قد يكون ضربا من ضروب الخيال ما سأسرده عما أعلنه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو حول ما أسماه " إسرئيل الكبرى " ، وهو حلم تلمودي توارثه هذا المهووس عن والده ، الذي كان احد مساعدي القيادي في الحركة الصهيونية ، واحد ابرز مفكريها الاوكراني المولد فلاديمير جابوتنينسكي ، والذي يعتبره نتنياهو قدوته الى درجة انه ما زال يحتفظ بسيفه .
من هنا يُمكن فهم تصلب نتنياهو في سياساته تجاه الفلسطينيين خاصة والعرب على وجه العموم ، ويرى ان على العرب الانصياع بالقوة – سياسة الجدار الحديدي – والتي كان جابوتنينسكي قد أطلقها في عشرينيات القرن الماضي ، وشكلت الملهم الأساسي لنتنياهو طيلة مسيرته في الحكم على مدى عقدين من الزمن ، لما تريده اسرائيل الكبرى !!
صحيح ان هذا الحلم الصهيوني كان يراود جميع حكام دولة الاحتلال ، ويأتي في صلب دائرة الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ ما قبل قيام الدولة العبرية عام 1948 ، ولكن هي المرة الاولى التي يجري الافصاح عنها بشكل علني وصريح ودقيق ، واخذت جميع اجهزة الدولة تعمل جهرا وسرا على تكريسها كأمر واقع يُفرض على العرب ، ولا مجال امامهم الا قبولها او الزوال ، واستغل نتنياهو معركة السابع من اكتوبر 2023 واستخدم قوته بإفراط شديد الى درجة ارتكاب جرائم حرب أشبه بتلك التي اُرتكبت بحق اليهود إبان عهد النازية والفاشية ، لتمرير احلامه الصهيونية والعمل على السيطرة وتعزيز الاستيطان في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ، واستخدام الترهيب والترويع بحق المدنيين العُزل لتهجيرهم طوعا وقسرا ، وبالتالي تنصيب نفسه ملكا لاسرائيل !!
هذا الغرور وهذه الغطرسة الاسرائيلية المُعززة بدعم امريكي مُطلق ، وخجل اوروبي من كيفية الرد على المساس بمعتقدات زائفة متعلقة بحقوق الانسان تتبناها المجتمعات الأوروبية ، والانبطاح العربي غير المسبوق ، يطرح تساؤلات في غاية الاهمية : فبصرف النظر عن التوقيت والكيفية والآليات التي سيتخدمها نتنياهو واركان حكومته اليمينية المتطرفة لتمرير أحلامه ، كيف سيتعامل العرب الذين يشتركون بقواسم عدة من ابرزها اللغة والدين والعرق والعادات والتقاليد ، مع تهديد أمنهم القومي وكياناتهم المهددة بالزوال او الاقتطاع والمخاطر المُحدقة بهم من كل جانب ؟ الن تشكل هذه التهديدات حافزا ودافعا لديهم للاستيقاظ وسلاح سياسي واخلاقي وعملي يستخدمنوه للدفاع عن اوطانهم وشعوبهم ؟ الا يستحق الفلسطينيين بعدما بانت الاطماع الصهيونية الى العلن ، الدعم اللازم لتعزيز صمودهم ومقاومتهم للاحتلال ، كونهم خط الدفاع الاول عن الامة العربية والعائق أمام التمدد الصهيوني ؟
عقب اعلان نتنياهو عن " اسرائيل الكبرى " وكالمُعتاد سارعت الدول المعنية وعلى رأسها الاردن ومصر وتبعتها دول اسلامية مختلفة عن الاعلان عن ادانتها واستنكارها ورفضها ، وكأن مثل هذه البيانات ستُغير فكرا متجذرا مع حكومة ما هي الا امتداد لفكر استراتيجي مُمتد لعقود طويلة ، ودولة ترى نفسها فوق القانون ، وشعب يرى في نفسه شعب الله المختار ويميل الى التطرف شيئا فشيئا ، وسط حالة من الوهن تضرب الوطن العربي من محيطه الى خليجه !! ولكن ، هل هذه البيانات كافية لحماية الكيانات العربية من المخاطر التي اخذت تطبق عليهم ؟
عودة على ذي بدء ، ما أنشده ، ولعل كل انسان عربي ينشده ، هو الوحدة العربية ، قد تكون ضربا من ضروب الخيال ، او اضغاث احلام ، لكنها ليست مستحيلة ، إن تيقظ العرب قولا وفعلا لما يُحاك لهم من مؤامرات تستهدفهم ومقدراتهم وكياناتهم وعروشهم !!
