صدى نيوز: في ظل الأوضاع الصعبة جدا التي تعيشها فلسطين حالياً، تتواصل تداعيات الحرب القاسية التي اجتاحت قطاع غزة والضفة الغربية، مخلفة وراءها دماراً هائلاً ومعاناة إنسانية لا توصف. وفي هذا السياق، أجرت وكالة "مجر الحاضر" حواراً صحفياً شاملاً مع سفير دولة فلسطين لدى المجر، سعادة السفير فادي الحسيني، الذي تناول فيه بوضوح أبرز القضايا الراهنة.
1. بعد حرب لا ترحم استمرت عامين ولم ترحم السكان، كيف هو الوضع في غزة والضفة الغربية؟ وكيف يعيش الفلسطينيون؟
أولاً أود أن ألفت الانتباه إلى أن القتل والقمع والممارسات العنصرية التي يمارسها الكيان المحتل لم تبدأ قبل عامين فقط. يمكن لأي شخص أن يعود بالتاريخ إلى ما قبل عشرين شهراً أو حتى عقود مضت ويرى ماذا حدث.
لم تعش الأرض المقدسة في سلام. لم يتمتع الفلسطيني المسلم ولا المسيحي بحريته.
بل شهدت مذابح ودماراً وسرقة للأراضي، وبناء المستوطنات، وإهانة الرموز الدينية، وتقييد حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء.
لم يكن السكان المحليون مستعدين لمجزرة بهذا الحجم. الوضع اليوم يشبه ما حدث أيام النكبة عندما تم تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني من منازلهم وتم تدمير أكثر من 500 قرية وبلدة. حدث ذلك قبل سبعة وسبعين عاماً.
أما التهجير الحالي فهو أكثر مأساوية من النكبة. فقد طرد المحتل الإسرائيلي من غزة أولئك الذين سبق وأن هُجّروا عام 1948 وأجبروا على العيش في مخيمات اللاجئين.
حجم الدمار والضحايا هائل، وكل ذلك جرى أمام أعين البشرية. شعب غزة منهك، ليس فقط لأنهم فقدوا كل شيء، بل أيضاً بسبب عجز وتجاهل المجتمع الدولي، مما زاد يأسهم.
كيف يمكن لأولئك الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان والمساواة أن يصمتوا أمام هذا الدمار الوحشي؟
منذ بداية الحرب، قُتل أكثر من 56 ألف إنسان وجُرح أكثر من 133 ألفاً جراء الهجمات الإسرائيلية، غالبيتهم نساء وأطفال وكبار سن. أما الرجال الذين سقطوا أو جرحوا، فأغلبهم آباء وأزواج لا علاقة لهم بالصراع المسلح.
لقد دُمّر 70٪ من قطاع غزة. هناك مناطق محيت بالكامل عن وجه الأرض. 95٪ من مدينة رفح و90٪ من بيت حانون دُمرت بسبب الهجمات الإسرائيلية.
2. ما هي الخسائر التي تكبدها المجتمع الفلسطيني؟
عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين تشمل أيضاً فقدان النخبة المثقفة. لا توجد إحصاءات نهائية بعد، لكن من بين الضحايا هناك 350 طالب جامعة، 150 أكاديمياً ونحو 100 صحفي. ناهيك عن المدرسين والأطباء والمحامين وغيرهم. لكن الخسائر ليست بشرية فقط.
هناك مكتبة غزة التي احترقت بالكامل. هذه المؤسسة أقدم بمرتين من عمر دولة الاحتلال. المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية وشبكات الخدمات العامة دُمرت عملياً بالكامل.
ومع ذلك، فإن الشعب الفلسطيني قوي وصامد. مثال حي على ذلك هو الطالب الفلسطيني الذي درس في المجر بفضل منحة Stipendium Hungaricum. هذا العام كان من بين أفضل الطلبة أداءً رغم الضغط النفسي الهائل عليه لأن عائلته تعيش في غزة وعانت كثيراً خلال العامين الماضيين.
السفارة الفلسطينية في المجر تفخر بطلابها وتكرمهم بجوائز خاصة. الطالب عمر أبو سهمود مثال حي على أن الأمل بمستقبل أفضل باقٍ رغم الألم والخسارة. هذه هي رسالة تكريم الطلاب.
