اقتصاد صدى - أطلقت شركة أوبن إيه آي، المطورة لتشات جي بي تي، الجيل التالي من برمجياتها في ظل المنافسة بين شركات الذكاء الاصطناعي.

تُعد نماذج GPT من (OpenAI) "أوبن إيه آي " هي التقنية التي تقف وراء روبوت المحادثة الشهير "تشات جي بي تي" (ChatGPT)، وأكدت الشركة أن "GPT-5" سيكون متاحًا لجميع مستخدمي "تشات جي بي تي" البالغ عددهم 700 مليون مستخدم.

ويأتي إطلاق "GPT-5" في وقت حاسم لصناعة الذكاء الاصطناعي، حيث ضاعفت أكبر الشركات العالمية في هذا المجال — مثل "ألفابت" (المالكة لغوغل)، و"ميتا" (المالكة لفيسبوك)، و"أمازون"، و"مايكروسوفت" الداعمة لـ"أوبن إيه آي" — إنفاقها الرأسمالي بشكل كبير لبناء مراكز بيانات مخصصة للذكاء الاصطناعي، ما عزز آمال المستثمرين في تحقيق عوائد ضخمة. وتتوقع هذه الشركات الأربع إنفاق ما يقارب 400 مليار دولار في السنة المالية الحالية.

وقال سام ألتمان، رئيس شركة أوبن إيه آي، في بيان يوم الخميس: "يمثل جي بي تي -5 قفزة كبيرة في الذكاء مقارنة بجميع نماذجنا السابقة".

خبير بدرجة الدكتوراه

وكان الإصدار السابق، جي بي تي -4 ، يتواصل بمستوى طالب جامعي. أما جي بي تي -5، على الجانب الآخر، فهو مثل خبير حاصل على درجة الدكتوراه في أي موضوع، حسبما وعد ألتمان.

وسيجري تشغيل روبوت الدردشة تشات جي بي تي باستخدام جي بي تي -5 للمستخدمين في النسخة المجانية أيضا في المستقبل.

وقال ألتمان إن عصر جي بي تي -5 سيتميز بالقدرة على إنشاء "برمجيات حسب الطلب".

وبدأت الضجة حول الذكاء الاصطناعي مع إطلاق تشات جي بي تي في نهاية عام 2022.

وفي العروض التوضيحية التي قدمتها الشركة الخميس، عرضت كيف يمكن لـ"GPT-5" إنشاء برامج متكاملة وعاملة بالكامل استنادًا فقط إلى أوامر نصية مكتوبة، في عملية تُعرف باسم "البرمجة بالإحساس" (Vibe Coding).

أحد مؤشرات النجاح الأساسية سيكون مدى التفوق النوعي الذي يقدمه "GPT-5" مقارنة بـ"GPT-4"، وما إذا كان مماثلًا للقفزات السابقة التي حققتها مختبرات الأبحاث.

وأفاد خبراء لوكالة رويترز أن النموذج الجديد أدهشهم بقدرته على البرمجة وحل المسائل العلمية والرياضية، لكنهما يعتقدان أن القفزة من GPT-4 إلى GPT-5 لم تكن بنفس حجم التطور الذي شهدته الإصدارات السابقة.

وحتى مع هذا التحسن، لا يزال "GPT-5" غير قادر على استبدال البشر كليًا، إذ أوضح ألتمان أن النموذج لا يمتلك بعد القدرة على التعلم الذاتي، وهي ميزة أساسية لتمكين الذكاء الاصطناعي من مجاراة القدرات البشرية.

وبالإضافة إلى أوبن إيه آي، تتنافس شركات مثل أنثروبيك، وإكس إيه آي المملوكة لإيلون ماسك، وعملاقا التكنولوجيا غوغل وميتا على الصدارة في مستقبل الذكاء الاصطناعي.

وفي غضون ذلك، تتعاون شركة مايكروسوفت مع أوبن إيه آي وأعلنت أنها ستدمج جي بي تي -5 في منتجاتها.

يذكر أن أوبن أيه.آي (OpenAI) تجري محادثات أولية بشأن صفقة محتملة لبيع كمية من أسهمها لصالح موظفين حاليين وسابقين فيها على أساس أن القيمة السوقية للشركة غير المدرجة في البورصة تبلغ 500 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة كبيرة في قيمتها السوقية.

المزيد من التفكير

قبل نحو ثلاث سنوات، قدّم "تشات جي بي تي" للعالم مفهوم الذكاء الاصطناعي التوليدي، ليبهر المستخدمين بقدرته على كتابة نصوص نثرية وشعرية بأسلوب بشري، ليصبح أحد أسرع التطبيقات نموًا في التاريخ.

في مارس 2023، طرحت "أوبن إيه آي" نموذج "GPT-4"، وهو نسخة متطورة جدًا مقارنة بالإصدار السابق. ففي اختبار المحاماة، حصل الإصدار السابق "GPT-3.5" على نتيجة ضعيفة جعلته ضمن أسوأ 10% من المتقدمين، بينما تمكن "GPT-4" من تحقيق نتيجة عالية وضعته ضمن أفضل 10% من المتقدمين.

جاءت هذه القفزة بفضل زيادة القدرة الحاسوبية وحجم البيانات المستخدمة في التدريب، وكانت الشركة تأمل أن يواصل "التوسع" بهذا الأسلوب في تحسين النماذج بشكل ثابت.

لكن "أوبن إيه آي" واجهت مشكلات في التوسع، من أبرزها "جدار البيانات" الذي أشار إليه كبير علمائها السابق إيليا سوتسكيفر العام الماضي، موضحًا أنه رغم نمو القدرة الحاسوبية، فإن حجم البيانات لم يعد ينمو.

ويعود السبب إلى أن النماذج اللغوية الكبيرة تُدرَّب على مجموعات بيانات ضخمة تغطي الإنترنت بالكامل، ولا تملك مختبرات الذكاء الاصطناعي مصادر أخرى كبيرة من البيانات النصية البشرية.

إلى جانب نقص البيانات، هناك مشكلة أخرى وهي أن "جلسات التدريب" للنماذج الكبرى معرضة لفشل تقني بسبب تعقيد الأنظمة، كما أن الباحثين قد لا يعرفون أداء النموذج الفعلي إلا في نهاية دورة التدريب، التي قد تستغرق أشهرًا.

في الوقت نفسه، اكتشفت "أوبن إيه آي" مسارًا آخر نحو ذكاء اصطناعي أكثر تقدمًا، يعرف بـ"الحوسبة وقت الاختبار" (Test-Time Compute)، وهي طريقة تسمح للنموذج بقضاء وقت حاسوبي أطول في "التفكير" في كل سؤال، ما يمكّنه من حل المسائل المعقدة، مثل العمليات الرياضية أو المشكلات التي تتطلب قدرات استدلال واتخاذ قرار متقدمة.

ويعمل "GPT-5" بمثابة موجه، بحيث إذا واجه سؤالًا بالغ الصعوبة، يستخدم "الحوسبة وقت الاختبار" للإجابة عنه. وهذه هي المرة الأولى التي يتاح فيها لعامة الجمهور استخدام هذه التقنية، والتي يعتبرها ألتمان عنصرًا أساسيًا في مهمة الشركة لبناء ذكاء اصطناعي يعود بالنفع على البشرية جمعاء.

ويعتقد ألتمان أن الاستثمار الحالي في الذكاء الاصطناعي ما زال غير كافٍ، مضيفًا: "علينا بناء بنية تحتية أكبر بكثير على مستوى العالم لجعل الذكاء الاصطناعي متاحًا محليًا في جميع هذه الأسواق".