الوحدة منعة سياسية واقتصادية واجتماعية ، وتنمية وازدهار ، الوحدة تعزز الامن والاستقرار والهوية ، وبها يُمكن مواجهة التحديات والمخاطر ، ويُحسب للعرب ان توحدوا الف حساب ، الوحدة رادع لكل طامع ، وبها يمكن استعادة الحقوق المُغتصبة ، ومن يعود للتاريخ يجد ان القائد صلاح الدين الايوبي قبل ان يُحرر القدس ، كان قد حارب العرب والمسلمين لتوحيدهم اكثر مما حارب الصليبيين والطامعين ، فلمَ لا نستخلص العبر من تجرية مُحرر القدس ونُكرر التجربة بما يتوافق ومعطيات الوضع الحالي ؟ وليس بالضرورة دفعة واحدة ، قد تبدأ بخطوات ربما على شكل إندماجات مشتركة مختلفة الاشكال ، قد تبدأ باندماجات اقتصادية وتحالفات مشتركة والغاء للقيود المفروضة بين الاقطار العربية للاستثمار وحرية التنقل ، بما يعود يالمنفعة على الجميع ، وربما تقود مستقبلا الى شكلا من اشكال التكامل !!
العرب لديهم من الامكانيات والقوة واوراق اللعب القوية ما يكفي لفرض وجودهم ، وبامكانهم اتخاذ عدة خطوات - ان توفرت الارادة الجادة - من شأنها ان تكون رادعا لدولة الاحتلال السرطانية وحلفائها ، ومع الوقت يمكن استئصال هذا الورم ، او على اقل تقدير الحد من انتشاره ، ولعل ابرز هذه الخطوات :
1 . التلويح بقطع كافة التعاملات التجارية يتبعها التنسيق الأمني مع الجانب الاسرائيلي .
2 . التلويح بالغاء كافة معاهدات السلام مع دولة الاحتلال ، وإمهالها فترة زمنية لا تزيد عن عامين لتنفيذ تعهداتها والتزاماتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية ، وخاصة قرارات الشرعية الدولية .
3 . توفير سبل الدعم الكافية لابناء الشعب الفلسطيني الذي يواجه حتى اللحظة مخططات الاحتلال وحيدا ، لتعزيز صموده ، من خلال تفعيل شبكة الامان المالية .
4 . تأجيج الرأي العام المحلي وحث الجماهيرللنزول الى الشوارع للتعبير عن ادانة الممارسات الاسرائيلية بحق اشقائهم الفلسطينيين ورفضا للتوسع الصهيوني على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية .
5 . مخاطبة الرأي العام الدولي وتعرية دولة الاحتلال امام المجتمع الدولي واحراجه ، بكشف الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني المخالفة لكافة الاعراف والقوانين الدولية .
6 . ان الاخطار التي تحدق بالامة العربية باتت اكثر اقترابا ، والطوق اخذ يشتد على الاعناق العربية ، فلمَ لا تتفق الاقطار العربية على تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك ، وتبدأ الجيوش العربية فيما بينها مناورات تكتيكية ، فيها رسالة واضحة ، ان الاعتداء او حتى التفكير بالاعتداء على اي قطر عربي ستكون عواقبه وخيمة ، ولعل الخطوة الاردنية الاخيرة بإعادة الخدمة العسكرية الالزامية خطوة بالاتجاه الصحيح تصب في خانة البدء بالتحضيرات للتصدي للأحلام الصهيونية .
في الختام ، مشروع " اسرائيل الكبرى " الذي اعلنه نتنياهو بصراحة هو بمثابة اعلان حرب على الامة العربية جمعاء ، ان لم تكن هناك خطوات عملية رادعة تسبقها كما اسلفت اعلاه ، ارادة حقيقية جادة ، حينها سنرى منطقة صهيونية زرقاء تسيطر على المنطقة برمتها وتُسخر الامة العربية كعبيد وخدم لمصالحها ، فاستفيقوا يا عرب قبل فوات الأوان وتحملوا مسؤولياتكم تجاة اوطانكم وشعوبكم !!