3. الحرب على غزة صرفت الانتباه عن الضفة الغربية والقدس الشرقية. ماذا يجري هناك الآن؟
لا يجوز أن ننسى الضفة الغربية. هناك تجري حالياً عملية تطهير عرقي حرفياً، تُنفذ بصمت وبعيداً عن أعين المجتمع الدولي. المذابح ضد الفلسطينيين ممنهجة ومخطط لها مسبقاً.
في الضفة الغربية دُمّرت المخيمات التي عاش فيها أبناء وأحفاد المهجّرين من عام 1948.
من المهم أن نتحدث عن ذلك، إذ هاجمت قوات الاحتلال مخيم جنين للاجئين تحديداً في ذكرى النكبة.
في الضفة الغربية أصبح عشرات الآلاف من الفلسطينيين بلا مأوى بعدما هدمت قوات الاحتلال بيوتهم ومنعتهم من العودة.
شهدنا في التاريخ شعوباً تتضور جوعاً وتعاني الجفاف والأوبئة، لكن في غزة يموت عشرات الأطفال الفلسطينيين يومياً فقط لأنهم لا يجدون طعاماً مناسباً. ليس بسبب نقص الغذاء أو المياه في المنطقة، بل لأن قوة قاتلة تدمرهم عمداً.
لذلك تقف العديد من الشعوب مع الفلسطينيين لأنهم لا يقبلون أن يموت الناس بلا معنى في فلسطين.
4. أين العالم العربي والإسلامي من مواجهة هذا التدمير والقتل؟
أسمع هذا السؤال دائماً من المتضامنين معنا. يطرحه كل من يقف إلى جانب حقوق الإنسان ويدين الجرائم التي تُرتكب منذ ٧٧ عاماً وظهرت للعلن بشكل أوضح في العشرين شهراً الماضية.
وهنا السؤال المنطقي: أين كان العالم المسيحي عندما رأى إذلال المسيحيين في القدس وهم فقط أرادوا الصلاة في كنائسهم؟ أين كان الغرب المسيحي عندما منعتهم قوات الاحتلال من الاحتفال بأعيادهم الدينية؟ أين كان العالم المسيحي عندما قتل القناصة الإسرائيليون نساءً فلسطينيات مسيحيات لجأن إلى الكنائس معتقدات أن العالم المسيحي لن يقبل بانتهاك حرمة الكنيسة؟
أو عندما قتل قناص إسرائيلي صحفية مسيحية قبل ثلاث سنوات في جنين رغم أنها كانت ترتدي كل علامات الصحافة؟ أين كان العالم المسيحي عندما قصفت وهُدمت كنائس واستهدف الطيران الإسرائيلي ثالث أقدم كنيسة في العالم في غزة؟
أين كان العالم المسيحي عندما رأى أعداد الفلسطينيين المسيحيين الأصليين تتضاءل عاماً بعد عام؟
أسأل: أليست أرض المسيح فلسطين؟ أليست الأرض المقدسة هي أصل المسيحية؟ أليس من واجب المسيحية وحقها حماية وجود المسيحيين؟ أليست هذه أسئلة مشروعة؟
يسألون عن العالم العربي، ولكن ماذا عن أوروبا؟ أوروبا تتحدث عن الأخلاق والمبادئ وحقوق الإنسان والكرامة والعدالة، فأين هذه القيم عندما يتعلق الأمر بفلسطين؟
عندما أواجه هذه الأسئلة، أشعر أحياناً أن لون البشرة أو العرق أو الدين يصبح مهماً. وهذا خطأ كبير.
الطفل الذي يُنتزع منه حياته وألعابه ويعيش حزن فقدان أمه أو أبيه أو كليهما، يظل طفلاً مهما كان لون بشرته أو عرقه أو دينه.
الأخلاق غير قابلة للتجزئة، والمبادئ كذلك، ولا تتغير حسب خلفية الضحية.
