في حديثه لوسائل الإعلام يوم الأول من تموز/يوليو 2025، تطرّق ترامب إلى زيارة نتنياهو إلى واشنطن الأسبوع المقبل، مؤكدًا أن الزيارة ستكون "احتفالًا سريعًا بالانتصار (على إيران)... وأنه تم تدمير كل المنشآت النووية الإيرانية، وعلينا أن نحتفي بذلك مع الطيارين الأبطال".
تمنّى ترامب أن يتم إبرام الصفقة خلالها، ثم غيّر لهجته إلى التأكيد بأنه سيكون "حازمًا جدًا بصدد إنهاء الحرب في غزة"، وعلى ثقة بأنه ستكون صفقة الأسبوع المقبل.
على وقع الاستعدادات لهذه الزيارة، التي تقدّر الأوساط السياسية الإسرائيلية أنها تتجاوز الاحتفال، تشهد الساحة الحزبية انزياحات وتحولات مهمة وجدلاً لافتًا: يدور نقاش حاد وصدامي في الكابنيت الإسرائيلي، وحصريًا بين رئيس الأركان زامير والوزيرين سموتريتش وبن غفير، حين يؤكد زامير بأن المهام الحربية قد استُنفدت، وأن الجيش قد احتل ثلاثة أرباع القطاع و"بقيت قضية المحتجزين والأسرى"، فيما يشدّد سموتريتش بأن الانتصار لا يمكن أن يكون رهينة لعودة الأسرى، وأنهم يشكلون ملفًا مهمًا، لكن الأهم هو الانتصار الساحق.
تقدّر بعض المصادر أن مواقف زامير منسّقة مسبقًا مع نتنياهو، الذي يُلاحَظ مؤخرًا ابتعاده عن سموتريتش وبن غفير، وأنه يُبدي عدم اكتراث لمواقف كلٍّ منهما، وحصريًا خلال وبعد الحرب مع إيران، حيث تتراجع شعبية كل منهما بشكل ملحوظ، فيما أن الضغوطات الأميركية لا تترك له مجالًا للمناورة أو للتلويح بأنه واقع تحت ضغوطات من كليهما تحول دون إبرامه للصفقة في غزة.
كان لافتًا تأكيد رئيس الأركان في الأول من تموز بأن "حماس باتت تنظيمًا ميّتًا"، وهو تعبير يتم استخدامه للمرة الأولى بمعنى حسم نتيجة الحرب.
بموازاة ذلك، يتسع نطاق النقاش الإسرائيلي حول "مؤسسة غزة الإنسانية" وإخفاقها في توزيع المساعدات، وكذلك الشهادات من جنود بأنها باتت مصيدة لقتل الفلسطينيين على مدار الساعة، وبأعداد هائلة يوميًّا تفوق المائتين. كما تعارض مصر وقطر هذه الآلية الاحتلالية الحربية تحت مسمّى المساعدات، باعتبارها آلية لمنع إدخال المساعدات الإنسانية، ولمنع المنظمات الإنسانية الأممية من القيام بدورها، وكذلك آلية لتعويق إعادة إعمار القطاع وإدارته عربيًا – فلسطينيًا.
تتحدث إدارة ترامب عن مفهوم جديد غير مسبوق، وهو "التعويض السياسي لإسرائيل" مقابل إنهاء الحرب على غزة.
وقد أُثيرت التساؤلات حول مغزى ومضمون عبارة إدارة ترامب، وهي "التعويض غير المسبوق" لإسرائيل مقابل إنهاء الحرب على غزة، يأتي ذلك في وقت كان الخطاب الدولي ينحو عمليًا نحو فرض عقوبات على إسرائيل ومسؤوليها.
تساءلت المصادر الإسرائيلية ما إذا كانت تصريحات السفير الأميركي في إسرائيل، مايك هاكبي، التي حثّ فيها الرئيس ترامب على استخدام القاذفات العملاقة من طراز B52 لضرب مواقع الحوثيين في اليمن، تدخل في إطار "احتفالية" ترامب – نتنياهو والتعويض الأميركي لإسرائيل.
أو أن تكون "الاحتفالية" والتعويض المنتظر، يتماشيان مع الشهادات التي قدّمها قادة الاستخبارات العسكرية وممثّل الموساد أمام المحكمة الإسرائيلية لتبرير تأجيل جلسات المحكمة التي تنظر في ملفات نتنياهو لمدة أسبوعين.
وفقًا للتقديرات الإسرائيلية غير الرسمية، فالحديث عن التعويض بالتطبيع بين دول عربية معيّنة وبين إسرائيل.
فيما تدرك الإدارة الأميركية بأن إسرائيل غير جاهزة، وليست معنيّة بدفع استحقاقات التطبيع، خاصة مع العربية السعودية، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. كما يتّسع نطاق التقديرات بأن سورية هي المرشحة حاليًا للتطبيع، بينما تضع إسرائيل شروطًا لذلك، وهي التنازل السوري عن الجولان المحتل منذ 1967.
