في العام 1993، كتب بنيامين نتنياهو أن الخطر الوجودي على إسرائيل ليس من قبل العرب، بل من قبل إيران نووية، وقدّر أنه في العام 1999 سوف تنتج هذه القنبلة، وفي العام 2012 حذّر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن إيران قد تنتج القنبلة خلال أشهر.

وفي كلماته وبياناته يحذّر دائمًا بأنّ إيران نووية خطر على المنطقة وعلى أوروبا، ثم على الحضارة البشرية برمّتها.

في العام 2015، وقّعت إيران اتفاقية لتخفيض تخصيب اليورانيوم مقابل تخفيف العقوبات مع ست دول كبرى، هي: أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. إلا أن دونالد ترامب، في فترة رئاسته الأولى، انسحب من الاتفاقية وذلك في العام 2018.

هدف نتنياهو من هذه الحرب لا يقتصر على وقف تخصيب اليورانيوم ومنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، بل يتجاوز ذلك إلى قدراتها الصاروخية التقليدية، وإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية، وإحلال نظام يتّسق مع المناخ الإقليمي العام الذي يخدم رؤية الشرق الأوسط الجديد بحسب نتنياهو.

هذا يعني أنه، مثلما جرى تفكيك العراق وإسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 تحت ذرائع امتلاك أسلحة دمار شامل، وتهديد السلم العالمي، ودعم الإرهاب، يجري اليوم إعادة الكرّة مع النظام الإيراني.

نظام الجمهورية الإسلامية نشأ عام 1979، ورفع منذ لحظته الأولى شعار "الموت لإسرائيل"، فقد كانت إسرائيل الداعم الأساسي لنظام الشاه إلى جانب أميركا.

جاء نظام آيات الله الذي رفع شعار نصرة المظلومين، ورأى بأنّ الشعب الفلسطيني ضحية للظلم الصهيوني، وأن القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين أسيرة، ووضعها على رأس سلّمه العقائدي، وأغلق سفارة إسرائيل في طهران وقطع العلاقة معها، وأدخل مكانها سفارة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.

لم يتوقف نظام إيران عند هذا، بل دعم حزب الله منذ تأسيسه عام 1982، وكان له الفضل الأكبر في تسليحه وتوسيع نفوذه وقدراته العسكرية، والذي أعلن بدوره ولاءه للفقيه. كذلك واصل دعم المقاومة الفلسطينية، وخصوصًا الجهاد الإسلامي ثم حركة حماس.

أميركا والغرب يدعمون نتنياهو في هجومه، ولكن خطوة خطوة، فها هو ماكرون، رئيس فرنسا، يعلن أنّه لا يمكن تخيّل الحياة بوجود سلاح نووي بيد إيران، وها هي بريطانيا ترسل بعضًا من سلاحها البحري إلى منطقة الصراع، بهدف الوقوف إلى جانب إسرائيل وأميركا حين يُطلب منها ذلك، وألمانيا اعتبرت الهجوم على إيران دفاعًا عن النفس، ولن تتردد بالدّعم المطلوب.

ترامب يدّعي أنه لن يتدخّل إلا إذا رأى ضرورة لحماية إسرائيل، ولكن الواقع أن أميركا شريكة منذ البداية، فقد بارك الهجوم وقال إنه ممتاز، وسوف يتدخّل مباشرة هجوميًا حين يرى إسرائيل عاجزة عن تحقيق أهدافها لوحدها.

إلى جانب الهجمات ضد أهداف عسكرية، توجّه إسرائيل ضربات كبيرة إلى أهداف مدنية، وقبل هذا هنالك عقوبات اقتصادية شكّلت ضغطًا على حياة الناس ومستوى المعيشة في إيران، إضافة إلى عمليات التخريب التي ينفّذها عملاء الموساد، أو معارضون للنظام يستغلهم الموساد للتخريب، والتجسّس، والقيام باغتيالات وبثّ فوضى في البلاد، بهدف تثوير الشارع الإيراني ضد النظام، وهذا ما أوضحه نتنياهو في كلمته بعد الهجوم، بأنه يطمح إلى رؤية الشعب الإيراني متحرّرًا من الحكم المتخلّف كما يصفه، وإلى إقامة علاقات سلام بين الشعبين الإيراني والإسرائيلي.

بعد السابع من تشرين الأول، أعلن نتنياهو في بداية حربه على قطاع غزة: "نحن خارجون لتغيير وجه الشرق الأوسط". وكما حدث في قطاع غزة والضاحية، بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي بمطالبة سكان طهران بإخلاء مناطق معيّنة، تمهيدًا لقصفها، وهذا يعني أنه سوف يستخدم المدنيين والمرافق المدنية وسيلة ضغط لتثوير الناس ضد النظام.

رغم ما يخطّطه نتنياهو، والقوة الهائلة بيده، إلا أن إيران ليست قطاع غزة المحاصر، ولا هي الضاحية الجنوبية.

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها إسرائيل في اليوم الأول، وكذلك ما يمكن أن تنجزه في الأيام القادمة، إلا أن "بهجة النصر" تلاشت مع الضربات الدقيقة غير المسبوقة التي وجهتها إيران لإسرائيل بصواريخ من الصناعة الإيرانية، وهنالك فارق كبير بين من ينتظر تزويده بالسلاح من خارجه، وبين من يصنع السلاح بيده.

تبلغ مساحة إيران مليونًا و648 ألف كيلومتر مربّع، ما يسمح لها بالمناورة، ومواصلة الإنتاج الحربي لسنين، وليس لأسابيع أو أشهر.
إضافة إلى العقيدة التي ترفد المواقف السياسية وتدعمها، وترفض الخنوع للعدوان.

ولا ننسى وجود قوى عالمية مثل الصين وروسيا رفضت العدوان على إيران، ولها مصلحة كبيرة في صمود إيران، إضافة إلى ما صرّح به خواجه آسف، وزير الدفاع الباكستاني، الذي قال إنّ "بلاده تقف إلى جانب الإخوة في إيران وتدعمها، بسبب العلاقات التاريخية بين البلدين، ولأن عدوانية إسرائيل ستطال الجميع".

هذا يعني أن هذه الحرب تحمل الكثير من المنعطفات والتعقيدات وربما المفاجآت.

قد تؤخّر الحرب مشروع إيران النووي، ولكنها لن توقفه، ولا يبدو أنّ نتنياهو سيكون قادرًا على فرض شروطه لوقفها، كذلك لن يثور الشعب الإيراني على نظامه، لأنّ حالة الحرب تجمع الشعب من حول قيادته، وليس العكس.