تكمن أهمية ما تروّجه أبواق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أكثر شيء، في تقديم رؤية لمفهومه، والتي غالبًا ما يجرى اتباعها في ممارساته اللاحقة، فما الذي يمكن قوله بشأن هذه الرؤية فيما يحيل على مستقبل الصراع مع إيران؟
لعل أول ما يطالعنا ما يخصّ رؤيته إلى ما يمكن توصيفه بـ"الآن"، وهذا يمكن استشفافه من إطلاق أحد هذه الأبواق في صحيفة يسرائيل هيوم صفة "حرب إيران الأولى" على المواجهة العسكرية بين الجانبين التي استمرّت 12 يومًا، وباتت تعرف أيضًا باسم "حرب الأيام الـ12". وانطلاقًا من هذا "الآن"، يمكن افتراض أن حكومة نتنياهو بدأت تعدّ العدة لـ"حرب إيران الثانية"، إن لم تكن قد باتت في خضمّها.
وبطبيعة الحال، سوف تعتمد أنماط الحرب الثانية على الافتراضات الإسرائيلية التي ما زالت تحكم رؤية الحكومة إثر انتهاء الحرب الأولى، وفي مقدّمها أن إيران ستبقى عازمة على تسريع تخصيب اليورانيوم، فضلًا عن اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% الموجود لديها فعلًا. وبحسب ما نشر، كانت طهران متّجهة نحو تخصيب كمية تكفي لصنع 15 قنبلة نووية بحجم قنبلة هيروشيما، وفقًا لتقديراتٍ لدى الجيش الإسرائيلي. وربما يجدر أن يُعاد التذكير بأن الجيش الإسرائيلي برّر قرار شنّ الحرب بأن إيران أحرزت تقدّمًا كبيرًا نحو تحقيق هدف امتلاك قدرة على إنتاج سلاح نووي في فترة قصيرة نسبيًا. واستنادًا إلى ذلك، نشأت حاجة مُلحّة إلى العمل على إحباط المشروع، وخصوصًا بعد أن سرّعت إيران أخيرًا العمل على مكوناته السرّية.
الخلاصة التي لا تجد من يختلف بشأنها في إسرائيل أنه نظرًا إلى حجم المشروع النووي الإيراني، لا توجد قوة عسكرية في العالم، حتى لدى الولايات المتحدة، قادرة على تدمير هذا المشروع أو تفكيكه بهجوم واحد، أو بهجومين، مهما كانا كبيرين وناجحين. وبالتالي، لا يمكن لإسرائيل أن تفعل ذلك. ولكن إسرائيل قادرة على ضرب أهداف نوعية ومهمّة في إيران، بينها أهداف نووية، من دون أن تستطيع تفكيك المشروع النووي بحدّ ذاته، أو القضاء عليه. وكتب الكثير أنه بموجب تصوّر خاطئ، يبدو المشروع النووي الإيراني، في نظر إسرائيل، نوعًا من منشأة، أو حاجز يمكن تدميره، أو تفكيكه بهجوم ناجح واحد، أو هجومين، بالطريقة التي جرى فيها تدمير المفاعل النووي العراقي في 1981 بواسطة سلاح الجو الإسرائيلي، أو المفاعل السوري الذي دُمّر في سبتمبر/ أيلول 2007. غير أن أكثر من خبير إسرائيلي سبق أن أكّدوا وأعادوا أخيرًا تأكيد أن الحديث يدور حول مشروع ضخم وأخطبوطي، تطوّر على مدار عشرات الأعوام إلى أن وصل إلى حجمه الحالي. والمنشآت النووية الإيرانية موزّعة على عشرات المواقع الكبيرة والمركزية وبعض المنشآت الصغيرة المنتشرة على عشرات النقاط في شتى أنحاء الدولة (مساحتها 70 ضعف مساحة إسرائيل).
ما يجري التركيز عليه الآن التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران يكون أفضل من اتفاق 2015 الذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضغط من نتنياهو، وتكون غايته منع تأهيل البرنامج النووي، والحؤول دون تطوير صواريخ باليستية بعيدة المدى ذات قدرة على حمل رؤوس نووية، إنما إلى جانب التشديد أكثر فأكثر على المراقبة والضبط، ومن ثم المعاقبة.
وفي الشأن المرتبط بالمراقبة والضبط والمعاقبة، يستشهد المقرّبون من نتنياهو في كل ما هو متعلق بإيران وأنماط الحرب الثانية ضدها، بما تقوم به إسرائيل ضد حزب الله في لبنان بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين الجانبين في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2024. ويجري التنويه بأن الفارق بين ما انتهت إليه حرب 2006 وما انتهت إليه الحرب أخيرًا قيام إسرائيل عملياتيًا بالمراقبة والمعاقبة، حيث تشير المعطيات الإسرائيلية إلى شن إسرائيل منذ آخر اتفاق أكثر من 400 هجمة في الأراضي اللبنانية أي بمعدل أكثر من هجمتين يوميًا.