لا أحد من المهتمين في الشأن السياسي يستطيع أن يتجاهل ما حدث في السويداء السورية يوم السبت الأخير، خلال تجمع تظاهري في ساحة الكرامة في مركز السويداء، والتي تخلّلها هتافات "الشعب يريد إسرائيل"، ورَفع علم الاحتلال الإسرائيلي فوق مقر مشيخة العقل - الجربوع - المعارض لتوجّه الشيخ الهجري.

ومما لا شك فيه أنّ آلافًا من أبناء الطائفة الدرزية ضايقهم هذا الحماس الفائض لإسرائيل، ويرون فيها أعمالًا غير ضرورية ومضرّة، مثلما ضايق غيرهم من أبناء طوائف أخرى من السوريين ومن العرب عمومًا، وبصورة خاصة لدى الفلسطينيين الذين يتعرضون في هذه الأيام بالذات إلى حرب إبادة من قبل هذا النّظام الفاشي، الذي أباد أكثر من 18 ألف طفل دون أي وقفة ضمير.

هنالك خلافات كثيرة في تفسير وتوضيح ما حدث ويحدث في سورية، والأيام قد تبدي وتكشف، وقد لا تكشف، لأنّ حقائق كثيرة تُزيّف، وهنالك قصص مُختلقة، وأحداث أُخفيت، وهنالك تجاوزات يرفضها كلّ ذي ضمير، وهناك أيدٍ تتلاعب ولا يهمّها دم السّوري بغضّ النظر عن طائفته، فما يهمّها هو مصالحها وفقط.

في هذا الواقع المؤلم، تحوّل الشّحن الطائفي إلى موجة عاتية أضرّت وسوف تضرّ بالجميع ما لم تتوقّف وتُحلّ في الطرق السِّلمية والتفاوضية.

أودُّ أن ألفتَ نظر الإخوة السوريين الدروز المنبهرين بإسرائيل ويدعونها إلى ضمّ السويداء: إسرائيل التي سنّت قانون القومية، ولم تحترم مواطنيها من غير اليهود، حتى شكليًا.

دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، هكذا هو تعريفها الدستوري، وليست دولة جميع مواطنيها، وغير اليهودي هو درجة ثانية، مهما تظاهر هؤلاء السياسيون باحترام الدروز أو غيرهم، فهم مواطنون درجة ثانية حتى ولو خدموا في أجهزة الأمن من دروز وغيرهم.

السيطرة في هذه الدولة، وخصوصًا في هذه المرحلة، هي للقوى الدينية والقومية اليمينية المتطرّفة، التي ترى في الأغيار أعداءً ومرتزقة وعبيدًا لخدمة الشّعب المختار. من يظنّ غير ذلك فهو واهم.

الفاشية التي تحكم إسرائيل اليوم لا ترى في قتل آلاف الأطفال في قطاع غزّة قهرًا وحرقًا وتجويعًا أمرًا مشينًا أو محرّمًا، فأيّ إنسانية وأيّ ديمقراطية وأيّ تحضّر ترجون منها؟

إسرائيل الفاشية، المتكئة على غيبيات تلمودية وتوراتية، لا يخفيها نتنياهو، لن تتحمّس لضمّ مئات آلاف من الأغيار، دروزًا كانوا أو غيرهم، إلى مناطق نفوذها، بل هي "عايفة اللّي عندها". بعد أن تخلع البزّة العسكرية، لا قيمة تُذكر لك.

الفاشية تضيق ذرعًا حتى بالأطباء والممرضين العرب في المستشفيات، وبهذا لا تميّز بين الطبيب الدرزي ولا المسيحي ولا المسلم. بل إنها تضيق ذرعًا بلاعبي كرة القدم من غير اليهود.

إسرائيل "الديمقراطية" لم يشغل فيها من الدروز منصب وزير منذ تأسيسها سوى ثلاثة: أوّلهم صالح طريف، لعشرة أشهر فقط عام 2022.