أولاً يجب إيقاف الإبادة، ثم إنهاء الاحتلال، ثم تحرير الشعب الفلسطيني. بعدها فقط يمكننا الحديث عن السلام. هذا واجب كل من يؤمن بقيم الإنسانية. ومن يختار الصمت – فإن صمته يجعله شريكاً في الجريمة – ولا يحق له مستقبلاً أن يتحدث إذا تعرض شعب آخر للاضطهاد.
5. قبل أربع سنوات وقعت عدة دول عربية اتفاقيات إبراهيم. الآن مع عودة ترامب رئيساً، ما المتوقع من القادة العرب؟
لدولة فلسطين موقف واضح في هذا الشأن. أي اتفاق مع الكيان المحتل لا يلتزم بمبدأ «الأرض مقابل السلام» لا يخدم القضية الفلسطينية.
هناك مبادرة السلام العربية وضعها العرب والمسلمون عام 2002. تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام. يدعمها 57 دولة. أي أنه إذا اعترفت إسرائيل بدولة فلسطين المستقلة وانسحبت من الأراضي المحتلة – وهو ما تؤكده قرارات الأمم المتحدة – فإن جميع هذه الدول ستعقد سلاماً تلقائياً مع إسرائيل.
لكن حتى لو وقعت إسرائيل اتفاقيات سلام منفردة مع الدول العربية، فإن الصراع سيبقى إن لم تتوصل لاتفاق مع أصحاب الأرض الشرعيين. الصراع سيظل قائماً طالما لم يُعترف بحق شعب آخر في العيش على الأرض المقدسة.
اليوم تحكم إسرائيل قيادة متطرفة. بقاء الحكومة الإسرائيلية مرتبط بتأجيج الصراع في غزة والضفة. من مصلحة الحكومة الحالية استمرار التدمير والقتل. ولو اختار نتنياهو الحل السلمي لانتهى الدعم الائتلافي لحكومته فوراً.
6. إذن الاحزاب داخل الحكومة الإسرائيلية موحدة فقط لأنها تشن حرباً على الفلسطينيين؟
هذا ما يقوله محللون وخبراء دوليون وعرب. حتى الصحف الإسرائيلية تقول إنه لو تم التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين فإن حكومة نتنياهو ستنهار فوراً.
يرسل نتنياهو وفوداً للتفاوض فقط لكسب الوقت، لكنه في الحقيقة ليس من مصلحته إيقاف الحرب
7. مع هذا الواقع، ما مصير سكان غزة؟ وما هو مستقبل الفلسطينيين؟
أهم شيء بالنسبة لنا أن نعيش بكرامة. نحن نقاتل ونعاني لنحافظ على كرامتنا. لولا ذلك لكان أكثر من مليوني فلسطيني في غزة قد وجدوا حلاً آخر منذ زمن.
طرح الفلسطينيون والقيادة المصرية خطة مفصلة لإعادة إعمار غزة، تدعمها عدة دول في المنطقة. الأمر كله يعتمد على إسرائيل: متى ستنهي الحرب ومتى ستنهي معاناة الناس؟
رغم ظروف الحرب، لا يريد الناس مغادرة غزة أبداً. لن يتركوا أرضهم الأم مهما حدث.
8. برأيك لماذا تنقل معظم وسائل الإعلام الأوروبية، ومن بينها المجرية، الموقف الإسرائيلي فقط وتسكت صوت الفلسطينيين؟ حتى الأحزاب اليمينية الأوروبية ابتعدت عن الفلسطينيين ووقفت مع إسرائيل بشكل كامل؟
للأسف الإعلام الفلسطيني يجد صعوبة كبيرة في إيصال رؤيته خاصة على المنصات الغربية. لا يستطيع نشر أخباره وواقعه على نطاق واسع. معظم وسائل الإعلام الغربية مملوكة لأيدٍ معدودة، ولذلك تروج فقط للرواية الإسرائيلية.
معظم وسائل الإعلام الأوروبية تملكها جهات ذات موارد ضخمة ولها نفوذ كبير، ولا تتعامل بموضوعية مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بل تعمل كآلة دعائية داعمة لإسرائيل.