فيما يُطرح مفهوم جديد للتطبيع يقوم على إجبار النظام في دمشق على اتفاق أمني برعاية أميركية - تركية. وتأتي مصادقة ترامب على إلغاء جزئي للعقوبات على سورية ضمن هذا المسعى.
في ضوء ما يجري في الضفة الغربية من تهجير مناطق مختلفة من سكانها، وتقطيع أوصال القرى والمدن، فإن التعويض السياسي لإسرائيل يمكن أن يتضمّن ضمّ مناطق معينة في الضفة الغربية، وهو ما يجري الحديث عنه إسرائيليًّا مؤخرًا، بالإشارة إلى منطقة الخان الأحمر التي تبتر الضفة الغربية شمالًا وجنوبًا، وكذلك في منطقة الخليل ومسافر يطّا التي تتسارع فيها عملية التطهير العرقي.
في مناقشة مغزى فكرة التعويض السياسي أيضًا، يبدو أن الاتجاه قد حُسم أميركيًا بإنهاء الحرب، حتى ولو من خلال دفعتين من صفقة التبادل ووقف إطلاق النار.
هذا الأمر، وفقًا لإدارة ترامب، لا يملك أي سياسي إسرائيلي القدرة على جعله نافذًا إلا نتنياهو.
وعليه، فالتعويض الشخصي للأخير يتمّ بتدخل ترامب المباشر والعلني بوقف محاكمة نتنياهو، فيما ترامب غير مكترث لحيثياتها، بينما يريد إرضاء نتنياهو لأمر ما، وهو تطويعه في خدمة أولويات الرئيس الأميركي.
يبقى التساؤل حول مغزى ترامب من الحديث عن احتفالية النصر، هو ونتنياهو والطيّارين.
هناك تباين كبير ما بين التقديرات الإسرائيلية والأميركية، إذ يؤكّد ترامب أن طائرات B2 قد قضت على المشروع النووي الإيراني، يشكّك الجانب الإسرائيلي في ذلك، ويتضح استخباراتيًّا أن الدمار لم يقضِ على المشروع الإيراني، مما يتطلب، وفقًا لإسرائيل، الإبقاء على المجال الجوي الإيراني مفتوحًا أمام الطائرات الحربية الإسرائيلية، ويتطلب ضربات جديدة للمنشآت الإيرانية، أي تجدد الحرب، رغم الانكشاف للثمن الباهظ والدمار الجوهري الذي أحدثته الصواريخ الإيرانية.
التقدير أيضًا أن ترامب معني بوقف الحرب نهائيًّا بين إسرائيل وإيران، وهو أيضًا موقف الدول العربية عمومًا، والخليجية تحديدًا، فـ"الاحتفالية" تعني قبولًا إسرائيليًّا بالرواية الأميركية وبانتهاء الحرب مع إيران، وهو ما يعني حربًا مفتوحة.
في الخلاصة، فإن التقدير بأن الفترة المقبلة، وحتى إبرام الصفقة في حال أُبرمت، ستشهد تصعيدًا هو الأكثر كثافة في نطاق عملية "عربات جدعون" الإباديّة، وعمل خمس فرق عسكرية إسرائيلية في القطاع، ويبدو أنها تتجه نحو احتلال كامل للقطاع، حتى بدون الإعلان عن ذلك، لدرجة تم تنبيه سكان البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة بصدد التفجيرات الضخمة التي ستحدث في هذه الأيام.
دون أي تفاؤل بصدد المستقبل القريب، إلا أن الضغوطات الأميركية لإنهاء الحرب باتت أكثر فاعلية، ويشكّل التدخل في شؤون إسرائيل الداخلية، السياسية والقضائية، مؤشرًا لذلك.
العناق الذي يعلنه ترامب لنتنياهو يبدو أقرب إلى "عناق الدب"، الذي لا يستطيع نتنياهو الإفلات منه، ويسلّم بأن مفاتيح القرار الإسرائيلي في يدي واشنطن، ويتضح أنه يفضّل أن يأتي قرار وقف الحرب على غزة من ترامب كي لا يتحمّل تبعاته، وفقًا لحساباته السياسية، وهو كما حصل مع وقف إطلاق النار مع إيران.
فكرة "التعويض السياسي لإسرائيل"، التي يمكن أن تتّسع دائرتها، يتطلب مواجهتها عربيًّا، وحصرًا منع ضمّ مناطق في الضفة الغربية، ومنع انسياق إدارة ترامب وراء مساعي حكومة إسرائيل لتقويض السلطة الفلسطينية، ضمن المسعى لمنع قيام دولة فلسطينية وسلام واستقرار دائمين.