هذه مقدمة الصديق المبدع عبد الرحيم الشيخ لروايتي القصيرة: (السفر إلى كعكة القمر). التي ستصدر عن دار نشر (مرفأ) في بيروت قريباً.
زيــاد خــداش
كنوع من الطاعة المؤجَّلة، يحيي السرد الموتى في هيئة أطياف قادمة من الماضي، تزامل فيها الأرواح الأشباح، لإنقاذ الحاضر من أخطاء الماضي وخطايا المستقبل، دون أن تربك نظام الزمن. وكنوع من العصيان المؤجَّل أيضاً، بعد إذن فرويد، يميت السرد الأحياء حين يرغمهم على الاستماع إلى أطياف قادمة من المستقبل لحماية الماضي من أخطائه وخطايا الحاضر. ولكن معرفة المستقبل، التي تنوس بين اليقين والخلاص، تربك نظام الزمن وتحمل ابن الإنسان على قتل الدَّجالين القدامى: الجد والأب... والابن، إن اقتضى الأمر، بأثر رجعي أو استباقي، لئلا تحل الكارثة. في «السفر إلى كعكة القمر»، وفي مهمة موزعة بين الطاعة والعصيان، يرجع زياد خداش في آلة الزمن من هنا والآن (مخيم الجلزون الذي في رام الله، 2024) إلى هناك وآنئذٍ (بيت نبالا التي في الرملة، 1947) لمدة يومين. يرجع إليها، ولا يعود، ممثلاً جديداً، للمستقبل الحاضر، على مسرح قديم. وحتى يتخلص من ملامح الزائر الولهان للقرية فيما مضى والمنذر العريان لأهلها من كارثة النكبة فيما سيأتي، يتقمص شخص هايل وشخصيته. لكن قناع الدرويش العارف، الذي انتحل بعض صفات حي بن يقظان، لا يسعفه طويلاً... يؤسَر الزائر- المقيم في زمن النكبة، وتفوته رحلة العودة إلى الحاضر، ويضطر أن يحيا انفصام الأزمنة والأمكنة في بعد رابع ينهك السرد: فكيف للابن أن يرى أباه يكبر أمامه؟ وكيف للأم أن تصغر ابنها؟ وكيف للمرء أن يستمع إلى صرخة ميلاده على درب الآلام؟ كيف له أن يقول: «أنا وأنا في بيت واحد» في القدس ورام الله والرملة، وبالعكس؟ لم يحتمل الفلسطيني زيارة نفسه في مرآة الزمن، ولم يستطع أن يكون نذير الكارثة وشاهدها وضحيتها... داهمه طيف محمود درويش، وذكَّره أنه سارد وليس شاعراً، فتمتم، قبل أن يغرس سكينه في قلب بطل خذلته البطولة، «آن (للسارد) أن يقتل نفسه»!.