مثلاً ينقلون صورة مفادها أن كل من في غزة مقاتل مسلح أو داعم لإحدى التنظيمات. كذبة شبيهة بفكرة «الدروع البشرية» التي لم يستطيعوا إثباتها أبداً، لكن يكررون الكذبة حتى يصدقها الناس. هذه الأخبار تخدم الرواية الإسرائيلية.
9. هل تتصرف شبكات التواصل بنفس الطريقة؟ لقد حظرني فيسبوك شهراً كاملاً لمجرد أنني نشرت صورة طفل فلسطيني مقتول.؟!
معظم وسائل الإعلام لم تقف يوماً معنا. سأعطي أمثلة: عندما يُقتل فلسطيني، تكتب الصحافة أنه «تم القضاء على مسلح فلسطيني». بينما لو قُتل جندي إسرائيلي، فإنهم يذكرونه بالاسم ويسردون أقاربه الذين يبكونه. هذا ليس جديداً. عالم الإعلام دائماً استخدم المعايير المزدوجة ضد الفلسطينيين.
هذا دليل على أن مصالح معظم ملاك الإعلام الغربي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاحتلال الإسرائيلي. لذلك فإن معظم وسائل الإعلام التقليدية منحازة لإسرائيل.
أما وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أيضاً منصات إعلامية، فقد غيرت طريقة نقل الأخبار. لكن حتى المنصات الإلكترونية لا يمكنها الانتشار بدون حسابات نشطة على مواقع التواصل. في البداية نجحت الرواية الفلسطينية في منافسة الرواية الإسرائيلية وأوصلت صوتها للعالم، لكن أصحاب هذه المنصات لهم نفس المصالح مع إسرائيل، لذلك يفرضون رقابة ويحجبون المنشورات الداعمة للفلسطينيين. لكنهم لن يستطيعوا إسكات الجميع.
10. السياسيون والإعلام الغربي منحازون لإسرائيل. ما موقف المجتمع الغربي والمنظمات المدنية والمجتمعات؟ وكيف تعاملوا مع الحرب الأخيرة؟
خلال العامين الماضيين أُتيحت لي فرصتان أو ثلاث فقط لأعرض الموقف الفلسطيني وأشرح الحرب من منظور فلسطيني. هذا قليل جداً، بينما الطرف الآخر يشرح موقفه يومياً. لذلك اضطررنا إلى تعزيز وسائلنا الخاصة وفتح قنواتنا عبر وسائل التواصل لإيصال الحقيقة للعالم. ونتيجة لذلك وصلت الأخبار الحقيقية إلى عدد متزايد من الناس الذين صُدموا بها وتفاعلوا معها.
أعتقد أن معظم المجريين يقفون معنا، على الأقل الذين التقيت بهم جميعهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين. معظم الناس لا يقررون بناءً على العاطفة، بل بناءً على قناعاتهم.
وجدنا أن أغلبية الناس تقف مع حقوق الإنسان، وهي حقوق تخص كل أمة. لهذا يحظى الفلسطينيون بدعم شعبي واسع، لأن لكل شعب – بما في ذلك الفلسطينيون – حق تقرير المصير.
11. ما رأيك في مصير اللاجئين الفلسطينيين؟ هل سيكون أمامهم خيار سوى مغادرة أرضهم؟
أقولها بصراحة: ظننت أننا سنكون في هذا الموقف على وفاق مع السياسة المجرية. لماذا؟ لأن سياسة المجر واضحة جداً تجاه قضايا اللجوء. لذلك كان مفاجئاً أن تتفق المجر بالكامل مع نتنياهو. لم يكن أحد ليتوقع أن يجد أحدهم مبرراً لطرد مليوني فلسطيني.
الموقف المنطقي والعقلاني هو رفض أي تهجير أو ترحيل جماعي لشعب كامل. إذا كنت حقاً تريد الحفاظ على الهوية العرقية والثقافية لبلدك، فإن أول ما تفعله هو رفض أي تهجير واضطهاد. لذلك كنت أعتقد أن موقف المجر في هذه القضية سيكون واضحاً تماماً ضد تهجير الفلسطينيين.
