بل إنها تفشل أيضا في "العيش ضمن حدود المياه المتاحة لها".
وأضاف أن "الحقيقة هي أن المياه لا تحظى بالتقدير الكافي، ويتم استغلال احتياطاتها طويلة الأجل لتحقيق أرباح قصيرة الأجل".
وقدرت الدراسة أن استنزاف المياه الجوفية يُمثل 68% من فقدان المياه في المناطق الجافة حول العالم، ويتجاوز إجمالي فقدان المياه في هذه المناطق الآن ذوبان الأنهار الجليدية الجبلية بوصفها مساهما في ارتفاع مستوى سطح البحر.
مناطق جفاف هائلة
كما أشارت إلى أن المناطق الجافة في العالم تفقد 368 مليار طن متري من المياه سنويا. وهذا يزيد على ضعف حجم بحيرة تاهو في الولايات المتحدة، أو 10 أضعاف حجم بحيرة ميد، أكبر خزان للمياه في البلاد.
ورصدت الأقمار الصناعية -لأكثر من عقدين من الزمن- إجمالي كميات المياه المخزنة في الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية والبحيرات والأنهار والتربة، إضافة إلى الخزانات الطبيعية الهائلة تحت الأرض في العالم، أي طبقات المياه الجوفية.
ويرى العلماء "مناطق جفاف هائلة" واسعة النطاق، إحداها تمتد من غرب الولايات المتحدة عبر المكسيك إلى أميركا الوسطى، وأخرى من المغرب إلى فرنسا، عبر الشرق الأوسط بأكمله إلى شمال الصين.
وتشير الدراسة إلى أن هناك سببين رئيسيين للجفاف، وهما ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن استخدام النفط والغاز، والضخ المفرط للمياه على نطاق واسع الذي استغرق آلاف السنين للتراكم تحت الأرض.
وقال جاي فاميجليتي، عالم المياه والأستاذ بجامعة ولاية أريزونا والمشارك في تأليف الدراسة: "ربما تُرسل هذه النتائج الرسالة الأكثر إثارة للقلق حتى الآن بشأن تأثير تغير المناخ على مواردنا المائية". وأضاف أن "التغير السريع في دورة المياه الذي شهده الكوكب خلال العقد الماضي أدى إلى موجة من الجفاف السريع".
وباتت أجزاء كبيرة من العالم أكثر جفافا وتفقد مساحات شاسعة من العالم المياه العذبة. فإضافة إلى ذوبان الأنهار الجليدية والقمم الجليدية، تزداد مناطق عديدة جفافا وتستنزف مياهها الجوفية. وفي كل عام، تتوسع مناطق الجفاف هذه بمساحة تبلغ ضعف مساحة كاليفورنيا تقريبا، حسب الدراسة.
وحسب الدراسة، تفقد كندا وروسيا أكبر كمية من المياه العذبة، حيث تذوب كميات كبيرة من الجليد والتربة الصقيعية، كما تحتل الولايات المتحدة وإيران والهند مراكز متقدمة، مع ارتفاع درجات الحرارة والإفراط المزمن في استخدام المياه الجوفية.
استنزاف المياه الجوفية
وتقوم المزارع والمدن بسحب كميات كبيرة من المياه باستخدام مضخات عالية القدرة بحيث يتبخر كثير من الماء وينتهي به الأمر في شكل أمطار تسقط فوق المحيط، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل ملحوظ.
وأشارت الدراسة إلى أن خسائر المياه هذه تسهم الآن بشكل أكبر في ارتفاع مستوى سطح البحر مقارنة بذوبان الأنهار الجليدية الجبلية أو الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية أو غرينلاند.
وكان التوسع السريع والمذهل للمناطق الجافة مفاجئا حتى للعلماء في الدراسة. وتوقع فاميجليتي أن يتفاقم الوضع في عديد من المناطق، مما سيؤدي إلى "جفاف وتصحر واسعي النطاق".
وقال فاميجليتي: "لاحظنا نموا هائلا في مساحات اليابسة حول العالم التي تعاني من جفاف شديد"، مشيرا إلى أن "المناطق الاستوائية فقط هي التي تزداد رطوبة، أما بقية مساحات اليابسة في العالم فتجف".
ودفعت موجة الجفاف عديدا من الأشخاص في مختلف مناطق إنتاج الغذاء حول العالم إلى حفر مزيد من الآبار والاعتماد بشكل أكبر على ضخ المياه الجوفية.
وتشير الدراسة إلى أنه عندما تنخفض مستويات المياه الجوفية، تتسرب الآبار بشكل متزايد وتجف، ويلجأ الناس إلى الحفر على عمق أكبر، وقد تغرق الأرض مع انهيار المساحات الجوفية، وقد تكون الخسارة غير قابلة للإصلاح، مما يترك الأجيال الحالية والمستقبلية مع كمية أقل من المياه.
ويشير فاميجليتي إلى أن العواقب المحتملة على المدى الطويل وخيمة، فسوف يكافح المزارعون لزراعة أكبر قدر ممكن من الغذاء، وسوف يتعرض النمو الاقتصادي للتهديد، وسوف تهجر أعداد متزايدة من الناس من المناطق الجافة، وتتزايد الصراعات على المياه بالفعل، وسوف يتزعزع استقرار مزيد من الحكومات في البلدان غير المستعدة، بحسب تقديره.
كما أصبح جفاف الأراضي واستنزاف المياه الجوفية أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع مستوى سطح البحر، فقد أضافت الأراضي الجافة والطبقات المائية الجوفية ما يعادل 22.2 ملليمترا من المياه إلى المحيط في الفترة من 2002 إلى 2024، حسب الدراسة.
وكانت دراسات سابقة أشارت إلى انخفاض في منسوب المياه الجوفية، وازدياد جفاف المناطق الجافة، وأن هذه الخسائر في المياه تُسهم في ارتفاع مستوى سطح البحر، لكن الدراسة الجديدة تُظهر أن هذه التغيرات تحدث بوتيرة أسرع وعلى نطاق أوسع مما كان معروفا سابقا.
ويقول هريشيكيش تشاندانبوركار: "إنه أمر مقلق للغاية. فالماء يؤثر على كل شيء في الحياة، ومن المحتمل أن تتسرب آثار انخفاضه الذي لا رجعة فيه إلى كل شيء".
وأضاف أن استنزاف المياه الجوفية، الذي غالبا ما يكون غير مرئي، يُخفي مدى استنزاف المناطق القاحلة لاحتياطاتها، و"بمجرد جفاف هذه الصناديق، يصبح إفلاس قطاع المياه وشيكا".
المصدر: الجزيرة + وكالات