صدى نيوز - لأكثر من 15 عاما، قدّمت أوغندا ما تسمى بـ "القوات الديمقراطية الحليفة" كواحدة من أخطر الجماعات الإسلامية المتمردة في شرق أفريقيا، متهمة إياها بالاغتيالات والتفجيرات. لكن اعتقال ضباط كبار في الجيش بتهمة تلفيق معلومات استخباراتية عن الجماعة، أثار شكوكا جدية حول هذا السرد الرسمي.

وقال موقع أفريكا ريبورت إن أبرز المعتقلين هو اللواء جيمس بيرونغي، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الأوغندي، إلى جانب اثنين من مساعديه هما العقيد بيتر أهيمبيسيبوي، المدير السابق لمكافحة الإرهاب، والمقدم إفرايم بياروهانغا، المسؤول السابق عن العمليات الخاصة.

ويُحتجز بيرونغي حاليًا في سجن عسكري، رغم أنه كان قائدًا لقوات النخبة المكلفة بحماية الرئيس يوري موسيفيني وعائلته والمواقع السيادية.

وجاءت الاعتقالات بعد الكشف عن أن عدة حوادث "إرهابية" مزعومة في كمبالا كانت مُفبركة، منها إنذار بوجود قنبلة في مزار الشهداء بمنيونيو خلال "يوم الشهداء" الوطني، وآخر في سوق كاليروي. وقد اتهم الجيش حينها القوات الديمقراطية الحليفة بالوقوف وراء الحادثين.

كما ادّعى بيرونغي أن ضربة جوية نفذتها القوات الأوغندية في الكونغو الديمقراطية قتلت القيادي في الحركة ميدي نكالوبو، وهو ما أشاد به موسيفيني علنًا، قبل أن يتبيّن لاحقًا أن نكالوبو لا يزال حيًا ويشارك في أنشطة جديدة.

ردًا على ذلك، أمر قائد الجيش الجنرال موهوزي كينيروغابا، نجل الرئيس، بفتح تحقيق في التهديدات المفبركة، مما أدى إلى سلسلة الاعتقالات. وعند سؤاله عن مدى التحقيقات، قال المتحدث باسم الجيش اللواء فيليكس كولايغي لأفريكا ريبورت "هل تتوقعون أن أناقش ذلك؟ لا. دعونا ننجز عملنا".

ما بين الحقيقة والتوظيف السياسي

تأسست القوات الديمقراطية الحليفة في منتصف التسعينيات كتحالف لفصائل معارضة لحكم موسيفيني، وانبثقت من حركة التبليغ الإسلامية التي شهدت تصعيدًا بعد مواجهات عنيفة مع قوات الأمن. ومنذ ذلك الحين، اتخذت الجماعة من شرق الكونغو الديمقراطية قاعدة لها.

ورغم إعلان كمبالا مرارا عن هزيمة الجماعة عسكريا، فإنها استمرت في تصويرها كتهديد قاتل، خاصة بعد سلسلة تفجيرات منذ عام 2020. ففي أكتوبر/ كانون الأول 2021، قُتلت نادلة في انفجار حانة بضاحية كومامبوغا، ثم وقع تفجير انتحاري في حافلة بين كمبالا وماساكا، أعقبه مقتل طفلين بانفجار قنبلة.

وفي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، وقعت تفجيرات انتحارية منسقة استهدفت مركز الشرطة المركزي وطريق البرلمان وسط العاصمة، أسفرت عن مقتل 6 أشخاص على الأقل وإصابة العشرات. كما رُبطت الجماعة منذ عام 2010 بسلسلة اغتيالات بارزة، منها مقتل المدعية العامة جوان كاجيزي عام 2015، ومساعد المفتش العام للشرطة أندرو كاويزي عام 2017، والنائب إبراهيم أبيريغا عام 2018، دون تقديم أدلة قاطعة في أي من الحالات.

ويقول منتقدون إن النظام الأوغندي وجد في هذه الروايات وسيلة لتبرير عمليات اغتيال وتفجيرات، ثم نسبها إلى الجماعة.

وفي يونيو/ حزيران 2021، نجا وزير الأشغال والنقل الجنرال إدوارد كاتومبا وامالا من محاولة اغتيال، بينما قُتلت ابنته وسائقه. وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قُتل سائحان ومرشد أوغندي قرب حديقة الملكة إليزابيث، وهي عملية حمّل موسيفيني مسؤوليتها للقوات الديمقراطية الحليفة.

تكلفة المعلومات المفبركة

أدت الإخفاقات الاستخباراتية إلى خسائر فادحة، إذ أطلقت أوغندا في أواخر 2021 عملية عسكرية ضد قواعد القوات الديمقراطية الحليفة في الكونغو، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

وعلى الصعيد المحلي، خلّفت كل عملية اغتيال أو تفجير ضحايا مدنيين، ومداهمات أمنية عنيفة، واعتقالات تعسفية، انهارت معظمها لاحقا أمام القضاء.

ومن أبرز الأمثلة، قضية اغتيال كاويزي عام 2017، حيث اعتُقل 20 شخصا وتعرضوا للتعذيب لانتزاع اعترافات، قبل أن يُبرّأوا لاحقًا ويُحكم لهم بتعويضات تجاوزت 20 ألف دولار لكل منهم.

لماذا يُكشف الضباط الآن؟

في بلد تُحكم فيه الرواية الرسمية حول القوات الديمقراطية الحليفة بقبضة مشددة، نادرًا ما يُشكك أحد في الخطاب الحكومي، خاصة من داخل الأوساط الإسلامية. ويقول الباحث يحيى سيريمبا، من معهد ماكيريري للأبحاث الاجتماعية لأفريكا ريبورت، إن نظام موسيفيني لطالما قدّم نفسه لواشنطن كحليف لا غنى عنه في "الحرب العالمية على الإرهاب"، مما يُجنّبه التدقيق في سجله الحقوقي.

ويضيف "هذا لا ينجح إلا إذا أظهر أن الإرهاب حقيقي في المنطقة. تضخيم خطر القوات الديمقراطية الحليفة وتصويرها كجماعة إسلامية حصرية يخدم هذا الهدف. لقد أصبح من المفيد للنظام أن يُدبّر اغتيالات ويزرع قنابل، ثم يُحمّل الجماعة المسؤولية. هذه ليست تصرفات أفراد مارقين، بل جزء من آلية بقاء النظام".

لماذا ينقلب النظام على ضباطه؟

يرى سيريمبا أن الأمر يعكس صراعًا داخليًا على السلطة، أكثر من كونه محاولة لكشف الحقيقة.

ويقول في تصريحه لأفريكا ريبورت "العملية ضد بعض الضباط قد تشير إلى صراع داخلي في النظام. ربما يسعى طرف ما للتخلص من منافسين أو فرض نفوذه. يبدو الأمر غريبًا، لكنه غير مفاجئ، خاصة في ظل أسلوب الجنرال موهوزي كينيروغابا المتقلب في إدارة الأمور".

ويختم بالقول "لم يعد سرًا أن النظام نفسه يقف وراء بعض الأعمال القذرة المنسوبة للقوات الديمقراطية الحليفة".

المصدر: أفريكا ريبورت