12. أوروبا، وإن كانت تعتبر نفسها مسيحية ثقافياً فقط، إلا أنها تعلن انتماءها للمسيحية. أما المجر وحكومتها فتقفان بحزم أكبر بكثير إلى جانب المسيحية وتؤكدان دعمهما للجاليات المسيحية في الشرق الأوسط. ومع ذلك فإن الغالبية العظمى من المسيحيين الفلسطينيين لم يعودوا يعيشون في الأرض المقدسة. ترى لماذا؟
أود أن أوضح أن كثيرين لا يصدقون أصلاً أن هناك فلسطينيين مسيحيين. في مخيم جنين للاجئين بالضفة الغربية يعيش عدد كبير من المسيحيين. أما أنا فقد نشأت في غزة، وبالرغم من أنني مسلم فقد درست في مدرسة كنسية مسيحية.
قبل نكبة 1948 ـ أي قبل تهجير الفلسطينيين ـ كان المسيحيون يشكلون 11% من سكان الأرض المقدسة. أما اليوم فلا تتجاوز نسبتهم 1%. وعندما يُبحث عن سبب هجرة المسيحيين، يُذكر الاضطهاد دائماً. ولهذا من المهم جداً تسمية من يضطهد المسيحيين الفلسطينيين ولماذا. السبب الرئيسي لهجرة المسيحيين الفلسطينيين هو وجود قوات الاحتلال في الأرض المقدسة. هدف إسرائيل هو إفراغ المنطقة بالكامل من المسيحيين.
وهذا يغيّر التركيبة الديمغرافية لفلسطين. وما زال هذا الفعل مستمراً حتى يومنا هذا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث تتكرر الهجمات ضد المجتمعات المسيحية. ومؤخراً تعرض سكان الحي الأرمني في القدس لانتهاكات، ويحاول المحتلون شراء ممتلكات المسيحيين بالقوة.
الوضع في غزة مأساوي. لم يتبقَّ سوى نحو خمسمائة مسيحي فلسطيني. هذا الرقم كان ضعف ما هو عليه الآن قبل الحرب الحالية. لطالما عامل الإسرائيليون المسيحيين كأقلية، وهذا ما نرفضه تماماً. فالمسيحيون الفلسطينيون متساوون مع الجميع وهم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني.
وهذا دليل على أن الفلسطينيين يعيشون هنا منذ آلاف السنين، ولهم الحق الكامل في المطالبة بأرضهم بغض النظر عن ديانتهم إن كانوا مسيحيين أو مسلمين أو يهوداً.
المسيحيون الفلسطينيون في غزة يتعرضون لإطلاق النار والهجمات من قوات الاحتلال مثلهم مثل غيرهم. في بداية الحرب الأخيرة احتمى مسيحيو غزة بالكنائس، لكن القوات الإسرائيلية استهدفتها أيضاً، واستشهد 18 مسيحياً بريئاً في هجوم واحد. وفي حادثة أخرى قنص قناصة إسرائيليون امرأتين فلسطينيتين مسيحيتين برصاص موجه إلى الرأس.
من المهم أن يعلم الشعب المجري أن من واجبه الوقوف إلى جانب الفلسطينيين، لأنهم بشر أيضاً. ما يتعرض له الفلسطينيون، ومن بينهم المسيحيون، هو إبادة جماعية. إنهم يحاولون محونا من على وجه الأرض. ورغم ذلك، يقف كثيرون معنا إلى جانبنا، وقد قدّم لنا البابا فرنسيس الثاني دعماً كبيراً، وكان دائماً يتابع أوضاع المجتمعات في غزة والضفة الغربية ويقلق عليها.
إن المسيحيين الفلسطينيين يريدون بالدرجة الأولى أن يُنظر إليهم كبشر وكفلسطينيين. لا يريدون أن يُدعَموا لأنهم مسيحيون فقط، بل لأنهم فلسطينيون ولهم الحق في العيش على أرضهم وفي دولتهم المستقلة. وهذا يتعارض مع هدف تل أبيب الذي يتمثل في ألا يبقى مسيحي واحد في القدس وبيت لحم وكل فلسطين.
13. قرأنا عن اجتماع تشاوري سياسي بين المجر وفلسطين. هل يمكن أن تحدثنا عنه أكثر؟
عُقد هذا الاجتماع المهم بعد أكثر من ثماني سنوات من التوقف. جرى الاجتماع بين السيدة بالايتي هنريتا، المديرة السياسية بوزارة الخارجية المجرية، والسفير عادل عطية، مدير دائرة الشؤون الأوروبية في وزارة الخارجية الفلسطينية.