ثم أيوب القرا، الذي شغل منصب نائب وزير ووزيرٍ بلا حقيبة ووزيرًا للاتصالات، مجموعها لا يصل إلى سنتين ونصف.

حمد عمار، شغل منصب وزير لدى وزير المالية للاهتمام بالدّروز والشّركس، لمدة عام واحد فقط، بينما شغل حزب "إسرائيل بيتنا" الذي ينتمي إليه حمد عمّار بقيادة ليبرمان لوحده حوالي 25 وزيرًا منذ تأسيسه.

أما الحريديم الذين لا يخدمون في الجيش من أغودات يسرائيل ويهدوت هتوراة وشاس، فقد شغلوا 25 حقيبة وزارية منذ الثمانينيات، إضافة إلى 40 نائب وزير.

لقد أقامت دولة إسرائيل آلاف القرى والمدن والمستوطنات منذ تأسيسها، وكان نصيب الدروز وغيرهم من العرب منها صفرًا، باستثناء تجمّعات قرى في النقب التي أُقيمت لنهب أراضي عشائر النقب.

لم تُقم بلدة درزية واحدة على أراضي الدولة، رغم أنّ الدولة سلبت من الدروز منذ قيامها 80% من أراضيهم، لإقامة معسكرات جيش أو مستوطنات جديدة، وبحسب مصادر حقوقية تذكر بالتفصيل هذه المصادرات في كلّ بلدة وبلدة.

في عام 1948، ملكت القرى الدرزية 250,000 دونم، بقي لهم منها اليوم 50,000 دونم، وهذا يشمل مصادرات عشرات آلاف الدونمات من أراضي القرى الدرزية في الجولان المحتل لصالح حديقة الحرمون الوطنية ومشروع المراوح الذي صادر آلاف الدونمات.

المصادرات هائلة في كلّ قرية وقرية مُعرّفة على أنّها درزية، في الكرمل كما في الجليل والجولان. دالية الكرمل مثلًا، ملكت 60,000 دونم عام 1948، بقي لها اليوم 9,000 دونم.

من يريد مصلحة الدروز والسوريين بالفعل، يجب أن يتوقّف عن التحريض والشحن الطائفي والفئوي، والشيطنة التي شملت آخرين من مختلف الفئات، يتعارضون مع رؤية هذا أو ذاك الطرف، بل ودعا البعض إلى قتلهم بتهمة الخيانة.

إسرائيل اليوم دولة منبوذة على مستوى العالم، وقيادتها مطلوبة للعدالة الدولية، وما الظهور بمظهر المُنقذ للأقليات سوى تغطية على جرائم الإبادة العرقية التي تمارسها في قطاع غزّة. وليس تصريح نتنياهو "أبو يائير" في هذا الشّأن إلا لذرّ الرمال في العيون، ولتعميق الشقاق بين الدروز ومحيطهم العربي.

لا يحتاج الدروز إلى شهادة من أحد بشأن عروبتهم، ولا أحد يستطيع أن ينكرها أو يتجاهلها كائنًا من كان، أمّا بالنسبة لمذهبهم الديني، فشيوخهم أدرى به، وهم الذين يقررون ماذا وكيف، وليس لغيرهم حقّ التدخّل في دينهم ومعتقدهم، وهذا ينطبق على الديانات والمذاهب الأخرى.

الدين لله والوطن للجميع، هكذا كان، وهكذا يجب أن يكون. وإذا حدثت انحرافات عن هذا المبدأ، فيجب إصلاحها بالتّعاون بين قوى الخير التي تمثّل الأكثريّة بين جميع مكوّنات المجتمع السّوري، وإسكات وتجاهل المحرّضين من أيّ طرف كان. فلا خير في التّحريض، فنتائجه لم تحمل خيرًا في الماضي، ولن تحمله في المستقبل. فاعتبروا يا أولي الألباب.