لمثل هذا ربيته، قالت والدة عثمان إسلام باتور، زعيم الثوار في تركستان الشرقية، عندما سمعت بنبأ إعدامه من الجيش الصيني بعد نضالٍ ضد الجيشَين الروسي والصيني سنة 1951، وقد وقع جريحا.

الآن يطل علينا الغراب الناعق بالخراب، حمد بن جاسم، بالحديث عن مؤامرة تقسيم سوريا والسعودية؛ فهو يعرف المؤامرات لأنه ضالع فيها بأمر خارجي، وتحدّث عن مؤامرة "الربيع العربي" التي كان من المتورّطين فيها حتى أُخمص حوافره، في تسجيلات تلفزيونية كشف فيها دون خجل عن تولي بلاده قيادة المؤامرة بأوامر أميركية، ثم انضمت إليها دول أخرى نجدها الآن في بؤرة المؤامرة الجديدة، وكأنها ستكتوي بما حاكته ضد الآخرين.

كان بن جاسم غرابا ينعق بالخراب أينما حل؛ فهو مهندس انقلاب حمد بن خليفة على والده، حيث توجه إلى واشنطن في أواسط التسعينات ليأخذ الإذن بالانقلاب، فقيل له يجب أن تتوجه إلى محجّ الجوسسة والوسواس الخنّاس، أي تل أبيب، فإن وافقوا فنحن نبارك. وهكذا كان، حيث شوهد مع وفد قطري ينتظر المباركة الإسرائيلية في فندق هيلتون تل أبيب.

وكانت قطر قد اختطت هذا النهج لحماية نفسها، فقد كان الوفد القطري في أي قمة عربية أو خليجية يطالب بتصفية القواعد الأميركية في بلاد العرب، وخاصة السعودية. ولكن ما إن أخلت واشنطن آخر قاعدة لها في الظهران حتى تقدمت قطر بطلب لاستضافة القواعد الأميركية على أرضها، وتعهدت بتمويل البنية التحتية ومصاريف القاعدة.

ولعل بن جاسم لعب دورا في انقلاب حماس في غزة، حيث زارها قبل الانقلاب بأسبوع، لتحطيم القضية الفلسطينية بمساعدة إسرائيل، التي اعترف وزير جيشها آنذاك، موفاز، بأن قواته مهّدت للانقلاب بتدمير كل مقرات السلطة الأمنية، كما قامت مروحيات الاحتلال بدعم الانقلاب في أيامه الأولى بقصف أيّ تجمع لقوات الأمن الفلسطينية.

وحاول بن جاسم لاحقا أن يعزز الانقلاب في الضفة، بترويج شروط حماس للوحدة الوطنية، أي المشاركة في حكم الضفة أيضا. وهو قبل ذلك لعب دورا محوريا في إقحام حماس في الانتخابات بطلب أميركي، ومارس ضغوطًا على القيادة الفلسطينية التي مانعت في البدء ثم رضخت تحت مبررات غامضة، وربما تافهة، لكي تقبل خوض الانتخابات دون الاعتراف بمبادئ اتفاق أوسلو الذي تجري الانتخابات بموجبه، ودون الانضمام إلى منظمة التحرير، الكيان السياسي المعترف به دوليًا كممثل للشعب الفلسطيني.

فهذا الرجل "المجلح" كما يقال بالعامية، اعترف علنًا بكل أدواره المخزية، وزاد عليها بالقول إن استضافة قادة حماس في قطر كانت بطلبٍ أميركي. ولهذا نجد قطر وتركيا تستميتان حتى الآن لإبعاد مصر عن الوساطة، من أجل إبقاء حماس في حكم غزة، كعنوانٍ للانقسام وتشرذم القضية الفلسطينية، تمهيدًا لفرض السيادة على الضفة وإنهاء القضية.

لكن العقل الاحتلالي وإن كان يتمسّك ببقاء الانقسام، إلا أنه الآن يريد غزة بلا حماسٍ أو سلطة، ويعمل لكي تكون بلا سكان، بالتواطؤ مع الكريهِ الرائحةِ الدجّال، صائدِ الطفلات، الذي لا تفارقه مبولةٌ متنقلة، ويخفي ملفات إبستين الصهيوني، قوّاد المشاهير، الهارب من الخدمة العسكرية، والمولود مع أمه خارج الولايات المتحدة، المسمّى بأبي إيفانكا، الذي أقحم نفسه في احتفال فريق تشيلسي بكأس الأندية، وكان اللاعبون يصرخون فيه: "ابتعد أيها الكريه!"

فالدور القطري ليس دورا من رأس حكّامها، بل هو تنفيذ لأوامر أميركية. ولعل تبني جماعة الإخوان جاء في هذا السياق من حيث البذل والعطاء لأذرع هذه الجماعة التي اختارتها واشنطن لتنفيذ مؤامرة التخريب والتقسيم في العالم العربي، فيما سُمّي بالربيع، بدءًا من تونس إلى ليبيا، فسوريا، ثم مصر التي استعصت لصلابة شعبها وجيشها.

وكان وليد المعلم، وزير خارجية سوريا، روى في مقال نشره كيف أنه في بداية الثورة السورية ذهب لمقابلة أمير قطر، ووجد عنده راشد الغنوشي، وسمعه يقول له وهو يودّعه: "لقد حوّلنا لك 70 مليون دولار". فقطر، كما وصفها القنصل الإسرائيلي لديها بعد انتهاء عمله، عبارة عن شيك مفتوح، يوقَّع لمن تطلب له أميركا.

فالهدف الأساسي للأميركيين وإسرائيل هو القضاء على الجيوش العربية بالكامل، كما حدث في العراق وليبيا واليمن، وتولّت إيران، التي سلّمها الاحتلال الأميركي العراق، جزءًا من التخريب.

فكل الأحزاب والجماعات التي تسمّت بالإسلامية هي صنيعة أميركية بريطانية، بدءا من الوهابية ذات المبادئ المستوحاة من الفكر اليهودي المتطرف، مرورا بتأسيس بريطانيا حركة الإخوان المسلمين في مصر أولًا، وصولًا إلى داعش وجبهة النصرة وجيش الإسلام وغيرها.

فليس صدفة مثلا أن تنطلق ألوف من سيارات الدفع الرباعي التابعة لداعش من البادية السورية نحو العراق، وتحلق فوقها المروحيات الأميركية لحراستها إلى أن وصلت إلى الموصل وسيطرت عليها، بوجود خمسين ألف جندي عراقي لم يفعلوا شيئًا، مثلما سيطرت جبهة تحرير الشام على سوريا في بضعة أيام، والجيش السوري لا يعلم ما يجري، وانقطع الاتصال بين قطاعاته بفعل فاعل أميركي بريطاني تركي إسرائيلي.

هذه هي حصيلة الجهد القطري في تنفيذ الخطط الأميركية المدمّرة. ولمثل هذا ربّت أميركا وبريطانيا أجيالًا من الأنظمة العميلة والجماعات الإرهابية والشخوص الغريبة التي تأتمر بأمرها.

روى لي شاعر راحل التقى أمير قطر السابق ذات سنة على مائدة عشاء في الدوحة ما قاله له: "إننا كل الحكّام العرب عملاء، وأنا أولهم". كان الأمير صريحا وفي سلام مع النفس عندما نطق الحقيقة التي يحاول غيره إنكارها، مع أنه ينفذها، وشعارهم: "أنج سعد، فقد هلك سعيد".