كان اللقاء فرصة جيدة لإعادة فتح القنوات والعلاقات بين بلدين صديقين. فالمجر والشعب المجري صديقان لفلسطين ولدينا تجارب مشتركة كثيرة.
لم يكن ينبغي تأجيل هذا اللقاء كل هذا الوقت. من الصحي أن نستمر في تبادل الآراء حول جميع القضايا. وكلما عقدنا المزيد من هذه اللقاءات على مستويات دبلوماسية مختلفة اقتربت مواقفنا من بعضها البعض أكثر وفهمنا وجهات النظر التي قد تبدو متناقضة من بعيد، وقد نصل إلى صيغة مشتركة ترضي الجميع.
بطبيعة الحال، يبقى الجزء الأكبر من هذه المباحثات خلف الأبواب المغلقة، لكن يمكنني القول إن هذا خطوة مهمة جداً لإعادة بناء الجسور بين البلدين الصديقين اللذين يجمعهما الكثير أكثر مما يفرقهما.
14. هل يمكن أن تحدثنا عن الوجود الفلسطيني والجالية الفلسطينية في المجر؟
الفلسطينيون شعب فخور. يفخرون بجذورهم وأرضهم وتاريخهم. وأينما وجدوا موطناً جديداً يتركون أثراً إيجابياً خلفهم.
أود أن أشير إلى أن الجالية الفلسطينية في المجر رغم قلة عددها ـ بالكاد تصل إلى ثمانمائة شخص ـ فإنها تلعب دوراً نشطاً داخل المجتمع المجري. للأطباء الفلسطينيين في المجر جمعية خاصة بهم وقد قدموا العديد من الخدمات والدعم للمؤسسات الاجتماعية. كما أن رجال الأعمال الفلسطينيين حاضرون في الحياة الاقتصادية المجرية، ويعمل في المجر عدد من المحامين الفلسطينيين وأساتذة الجامعات. وما هو مهم أنه لا يوجد أي فلسطيني في السجون ولا تجري ضد أيٍّ منهم أي إجراءات جنائية. أعتقد أن هذه أمور مهمة لأي مجتمع مضيف، إذ إن وجود شعب أجنبي يدعم المجتمع ويدفعه إلى الأمام بدلاً من إعاقته عن التقدم.
ويشمل العدد المذكور أيضاً الطلاب الذين يدرسون في المجر إما بمنح دراسية حكومية مجرية أو على نفقتهم الخاصة. وبالحديث عن الطلاب، فإن الطلاب الفلسطينيين أثبتوا التزاماً وتفانياً كبيرين. وقد تميزوا بتفوقهم الأكاديمي ـ وسبق أن ذكرت أن الطالب الفلسطيني عمر أبو سهمود حصل على جائزة أفضل طالب أجنبي في المجر، واعتبرها أغلى هدية يمكن أن يقدمها لوطنه ووالديه اللذين يعيشان حالياً في ظروف كارثية في قطاع غزة. وقد أتقن الطلاب الفلسطينيون اللغة المجرية وتأقلموا مع الثقافة المجرية وتعرفوا على تاريخ هذا الشعب العريق.
15. وأخيراً، كلمة ختامية للقراء المجريين؟
إن الشعب الفلسطيني له تاريخه الخاص. فمنذ سبعة وسبعين عاماً وهو يعاني من الاحتلال، وقد تحمل الكثير، وعانى ما يفوق ما يمكن للعقل والقلب البشريين أن يتصوراه.
الفلسطيني يحب الحياة. يحب أن يعيش حياة كريمة. ما يحلم به شبابنا وشيوخنا هو الحرية. إنهم يحلمون بدولة مستقلة مثل أي شعب على هذه الأرض. وما نطالب به هو أن نعيش بحرية على أرضنا، أرض أجدادنا وأحفادنا. سنبقى على هذه الأرض حتى يتحقق العدل. وسنظل صامدين حتى تتحقق حرية فلسطين.